بقلم رئيس التحريرتحقيقات صحفيه

ابراهيم البسيونى يكتب : ملفات ساخنة على مكتب الرئيس المنتخب

 

الصحفى ابراهيم البسيونى
الصحفى ابراهيم البسيونى

تغيير الحكومة وتطهير بحيرة السد وبناء مصانع وبيعها ونقل معسكرات الجيش خارج المدن!

■ قبول الإخوان الذين لم يرتكبوا عنفا وقبول الفلول الذين لم يتورطوا فى فساد وتضييق الاستعانة بالعسكريين إلا فى المحافظات الحدودية!
■ تغيير ترسانة القوانين التى تسد شرايين الحياة فى مصر وتؤخر تحقيق العدالة وتصيب المسئولين بالرعشة وتمنع مزيدا من الاستثمارات!
■ إعادة تكوين مؤسسة الرئاسة وبنك للشخصيات يحتفظ بملفات الكفاءات للاستفادة منها فى شغل المناصب!
مجموعة الأوراق البيضاء التى ستوضع على مكتب الرئيس الجديد فى اليوم الأول لتوليه السلطة هى تذاكر سفر مفتوحة إلى التغيير.
الكلمات التى سيكتبها عليها يجب أن ترقى إلى مستوى الرسالات.. وتستهدف الكفاءات.. وتشطب من حياتنا تعبير العشوائيات.
يجب أن تكون أفكاره مدهشة.. براقة.. هاربة من السراديب المعتمة.. باحثة عن سماء رحبة.. مشرقة.
عليه أن يكسر أجنحة ما تبقى من نظام ديكتاتورى فاسد سقط فى «يناير».. ويقتلع أظافر وأنياب ما تبقى من نظام دينى فاشى سقط فى «يونيو».. لكن.. فى الوقت نفسه يجب إغلاق محاكم التفتيش فى العقول والضمائر.. فكل من لم يتهم فى ذمته يعود إلى الصف.. وكل من لم يرتكب عنفا يلحق به.. من لم يتورط فى نهب أو دم لا يخرج من اللعبة.. وإلا صارت حياتنا كلها مفخخة.
ومثل ألمانيا بعد النازية وإيطاليا بعد الفاشية يجب تثقيف الصغار فى مصر بمبادئ الوطنية السامية.. وتعليمهم المفاهيم الصحيحة للديانات السماوية.. فراغ الرؤوس يحولها إلى قنابل موقوتة.. ومسح الدماغ يسهل العبث بها.. إن غياب السياسيين والمفكرين والمثقفين وضع زمام الأجيال الشابة فى يد المتطرفين الإرهابيين الذين باعوا الوطن وتآمروا عليه.
فى الوقت نفسه يجب المساواة بين ما هو مدنى وما هو عسكرى.. إن شراكتهما معا هى التى صنعت المعجزات السياسية التى انفردنا بها.. لكننا.. نبدأ فى تأسيس دولة ديمقراطية تحتاج لقواعد جديدة.. المؤسسات فيها أهم من الشخصيات.. والكفاءات ليست دائمة من أصحاب الكابات.. إلا عند الضرورة.. حماية الحدود وإدارة شئونها.. مثلا.
صحيج أن غالبية مؤسسات الدولة فقدت صلاحيتها.. لكن.. لا يجب قتلها.. أو استخراج شهادة بوفاتها.. بل علينا ترميمها.. وعلاجها.. وتنشيطها.. وإزالة الدهون من على قلبها.
ولأن الإيمان بالجيش يجرى فى عروق الشعب فإن خروج المعسكرات بعيدة عن قلب المدن لن يضعفه.. أو يقلل منه.. وهنا يمكن الفوز بمليارات الجنيهات من بيع أراضى المعسكرات.. تستخدم فى تمويل مشروعات تضرب البطالة.. وتنعش الاقتصاد.. وتزيد من حب الشعب للجيش.. فالحب ليس أغانى وإنما «أمانى».. ومستقبل مصر ليس فى حناجر مطربيها وإنما فى سواعد بنائيها.
ولا داعى للتورط فى المفاضلة بين أهل الثقة وأهل الخبرة.. فالجمع بينهما فى الحلال ممكن.. لكن.. علامات الخطر تبدأ بالشلة التى تحاصر الحاكم.. وتحبسه داخل نفسه قبل أن تسجنه فى قصره.. وتملك إرادته قبل أن تضع فى جيبها قراره.
والمشكلة الملحة كيف نصل إلى أهل الخبرة؟.. لقد مزقت سنوات الجمود والوقوع التى حكم فيها مبارك رحم إنجاب الخبرات.. وأفقدته القدرة على التخصيب.. وما ولد خارج الرحم جاء بقانون الصدفة.. وتعرض إلى مطاردات شرسة لتصفيته.. فهاجر أو توارى.. ومن نراهم على شاشات التليفزيون يتحدثون ويحللون ويصرخون ليسوا أفضل من أنجبت مصر.. ليس كل ما يبرق ذهباً.
والحل سهل.. البدء فورا بإنشاء «بنك الخبرات».. تفتح رئاسة الجمهورية مواقع على الإنترنت.. تدعو فيها كل من يرى فى نفسه موهبة ما أو كفاءة ما أن يرسل بشهاداته وأدلة خبراته عبر البريد الإلكترونى.. وبعد التحقق من صحة ما أرسل سنجد لدنيا مئات الشخصيات فى كل تخصص من التخصصات.. ولن تكون الصعوبة فى البحث عمن يتولى منصبا وإنما ستكون الصعوبة فى اختيار واحد من قائمة طويلة.. أحيانا.. اقوى الأفكار أبسطها.
ولابد.. أن يختفى «العجائز» من المشهد.. من فشل منهم.. ومن انصرف.. فلو كانوا سببا فيما نحن فيه فلن يكونوا وسيلة للخلاص منه.. وعندما تحدثهم عن الغد يجدون أنفسهم متورطين فى الأمس.. وهم ينتمون لعصر التروس ويصعب عليهم تقبل عصر الديجيتال.. الخدمة الوحيدة المطلوبة منهم أن «ينقطونا بسكاتهم».
وقبل التفكير فى حكومة جديدة يجب التفكير فى مؤسسة رئاسية متينة.. إن جمال عبدالناصر صمم هذه المؤسسة بما جعلها قادرة على الابتكار.. وتربية الكوادر.. ومراقبة الأداء.. ومتابعة المشروعات القومية الكبرى.. لكنها تصدعت فى زمن السادات.. ثم انهارت فى زمن مبارك.. وتحولت فى النهاية من مؤسسة سيادة إلى مصطبة نميمة.
وليس لدينا أفضل من سامى شرف الوزير الأسبق للرئاسة لإعادة الرئاسة إلى ما كانت عليه.. فهو يمتلك الخبرة.. ويتمتع بالذاكرة.. وقادر على المساعدة.
وقد طالبت المستشار عدلى منصور بتغييرها.. لكن.. الرجل الجليل كان يعرف حدوده الدستورية وقصر فترته الزمنية.. وترك المهمة للرئيس المنتخب.
ويستحق الرئيس المؤقت الذى تحمل المسئولية فى سنة حرجة كل الاحترام والتقدير.. علينا أن نعبر عن شكرنا لما فعل فى احتفال كبير.. نقول له فيه: «شكرا».. والمؤكد أنه سيكون سعيدا بالعودة إلى مكتبه فى المحكمة الدستورية العليا.. لتشهد تلك المحكمة الموقرة وجود رئيسين فى مكان واحد.. ولحظة واحدة.. أحدهما جاء لحلف اليمين الدستورية.. والثانى يسلم إليه المهمة.. لحظة تاريخية نادرة فعلا.
ولا يقل أهمية عن تغيير مؤسسة الرئاسة أن تتغير المؤسسات الحساسة الأخرى فى الدولة.. مثل.. الجهاز المركزى للمحاسبات.. حيث نجد رئيسه هشام جنينة متفرغا لتقديم بلاغات إلى النيابة العامة.. يشغل بها وقتها رغم ثقل العمل فيها.. وقد انتهت البلاغات إلى الحفظ.. وهو ما يعنى أن مقدمها إما غير محترف فى عمله أو كل ما يهدف إليه التشويه والشوشرة.
لقد اتهم رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند وحفظ الاتهام.. واتهم وزير العدل السابق عادل عبد الحميد وحفظ البلاغ.. واتهم محافظ البنك المركزى هشام رامز ووزير المالية هانى دميان وحفظ التحقيق.. واتهم زملاء له فى القضاء بجانب ضباط شرطة وحفظ البلاغ.. هل يمكن ترك مسئول من هذه العينة فى مكانه أم نرد عليه باتهام البلاغ الكاذب؟
وغالبية المسئولين فى شركات الكهرباء ينتمون إلى تنظيم الإخوان.. خاصة فى منطقة القناة.. والمؤكد أنهم سعداء بحرماننا من النور.. فقد تعودوا الحياة فى الظلام.
والمؤكد أن قطع الكهرباء سيكون وسيلة لإفشال الرئيس الجديد بجانب وسائل أخرى.. منها المضاربة على سعر الدولار.. وطوابير البنزين.. والوقفات الفئوية والعمالية.. فالمطلوب إثبات أن محمد مرسى ليس الفاشل الوحيد.
لكن.. ليس الإخوان وحدهم من يشجعون على رفع سعر الدولار.. هناك مجموعات فاسدة من المواطنين وموظفى البنوك يلعبون لعبة حرام مع الدولار.. يستخرجون تذاكر سفر وهمية إلى الخارج ليصرفوا بها كميات من الدولار بسعر البنك ثم يبيعونها فى السوق السوداء ويكسبون الفرق.. والحل بسيط.. تسجيل المبلغ المصروف على جواز السفر.. ومراجعة أختام السفر.
وهناك جريمة أخرى مثيرة للاشمئزاز.. كثير من الأغنياء يتهربون من دفع جمارك سياراتهم بركوب سيارات سياحية معفاة من الجمارك.. تصرفات لاأخلاقية يجب أن تتغير.
من جانب آخر.. تقف ترسانة القوانين التى سدت شرايين الحياة فى مصر عائقا إمام نجاح الرئيس الجديد.. تمنع التخلص من المسئول الضعيف.. وإلا عاد إلى منصبه بحكم من القضاء الإدارى.. تصيب المسئول الجرىء بالرعشة.. خوفا من اتهام يشهر به وبعائلته حتى تثبت براءته.. وتضعف من سرعة المحاكم فى تحقيق العدالة.. وتخيف المستثمر الأجنبى أحيانا.
يضاف إلى ذلك أن الدستور الجديد وضع نصوصا تحتاج لوضعها فى قوانين.
إن القوانين مثل إشارات المرور.. بها الوان مختلفة.. أحمر وأصفر وأخضر.. لكن.. القوانين عندنا فى الغالب أصبحت من شدة القدم لونا واحدا.. الأحمر.
والقوانين كائن حى يتغير بتغير الظروف.. لكنها.. عندنا جثة هامدة تحكم الأحياء.
ومشاكل مصر كبيرة.. لكن.. مواردها أكبر.. متاعب مصر كبيرة.. لكن.. قدراتها أكبر.. إن المطلوب بسرعة وعجلة رفع كفاءة ما نملك قبل أن نضيف إليه شيئا آخر.
خذ مثلا.. بحيرة السد العالى.. أكبر بحيرة صناعية.. طولها يصل إلى 500 كيلو متر.. منها 350 كيلومترا داخل الحدود المصرية.. ويعد إهمالها لغزا مجهولا.. فشل أكثر البشر ذكاء فى حله.. فلا نحن نأكل منها سمكا.. ولا نحن نزرع بالقرب منها أرضا.. ولا نبنى على ضفافها بيتا.. بل أكثر من ذلك تراكم الطمى الثقيل فيها حتى خفض من كميات المياه التى تستوعبها.. وهو ما يستوجب تطهيرها منه.. إلا بالقرب من جسم السد.. والطمى فى حد ذاته ثروة.. فهو يستخدم فى تخصيب الأراضى الرملية.. ويستخرج منه الذهب بكميات مقبولة.. بخلاف ما يعرفه الخبراء.
وبسبب تحويل مجرى النهر جرى تهجير النوبيين من 44 قرية كانوا يسكنونها.. ويمكن إعادتهم إلى 27 قرية جديدة تنشأ هناك.. يشاركون فيها سكان الوادى وقبائل الصعيد وصيادى بحيرات البرلس والبردويل وغيرها.. فيتحول الثار إلى خير.. والموت إلى حياة.. والخلاف إلى توافق.. إن المشاركة فى الرغيف تلغى ما فى الصدور من غضب وتربص.
وعلى عكس ما هو شائع يجب الاهتمام بالمشروعات الصغيرة.. إن تسعين فى المئة من دول متقدمة مثل اليابان وسويسرا وإيطاليا تعيش على اقتصاد المشروعات الصغيرة.. وأحيانا.. تبنى الدولة مصنعا وتشغله وبعد أن تطمئن على نجاحه تبيعه.. وتكرر التجربة أكثر من مرة.. لتضمن التصنيع فى مجالات يعزف عنها المستثمر الفرد.. أو فى أماكن غير جاذبة.. مثل الصعيد.
وفصل الملكية عن الإدارة يمنح الدولة فرصة الاحتفاظ بما تملك من مشروعات منتجة دون أن تجبر على بيعها بسبب خسائرها.. إن القطاع العام فى حاجة إلى معجزة كى لا يكون بالوعة تتسرب منها المليارات دون عائد.
لكن.. الأهم.. هو تغيير الثقافة السائدة التى تسببت فى انهيار الخدمات وغضب الشعب من عدم الحصول عليها.
طوال عملى فى الصحافة كشفت قضايا فساد دامغة بالمستندات.. لكن.. لم تكن النتيجة عقاب مسئول واحد.. وإنما «مرمطتى» فى النيابات والجنايات.. بل أكثر من ذلك التعرض إلى حملات تشهير لا يحتملها بشر.
كان المسئولون يغطون على فسادهم أو إهمالهم بتقارير مزورة يرفعونها لمن هم أعلى منهم.. وفى الوقت نفسه كانوا يعاقبون كل من يكشف فسادهم من داخلهم بالنقل والتشريد والتلفيق والسجن أحيانا.. هذه هى الثقافة السائدة التى دمرت الخدمات فى مصر طوال عهود سابقة.. فهل لا تزال هذه الثقافة سائدة؟
على مدى أسبوعين قدمت فى برنامج «آخر النهار» وثائق ومستندات وصور وشهادات حية تثبت فشل مستشفى الزهراء الجامعى التابع لجامعة الأزهر فى تقديم الخدمة الطبية المرضية.. لكن.. ما حدث أن تشكلت لجان داخلية لتنتهى إلى أن كل شيء تمام التمام.. عال العال.. وراحت ماكينة البيروقراطية تسحق كل من تجرأ وأثبت صحة ما ادعيت.. لكننى.. لم أيأس.. ورفعت الأمر إلى رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب بصفته الوزير المسئول عن الأزهر.. وفوجئت بالرجل يسارع بتشكيل لجنة محايدة ومختصة لمعرفة ما يجرى فى المستشفى واستأذن فضيلة الإمام الأكبر فوافق.. على أن حركة إبراهيم محلب الدائمة لم تجعله يكتفى باللجنة وقام هو ووزراء الصحة والأوقاف والإسكان والتنمية المحلية والتخطيط والتنمية الاجتماعية بزيارة مفاجئة للمستشفى ووجد أن كل ما قلت صحيح.. بل أقل من الحقيقة.. وعلى الفور أمر بتحويل المسئولين عن المستشفى إلى التحقيق.. وإن تركت رئيسة مجلس إدارة المستشفى الدكتورة مها عسل المسئولة عن كل ما يحدث فى مكانها.
كانت وجهة نظر رئيس الحكومة أن هناك فرصة قوية لإعادة صلات التعاون بين الإعلام والحكومة.. الإعلام يكشف الفساد والإهمال بصدق وتوثيق والحكومة تستجيب بالتدخل والتصحيح.. وهذه فلسفة جديدة تناسب ما نحن فيه الآن من روح جديدة.
إن ما فعل إبراهيم محلب أكبر من الاستجابة.. تغيير ثقافة التغطية على العفن.. ودهان البيت من الخارج.. وتركه منهارا فى الداخل.
سيوضع ملف مستشفى الزهراء على مكتب الرئيس الجديد ليعرف كيفية التصرف فى مثل هذه الحالة؟.. نقول حالة.. لأنها ليست الحالة الوحيدة.. هناك مثلها مئات الحالات.
على أنه من جانب آخر على الإعلام أن يدعم ما يقول بالمستندات ويحققها جيدا قبل عرضها.. ليس من أجل علاجها فقط وإنما من أجل مصداقيته فى هذه الفترة الحساسة أيضا.
وحسب الدستور سيقدم إبراهيم محلب استقالته هو وحكومته.. وهناك اتجاه ما للإبقاء عليه.. لكن.. الاتجاه الأقوى أن يحصل على وسام رفيع ويستفاد منه فى مكان آخر.. على أن يعين خبير اقتصادى مكانه.. وفى الوقت نفسه يضع رئيس الجمهورية السياسة الخارجية بالتعاون مع وزراء الخارجية والدفاع.. فالمواقف الإقليمية فى حاجة إلى قرارات عسكرية بجانب الخبرات الدبلوماسية.
إن الكلمة أشد من القنبلة أحيانا.
لذلك فالأوراق البيضاء التى سيجدها الرئيس الجديد على مكتبه فى يومه الاول ستكون تذاكر سفر إلى التغيير فعلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: