مقالات القراء

مداح الإسكندرية

كتب – حامد بدر
أتى من قرية بعيدة إلى أبو المطامير وحوش عيسى بمحافظة البحيرة، ثمّ ظهر في العجمي والبيطاش داخل الإسكندرية .. ربما من سمع صوته يعتقد أنه جذبه الشوق والوله إلى عروس البحر الأبيض المتوسط أو أنه بالهيام في عشق المعبود قد ذهب عقله، وإن كانت لقمة العيش هي كلمة السر في القصة كاملةً، فهي ما جعلته يسير المسافات ويجوب الشوارع..
أعاد نشطاء موقع التواصل الاجتماعي، فيس بوك، الفيدو المصوَّر لعم “سلطان” الذي تداولته له عدد من المواقع الإلكترونية وكتبت عنه وعن جاذبية صوته لأهالي البحيرة والإسكندرية.
يسير ليلاً في الشوارع تستشعر في صوته عودة تلك الليالي الطيبة، سكون الليل، وهدأة المناخ، ويطلُّ القمر، وكأن مشهدا من مشاهد أهلِ الله تتجلى على الأرض في ليالينا القاسية، وكأن موعد الرحمات قد أطل بذاته على هذا الملكوت، تستودع معه صراعات نفسك.. تشق تلك النبرة الحزينة صدرك المأزوم، يشرح صدر العليل من آثام الخلوات الدنية، وإن كان غرضه أن يستجدي القليل من المال ويسأل الناس..
“والنور يتجلى منك يا كريم، يا جليل، مولاي بك نستعين، وصليت على النبي.. أدعوك يا كريم .. إلهي .. من لي غيرك .. بك أستعين .. بك استجير” مديح غير معروف وكلمات قد حفظها ذلك الرجل الي لا يستطيع قراءةً أو كتابة، ولكنه يأخذك بالنبرة إلى زمن الشيخ النقشبندي رحمه الله، وكأنه صندوق إذاعي متنقل في الليل، يانسُ به السائر، ويستريح له القابع في بيته، وتذوب فيه هموم المكروبين؛ لشردوا جميعًا في حال غير الحال.
توأمة المشهد السابق، ليس مصطنعًا ولم يكن تم الإعداد له..
في الطرقات السكندرية، ذات الطقس البارد ليلاً هذه الأيام، يخرج العم سلطان.. قد لف غُطرة أخفت ملامح من وجهه الحزين حُزن صوته الرخيم، يده التي تحمل طعامًا قليلاً يتدلى في كيس، تجرُّهُ الخُطى نحو المناجاة، كما تجرنا الأيام، بكل طلاقة بلا حاجة للتصنع أو إضافة العُرَب لتتكون ملامح نفسية لا تستغرق ذلك التدريب الشاق ولا الجهد البليغ اخل استديوهات إذاعية، وبلا مؤثرات، فقط الصمت يلعب دورًا في خلفية المشهد، وباحات الشوارع الخالية تخدمُ المقام بالصدى.
فائدة ضرورية
الشارعُ المصري يعبِّر عن معاناته دومًا بالكثير، فبعد النكتة، وإطلاق المواقف الساخرة، واتخاذ المواقف السياسية، يبدو الالتجاء إلى الله يسري في قلوب العابرين والمطحونين في هذا الوطن.
العمّ سلطان مجرَّد حالة من الحالات التي استنزفتها ظروف الحياة، وذبحها الواقع الذي تعايشه مصر حاليًا اقتصاديًا، واجتماعيًا، وربما على مناحٍ أخرى لا يتسع لها الحديث.
لكن الحياة دومًا تعطي لنا وجهًا من اثنين، الأول مشقة وعناء يتكبدها الناس فتتزاحم الأفكار لديهم وتتواتر الأحزان فيهم، والآخر طريق الشكوى لغير الله مذلَّة.
ألا يا ليالنا الطيبة عودي .. ألا واستعيدي القديم مع مدّاح الإسكدندرية..
والله من وراء القصد،، ودمتم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: