حوادث وقضايا

قصة المصري ضحية احداث باريس غادر مصر قبل 20يوم وعاد في كفن لاهلة ملفوفا بعلم مصر وفرنسا

FB_IMG_1448056260127

كتبت/لمياء الباجوريFB_IMG_1448056265182 FB_IMG_1448056270195 FB_IMG_1448056276739

ودع أهله من ٢٠ يومًا وعاد إليهم في صندوق.. قصة “الجبالي” الذي سافر من باريس إلى العالم الآخر

شد الرحال منذ 20 يوما مودعا أسرته، بحثا عن لقمة العيش في “عاصمة النور” باريس، كغيره من الشباب الذين لم يجدوا ضالتهم سوى السفر.. هجر الأهل والأحباب والزوجة كى يشق الدروب لجمع الأموال كى يحيا حياة كريمة.. ترك الأحضان الدافئة كى يرتمى في أحضان الغربة والوحدة والمصير المجهول

ألقي سنوات صباه وسنواته المقبلات التى لم يعلم أنه سيمضى فيها أيام معدودات على أعتاب “عاصمة النور”، ظننا منه أن فيها العوض عن الأحباب والأهل.

كان صالح الجبالى، ذا الـ (28 عاما) ابن قرية بني نصير بمحافظة الغربية، مثل غيره من الشباب رسم سنوات عمره بالطموح والأمل ظل يعمل فى باريس “عامل معماري” قرابة 8 سنوات، وعاد عقب انتهاء إجازته فى باريس كى يتزوج من الفتاة التى اختارها قلبه وتزوج منذ حوالى 3 أشهر ماضية، وسافر بعد ذلك ليستأنف عمله مرة أخرى بباريس.

وها هو يريد أن يسدى الصنيع لأهله ولكنه لا يجد مخرجا سوى الغربة.. وما أدراكم ما الغربة!.. صالح كان يعمل في فرنسا ولديه عقد عمل وإقامة، وأتى منذ شهور قليلة ليتزوج، ثم عاد من حوالي 20 يومًا إلى عمله عقب انتهاء إجازته، التى أمضاها مع والده ووالدته وأشقائه الثلاثة وهم ( محمد، وهبة، وبسمة)، وكذلك عروسه التى تزوج منها منذ 3 أشهر.

أجهش الحاج عماد الجبالي، والد الشهيد المصري في باريس، بالبكاء وقال بكلمات تملؤها الحسرة، ونبرات يكسوها الألم:”عرفنا أن صالح توفى البقاء لله”، وأن أحد جيرانه طلب منه الاتصال للاطمئنان على ابنه بعدما علم من وسائل الإعلام بوفاته ولكنه لم يجرؤ على إبلاغه الخبر، وأنه عندما اتصل الوالد بابنه بصالح فأخبره صديقه بنبأ وفاته فأغلق الهاتف دون أن ينطق لسانه بأي كلمة، وكانت بجواره فى تلك اللحظة زوجة ابنه التي لم يمض على زواجهما سوى ثلاثة أشهر، ولم يقو على النطق سوى كلمة “البقاء لله”.. وحينها علت صرخاتها أرجاء المكان.

صالح كان ابن موت”.. تلك العبارة نطق بها والد الشهيد صالح وهو مجهشا بالبكاء والحسرة على فراق ابنه.. قائلا:”صالح كان ابن موت والله، كان حنين جدًا جدًا عليا وعلى أمه وأخوته”.. حسبي الله ونعم الوكيل، في إللى قتلوه.. محدش من المسئولين اتصل بيا خالص ومش عايز غير يرجعولي جثته بالسلامة عشان أدفنه بإيدى”.

بينما قال محمد الجبالى، ابن عم صالح الجبالى ضحية أحداث تفجيرات باريس، إنه أثناء تناوله الطعام فى مطعم بباريس ترجل عدد من الإرهابيين يحملون الأسلحة النارية وإطلاق الأعيرة النارية على المتواجدين بالمطعم، ولفظ أنفاسه الأخيرة فى الحال.

وقالت “بسمة”، إحدى شقيقات الشهيد، إن أقاربها فى فرنسا أبلغوا أفراد عائلتها بأن هناك إجراءات تجريها الحكومة الفرنسية وراء تعطيل وصول جثمان “شقيقها” بسبب عدم اكتمال تقرير الطب الشرعي حول أسباب وفاته.

وقالت زوجة الشهيد صالح الجبالي:” أنا مش قادرة أتكلم ومش هقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل”.. ورددتها عدة مرات وهى منهمرة فى البكاء.

وعاد إلى أرض الوطن اليوم الجمعة جثمان المواطن صالح الجبالى الذى قتل فى هجمات باريس الإرهابية الجمعة الماضية، بعد أن أبلغت الشرطة الفرنسية، القنصلية المصرية في باريس بالعثور على جثمان العامل المصري صالح عماد الجبالي، وأعلن صالح فرهود، رئيس الجالية المصرية في فرنسا، أن الشرطة الفرنسية أبلغت سريناد جميل القنصل العام في باريس، بوفاة شاب مصري في الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم “داعش” على العاصمة يوم الجمعة الماضي.

فالناس تحسدك دائماً على شئ لا يستحق الحسد، لأن متاعهم هو سقوط متاعك، حتى على الغربة يحسدونك، كأنما الغربة والبعد عن الأهل والوطن مكسب وعليك أن تدفع ضريبته إما نقدا أو حقداً.. لا يدرون أن الغربة فاجعة يتم إدراكها على مراحل، ولا يستكمل الوعي بها إلا بانغلاق ذلك التابوت على أسئلة بقيت مفتوحةً عمراً بأكمله، ولم يعرفون كم كان الشاب المغترب غريباً قبل ذلك ولا كم سيصبح منفيّاً بعد الآن أم مفقودا إلى الأبد؟.

فكان صالح الجبالى لم يعلم المصير المشئوم الذي ينتظره، حيث استشهد بصحبة زميلين له من تونس والمغرب وقت وقوع الأحداث أثناء الاعتداءات الإرهابية المتزامنة وغير المسبوقة، التى نفذها انتحاريون مدججون بالسلاح فى أماكن متفرقة بالعاصمة الفرنسية، ما أسفر عن وقوع 129 قتيلا و352 جريحًا، إضافة إلى إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، حالة الطوارئ وإغلاق الحدود حتى إشعار آخر، فضلا عن الحداد الوطني 3 أيام بكل أنحاء البلاد.

وشهد منزل عائلة الشهيد صالح عماد الجبالي، حسرات الألم بصدور والدة الشهيد وزوجته وأشقائه وأفراد عائلة حزنا على فراق صالح بعد شيوع خبر استشهاده، وتحولت شوارع القرية إلى سرادقات عزاء انتظارا لوصول الجثمان الذى وصل أمس الجمعة وشيعت الجنازة ودفن بمقابر الأسرة بالغربية.. لنجد أنفسنا أمام مشهد مأساوى ربما تكرر مع اختلاف التفاصيل والأحداث.. فقد سافر صالح لباريس “عاصمة النور” من أجل العمل وتوفير حياة كريمة لأسرته، إلا أنه سرعان ما خرج منها موضوعا داخل صندوق خشبى مكفنا بقطعة قماش بيضاء، حاملا معه أقسى أنواع الحزن والألم لأهله وأحبابه وزوجته، الذى لا ينسى أبد الدهر.

فعندما يغادر الإنسان أهله وأصدقاءه ومحبيه إلى بلد آخر يكون شعوره بالألم حاداً يوخز القلب خاصة يوم الوداع يوم يودع أصدقاؤه مروراً بمحبيه وقوفاً في محطة الأهل التي يكون فيها الألم ما أقساه، متجها إلى المحطة الأخيرة التي يودع فيها بلاده فما أشد الألم عندما ينظر إلى أهله وأرضه وهو مغادرة الأرض الطيبة ولا يدرى هل سيعود إلى أحضان كل هؤلاء أم سيعود جثة هامدة فى صندوق خشبى كى لا يحتضنه أهله بل يحتضنه تراب الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: