مقالات القراء

محمد عبدالله يكتب عن مستعمرة العقاب

190817

لا أدرى متى راودتنى فكرة أن أترك التعليم العام وأنحرف إلى (مستعمرة العقاب) والتعليم الأزهرى، كل ما أذكره أننى كنت متشبعًا بالفكر الصوفى، لذا اخترت الأزهر واهمًا حالمًا بمعرفة الله وكنهه.. وبعد سنوات من الدراسة، فقدت ثقتى بكل رجال الدين أيًا كانت ديانتهم!

أنا ذلك الطفل الذى قضى أعوامه الأولى يرتدى الزى الأزهرى بفخر، فى مدينة جنوبية من صعيد مصر تسمى سوهاج. لم تكن تعيرنى وأنا أمضى طفلاً بريئا تلك السخرية التى كنت أواجهها من عامة الناس كقولهم لى:
– شيل العمة شيل.. تحت العمة قتيل.
أو قول الساخرين منهم:
– حط العمة حط.. تحت العمة قط.
أو هؤلاء عديمو الذوق حين يمزحون فى قلة أدب:
– تعالى اقرأ لنا ربع يا مولانا.
كان الأزهر بالنسبة لى، معرفة كل شيء عن الذات العليا لله، بما كان له من وقار فى قلبى.

فى اليوم الأول، كانت الحصة الأولى لى هى حصة الفقه.. أدركت أن مذهبى هو المذهب المالكي! لا أدرى لم المالكى بالذات.. لم لا أكون مذهبًا آخر كما عرفت بعد ذلك من المذاهب الأربعة (الأحناف والمالكية والحنابلة والشافعية)، عرفت فيما بعد أن اللغة الأجنبية، وكانت الإنجليزية، وتفوقى فى الشهادة الابتدائية، هما من حدّدا لى مذهب المالكية.
كان الشيخ يشرح لنا أنواع نواقض الوضوء، كالمذى والمنى والودى.. لم أكن حتى وصلت لمرحلة البلوغ، كى أدرك كنه ما يتحدث عنه مولانا!
قال سيدنا الشيخ وهو يستطرد ويستطرب فى شرح هكذا منى ومذى وودى:
– المنى: طاهر فى نفسه نجس فى غيره.. صفاته.. الخروج بشهوة.. يعقب خروجه فتور فى الجسم .. لونه أبيض مائل للصفرة.. ثخين ليس رقيقًا.. يخرج دفقًا وفى دفعات. رائحته تشبه طلع النخل أو رائحة العجين، وإذا يبس تكون رائحته كرائحة بياض البيض الجاف. كل واحدة من هذه الثلاث كافية فى كونه منيًا.
يوجب الغسل إذا خرج بلذة، سواءً خرج فى يقظة أو منامًا، بسبب جماع أو احتلام أو الاستمناء المحرم. وقبل الغُسل من خروجه يحرم على المسلم مس المصحف وقراءة القرآن والصلاة ودخول المسجد والطواف حول الكعبة، إلا بعد الاغتسال بتعميم البدن بالماء مع النية والمضمضة والاستنشاق. وعند تعمد إخراجه يبطل صوم الصائم. ويجب على الرجل أن يستعيذ من الشيطان الرجيم قبل أن يجامع زوجته حتى لا يشاركه الشيطان فيها ويستلذّ معه. ويجب أن يعتلى زوجته من على اليمين … تيمّنوا فإن فى اليمين بركة.

المذى: نجس نجاسة مخفّفة، وهو ماء رقيق لزج شفاف، لا لون له، يخرج عند المداعبة أو تذكر الجماع أو إرادته أو النظر أو غير ذلك، ويخرج على شكل قطرات على رأس –الذكر- وربما لا يحسّ بخروجه. يجب التطهّر من المذى من الثوب والبدن ويكفى النضح (الرش) لأن نجاسته مخفّفة، مع غسل الذكر والأنثيين (الخصيتين) وخروجه ناقض للوضوء، فيجب عليه الوضوء لا الغسل.

الودى: يخرج عقب (البول)، وهو غير لزج، أبيض ثخين يشبه البول فى الثخانة، ويخالفه فى الكدورة، ولا رائحة له. يأخذ أحكام البول من حيث النجاسة والتطهير منه.

خرج الشيخ بعد أن قذف بى فى بحر من التساؤلات التى لا أجد لها أى إجابة.. وحين سألت زميلا يكبرنى بسنوات، لرسوبه أكثر من مرة فى الصف الأول الإعدادى الأزهرى، وقد اخضرّ شاربه، ونبت زغب أصفر فى لحيته، عن كنه المنى والمذى والودى، قال لى ساخرا:

– شكلك ما بلغتش.. اقعد ساكت أحسن لك لغاية ما تكبر وتبلغ.. أو روح اضرب لك (…) وإنت تعرف!
لم أفهم ما مقصوده بأن أضرب (…)! ولماذا أضربهم وهم لم يفعلوا لى شيئا؟! وكيف لى أنا الطفل الضعيف أن أضرب كل هذا العدد بمفردي؟! وحين عدت إلى البيت انتظرت أبى حتى عاد من عمله، فسألته فى سذاجة:
– هل تدعو الله أن يعيذك من الشيطان الرجيم قبل أن تنام مع أمى؟ وهل رأيت الشيطان يشاركك حين تنسى؟ وكيف تجامعها؟ هل تصعد من على اليمين أم من على اليسار؟ وكيف لى أن أضرب (…) بمفردى؟!
ما زلت أذكر ضحكة أبى بعد أن صفعنى على وجهى، ومضى غاضبا من كلامى وهو يقول:
– إنت ماشى مع عيال مش متربية يا ابن الكلب.
فقلت له فى حزن وانكسار:
– كان هذا درسنا الأول فى الأزهر اليوم!
نظر نحوى فى غضب وعقّب:
– يبدو إنى غلطت يا ابن الكلب إنى وافقت على دخولك الأزهر.
فى الحصة الثانية، دخل شيخ آخر معمّم.. كان مدرسا لمادة التوحيد.. قال لنا اليوم نتحدث يا أبنائى عن نوع الملائكة وحملة العرش، وأين يستقر الله وفى أى سماء.

قلت فى سرى دون أن أفصح: أللملائكة أنواع؟ وهل هناك من يحمل عرش الرحمن أيها الشيخ المخبول؟ ألا يتعبون ويستريحون؟ وكيف لله الذى كنت أحاول جاهدا أن أتخيله، أن يكون جالسًا على كرسى؟ وهل كرسيه ككراسينا من خشب أم أنه من جلد؟ وهل الملائكة التى وصفها لنا الشيخ تطير بأجنحة من ريش أم من جلد كالخفافيش؟ لماذا زادت حيرتى؟ يا له من شيخ لعين! قذف بعقلى الصغير في لجّة أسئلة وتركنى دون إجابة، وقبل أن أجتهد فى البحث عن إجابة. دق جرس الحصة ودخل شيخ آخر ليفسر لنا كتاب الله من (تفسير النسفى)، كان جهما غبيا، أطلق عليه التلاميذ فيما بعد لقب (الشيخ الجعر). كان صوته قبيحا كماكينة رى زراعية، تلف سيرها وفسدت.. ذكر لنا ذات مرة أن نوحا بعد أن بنى سفينته ونزل الفيضان من السماء، كان يحدوه رجل يسمى (عوج بن عنق).. هذا العوج بن عنق وصل طوفان نوح إلى ركبتيه لضخامة جسده الذى قال لنا إن طوله قد بلغ “ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع”، وقيل إنه كان يحتجز السحاب ويشرب منها،. وكان يمشى أمام السفينة حتى يقود نوح إلى اليابسة.. قال فيما قال إن هذا العوج بن عنق كان حين يجوع يضرب يده فى ماء البحر ويصطاد حوتا يشويه على الشمس:

وقفت مبهوتاً متعجبا أسأله:
– كيف يا سيدنا يشوى الحوت على قرص الشمس دون أن تشوى يده.
يومها، أذكر جيدًا، أنه طردنى من الفصل بعد أن نعتنى بالغباء، وبأننى ملعون إلى يوم الدين، وأننى كافر بيّن الكفر… وظل لقب كافر يطاردنى بعد ذلك طيلة حياتى لأننى تجرأت وسألت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: