الشارع السياسىبقلم رئيس التحريرعرب وعالممقالات القراء

ابراهيم البسيونى يكتب // بوتين يفرض على الغرب قواعد اللعب فى أوكرانيا

157912

لقد تغير الموقف تماماً في شرق أوكرانيا.. قبل وقف إطلاق النار كنا نخسر أرواح العشرات من أبطالنا يومياً.. و70% من القوات الروسية انسحبت من بلادنا”.. هكذا تحدث الرئيس الأوكراني بيترو بورتشينكو، أمس الأربعاء 10سبتمبر، بسعادة بالغة أمام برلمان بلاده، مؤكداً أنه سيتقدم بمشروع قانون يضمن استقلالية شرق البلاد، الناطق بالروسية والموالي لموسكو، ولكنه سيبقى في الوقت نفسه جزءً لا يتجزأ من أوكرانيا، وأضاف بورتشينكو “لن نتنازل عن شبر من أراضينا” ملمحاً إلى اتفاقية وقف إطلاق النار مع المتمردين، التي تم التوقيع عليها يوم الجمعة الماضي في مينسك عاصمة بيلا روسيا بحضور ممثلين عن موسكو وعن الاتحاد الأوروبي.

,,صحف موسكو: سيد الكريملين يجهز

لواشنطن عقاباً مناسباً,,

,,الرئيس الروسي يستخدم كارت الـ500

مليار دولار لتغيير خريطة

أوروبا كلما أراد ,,

غير أن المؤشرات على الأرض وفي الكواليس السياسية، تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو المسيطر رقم واحد على كل قواعد اللعبة في أوكرانيا وأنه بورتشينكو ومن يسانده يعيشون نشوة نصر وهمي، إذ تمكن الانفصاليون المسلحون في شرق البلاد من استعادة السيطرة التي فقدوها أمام قوات الحكومة المركزية في كييف، بفضل مساعدات موسكو اللوجيستية، ثم قدم بوتين نفسه على المسرح الدولي كرجل سلام يسعى لإنهاء الحرب من خلال اتفاقية مينسك.. يبدو بوتين رجلاً واقعياً متسقاً مع نفسه، فكلما تصاعدت نبرة الغرب ضده، لوح الرجل بكارت التهدئة والجنوح للسلم، فاقتراح مينسك بوقف إطلاق النار، أعلنه الكريملين في الثالث من سبتمبر الجاري، ظهر في الوقت المناسب تماماً: عشية قمة حلف شمال الأطلنطي في ويلز التي عقدت يوم الجمعة الماضي، وفي الوقت الذي تستعد فيه دول الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو.

بوروشينكو

لم يتغير هدف بوتين منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا، فهو ينزع فتيل رغبة المعسكر الغربي في الانتقام بحديثه عن الحلول السلمية وإن خالفت أفعاله غير الذي يقول، كما أنه يستطيع إحداث الفرقة بين الولايات المتحدة وأبناء عمومته من الأوربيين حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها في مواجهة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

كوموفلاش

لا أحد يعلم ما الذي ستصير إليه الأمور بعد اتفاق مينسك، وكان دبلوماسي بولندي حضر مفاوضات مينسك الأولى في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، أكد لصحيفة لوموند الفرنسية اليومية أن ما حدث في العاصمة البيلاروسية كان بمثابة (الكوموفلاش) من جانب موسكو للتمويه على ما تفعله في أوكرانيا، فبينما كان الرئيس بوتين يمد يده مصافحاً نظيره الأوكراني بيتر بورتشينكو، ويصف ما يحدث في أوكرانيا بأنه (شأن داخلي)، كانت قوات روسية نظامية تقاتل إلى جوار المتمردين الأوكرانيين في غرب البلاد.

بوتين وبوروشينكو

خطة السلام التي أعلنها الكريملين أشرف عليها الرئيس بوتين شخصياً، ويبدو أنها مقبولة من جانب كييف، لأن قيادتها العسكرية مقتنعة أن جنودها لن تتمكن بأي حال من تحقيق انتصار على المتمردين طالما هم يلقون الدعم والمساندة من موسكو، لذا يبدو أن كييف في طريقها للموافقة على طلب المتمردين عليها بسحب قواتها من دونتيسك ولوجانسك في شرق أوكرانيا، وهو ما تم ذكره في المبادرة الروسية بالقول (على القوات الأوكرانية الانسحاب من دونتيسك ولوجانسيك بما يجنب المناطق المأهولة بالسكان القصف)، وهو ما قبله المتمردون وسياسيون أوكرانيون وإن كان الرئيس بورتشينكو نفسه أبدى تحفظاً كبيراً خلال حضوره قمة الناتو في ويلز يوم الجمعة الماضي.

حذر غربي

الغرب يبدو حذراً في التعامل مع كل ما يصدر عن الرئيس بوتين، فخلال زيارته لأستونيا شن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هجوماً يُعد الأقوى على نظيره الروسي، بقوله إنه (ما زال أمامنا الفرصة للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا، ولكن لا حل سياسي واقعي تم تقديمه حتى الأن، طالما أن روسيا مصممة على إرسال دباباتها وجنودها ومستشاريها العسكريين، وطالما أنها تطالب كييف بأشياء غير منطقية أقلها الموافقة على التخلي عن أراض تابعة لها وتحت سيادتها بحكم القانون الدولي، بما يؤثر مستقبلاً على خياراتها على الصعيدين الأمني والعسكري).

التوقيع على وقف إطلاق النار المقترح من موسكو بمثابة خطوة للأمام في صراع أودى حتى الأن بحياة 2600 شخص، معظمهم ضحايا القصف الأوكراني، ولكنه سيكون مقدمة لمفاوضات أوسع نطاقاً وأكثر تعقيداً بين الحكومة المركزية في كييف والمناطق الشرقية والجنوبية في البلاد حيث أغلبية السكان ناطقة بالروسية، وبعبارة أخرى إنها مسألة سيادة أوكرانيا على أراضيها التي تحدث عنها أوباما وبورتشينكو.

بيترو بوروشينكو يتحدث مع الجنود خلال زيارته زيارة لمنطقة دونيتسك

في كل الأحوال لن يكون الطرفان في تلك المفاوضات على قدم المساواة، فالحكومة المركزية في كييف، التي تعيش حالة ضعف غير مسبوقة، سيكون عليها الرضوخ ومن خلفها المعسكر الغربي، إذ أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا يبدو، من وجهة نظر المحايدين، أمراً طبيعياً فليس من الطبيعي أن تترك موسكو فنائها الخلفي مرتعاً يعبث فيه حلف شمال الأطلنطي، ولو انقلبت الآية في المكسيك، على سبيل المثال، المتاخمة للولايات المتحدة وأصبح نظام الحكم القائم فيها موالياً لروسيا فإن واشنطن ستفعل أكثر مما تفعله موسكو في أوكرانيا، وطبقاً لما تردده وسائل الإعلام الرسمية الروسية فإن سيد الكريملين (بوتين) لن يقبل بمجرد اتفاق يضمن حقوق المواطنين الأوكرانيين الناطقين بالروسية، ولكنه يجهز عقاباً مناسباً لكييف ومن يساندها (واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي) جراء قيامهم بعزل الرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش رغم أنه قبل بكل ما أملته عليه المعارضة بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

لا هم للرئيس بوتين إلا التأكيد على أن أوكرانيا غير قابلة للحكم بشخص من خارج حظيرة موسكو، كما أن أحد أهم أهدافه هو منع أوكرانيا من الانضمام لدول الاتحاد الأوربي، وفكرة الفيدرالية المقترحة من موسكو كنظام حكم لأوكرانيا تسير في هذا الاتجاه حيث سيكون للمناطق المستقلة ذاتياً رأي فيما يخص سياسة حكومة كييف لا سيما على الصعيد الخارجي، فضلاً عن ذلك فإن بوتين يتحدث عن شرق أوكرانيا باعتباره دولة مستقلة ما يعني أن البلاد مقطعة الأوصال، تماماً مثلما حدث وتمكن الدب الروسي من التهام شبه جزيرة القرم ومن قبلها إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من جورجيا، فإن دول غرب أوروبا التي لا يمكن أن تستغني عن الغاز الروسي والتي تنتعش خزائنها بـ500 مليار دولار سنوياً جراء التجارة مع موسكو، لن تحرك ساكناً أمام رجل يغير من خريطة القارة العجوز من حين لآخر طبقاً لما يتوافق مع مصالح بلاده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: