تحقيقات صحفيهمقالات القراء

محمد عبدالله يكتب ||| خدعة «جماعة 28 نوفمبر»

عادة الإخوان القفز من السفن ليس حينما توشك على الغرق، ولكن حتى قبل أن تبحر، التنظيم ركب الدعوة المستفزة لمظاهرات رفع المصاحف، بينما لم يشجب صراحة ودون ميوعة قصة الثورة الإسلامية المسلحة المزعومة، انتفاضة الشباب المسلم.
حشود ضعيفة إلا من البؤر التقليدية فى المطرية وعين شمس
الجماعة تدارى فشلها ببيان تراجع.. وتشغل قواعدها بـ«أسبوع الله أكبر»
الإخوان يغازلون الغرب بتنصل استباقى من جرائم أنصارها

وفى الوقت الذى أخذت نوافذ الإخوان الإلكترونية فى فضاء الإنترنت تشحن، فضلًا عن محاولات الحشد المستتر الناعم، التى مورست فى نطاق معارف ما تبقى من القواعد، فاجأت الجماعة الكل فى ساعة متأخرة مساء أمس ببيان تراجعى عن تبنى فاعليات اليوم وشعاراته الرئيسية بشكل عام، داعية أنصارها لإدخار الجهد لأسبوع أسمته “الله أكبر.. أيد واحدة”.

بالقطع كان حريًا بالجماعة أن تمنح أعضاءها، وهم بالأساس لا يسألون بفطرة السمع والطاعة، مبررًا شبه مقنع للتراجع عن تبنى الثورة الإسلامية، فكان اللجوء إلى بند التريث والحيطة خشية المؤامرات الحكومية، كاتهام مُعلّب جاهز، يوافق ذهنية المظلومية المتصاعدة فى نفوس القواعد تجاه مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الأمن.

الإخوان ادعوا فى بيانهم، كسبب للعقلانية المصطنعة من جانبهم، أن أنباءً تواترت بتدبير مؤامرات من قبل الأمن وأجهزة معلومات رفيعة المستوى، لارتكاب مجازر، ومن ثم كانت دعوتهم لـ”تفويت الفرصة على المجرمين”، وادخار الدماء لـ”استمرار الحراك الثورى”، على حد ما جاء فى موقع إخوان أون لاين، تحت عنوان “بيان من الإخوان المسلمين إلى الصف الثورى المصرى”.

ولأن الميزة الإخوانية الكبرى فى لعبة المواجهة مع الدولة وأجهزتها، تعتمد على التنصل الاستباقى من أى إجراء عنيف يصدر من قبل كوادرها أو حلفائها، أو على هامش أنشطتها ومظاهراتها فى الشارع، فإن البيان كان حريصًا على الدعوة للنزول الحذر، ولكن فى ظل عبارة ختامية تقول “من يرتكب أعمالًا غير سلمية، أو يرفع شعارات غير ذلك لا ينتمى إلى الثوار”.

لاحظ أن العبارة حاولت ترسيخ عددًا من المزاعم على أنها حقائق، منها أن الإخوان وأنصارهم وأتباعهم هم الثوار، رغم أن أدبيات الجماعة المكتوبة، أو المنقولة عن لسان كبيرهم حسن البنا، أو حتى مُنظّرهم الأشهر سيد قطب، فضلًا عن غالبية قادتها الكبار، يقطعون بوضوح أنهم لا يؤمنون بالثورة من الأساس. لكن لا مانع من مواكبة “الرايجة”، كما يقول المثل الشعبى.

العبارة السابقة تدلل أيضًا أن الجماعة تعلمت من خطأ ترك الحبل على الغارب لحلفائها من رموز التيارات السلفية والتكفيرية، ممن يرفعون رايات القاعدة أو يهتفون لداعش، لا تريد أن تدفع فاتورة ذلك غاليًا مع دعمائها في الغرب. ثم أن التنظيم يعتمد على أن أعضاءه لا يحملون كارنيهات عضوية، وبالتالى إذا ما ارتكب أحدهم جرمًا، إنما يصعب إثبات صلته بالإخوان، الذين سيسارعون ساعتها بالقول أنه لا يمثلهم، كما جاء فى البيان ذاته. وفى المقابل لو سقط قتيل أو كثر، كما حدث فى المطرية، اليوم الجمعة، سيسارعون بالبكاء عليهم باعتبارهم من أبنائهم.

ووفق نهج التنصل الاستباقى، تجسد فى البيان أيضًا سياسة الإخوان التقليدية فى “تستيف الاتهامات” ضد أعدائهم، وهم فى تلك الحالة أفراد الأمن من الجيش والشرطة، بحيث إذا ما اقترف التنظيم أو أى من التيارات التى تشاركه الحركة على الأرض، أى فعل، أو حتى إذا ما افتعل مصادمات، يمكن الصاق ذلك بالطرف المواجه، الداخلية والقوات المسلحة، وبالتالى ذيل البيان بجمل من شاكلة: “نحذر من أن أجهزة المخابرات والأمن قد تصطنع أحداث عنف لتبرر منهجها المعهود فى القتل والقمع”، و”نحمل الانقلاب الدموى مسؤولية أية دماء مصرية أو انتهاكات فى هذا اليوم”.

لا يجب تجاهل أن الجماعة وقواعدها ونشطاءها، وبطبيعة الحال حلفاءها، يدركون أنه لا طائل من تلك الدعوات، بل أن أى تعويل على سقوط ضحايا، لم يعد يجدى فى المعادلة السياسية، أكثر من أنه يزيد من حالة المحنة المستهدفة من التنظيم للحفاظ على ما تبقى من تماسكه.

بينما من دلالات اليوم أيضًا، أن القدرة على الحشد تدنت إلى حد أن أصبحت محل سخرية وتندر، بينما لا تزال بؤرة نشاط الجماعة ومواجهتها الملتهبة مع الأمن كما هى لا تتغير، وخصوصًا فى منطقة عين شمس والمطرية.

الجماعة تبحث عن شىء لا تعرفه، تقول إنها سلمية، ثم تبرر عنفها بأن الأمن يدفعها إليه دفعًا. الأخير يتحمل جزءًا، كبر أو صغر، بلا شك من المسؤولية، وخصوصًا إذا ما استخدم رد قاس لا يتناسب والحدث، لكن الثابت أيضًا أن التنظيم أصبح مغرمًا بالدماء، لا يعيش إلا بها، على اعتبار أن المظلومية ولو معدة سلفًا، أو مهيأ لها المسرح، هى أقصر الطرق لمواصلة الالتفاف حوله، ومن ثم يمكن كذلك المساومة مع السلطة إذا كان هناك فرصة لذلك.
الاخوان-300x168

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: