تحقيقات صحفيه

ابراهيم البسيونى يكتب : ماذا يفعل الإخوان في مواجهة السيسي رئيسًا؟

تحقيق / ابراهيم البسيونى

118123_1392321092كل الاحتمالات مفتوحة بالنسبة للإخوان، في مواجهة المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد.. التنظيم أمامه عدّة سيناريوهات للتعامل مع عدوّهم الأول منذ الإطاحة بمحمد مرسي وإخوانه وأهله وعشيرته ونظامه الاستبدادي عن سدّة السلطة.. تلك السيناريوهات التي من الوارد أن تبدأ بالعداء المطلق له، والحرب المفتوحة ضده، على جميع الأصعدة، أو ربما تستقر على المهادنة والكمون تجاهه، أو حتى قد تصل إلى حالة الوئام التام، وربما التحالف معه.

التنظيم سيصعّد دعمه للإرهاب من «الباطن» لدفع

السلطة للتفاوض معه

الجماعة ستواصل الاستقواء بالخارج للضغط على

الرئيس الجديد

لن تلجأ الجماعة للاعتذار للشعب أو إجراء مراجعات

فكرية.. وستحاول «استعادة علاقتها بالأمن»

 

إنها سيرة الجماعة، وذلك هو تاريخها. أعداؤها في لحظة يصبحون أكبر حلفائها. بينما لا يتردّد التنظيم في لحظة في أن يبيع أنصاره ومن سار على دربه من جماعات وأحزاب وتيارات سياسية أو ثورية، لشراء مصلحته الخاصة، أو الاقتراب من السلطة، أو لتأكيد فروض الولاء والطاعة للأمن.

وفق ذلك المنطق، سيكون موهومًا بحق، من يتخيّل، أن خيار حرق الأرض الذي تنتهجه الجماعة الآن، في مواجهة سلطة ما بعد 30 يونيو، سيستمر، كحيلتها الوحيدة بعد دخول السيسي قصر الاتحادية. الآن التنظيم يحاول الضغط بحثًا عن طوق نجاة من الحظر الشعبي والقضائي من جانب، ومن جانب آخر، في محاولة منه للعودة إلى المشهد السياسي، بالابتزاز والترويع، والعنف، والاستقواء بالخارج، والتحالف مع قوى التطرف والتكفير، وتعطيل تنفيذ باقي بنود خارطة الطريق بأي ثمن.

لكن بإتمام جميع الاستحقاقات الديمقراطية المنتظرة بعد 30 يونيو، من إقرار دستور، وانتخاب رئيس، وتأسيس برلمان قوي، ستغدو الجماعة أمام الحقيقة الراسخة، التي تحاول الهروب منها بشتى الطرق، وهي أن زمنها ولَّى بلا رجعة، وأنه لا خيار أمامها سوى البحث عن نافذة لاستعادة وجودها مرة أخرى بين الناس، وفي دوائر السياسة والحكم.

على هذا النحو، فإن التنظيم الإخواني أمامه سيناريو من خمسة، في حال وجود السيسي على رأس الدولة: الأول أن يعترف بالهزيمة، ويسلّم بواقع ما بعد 30 يونيو و3 يوليو، ويعتذر للشعب المصري صراحة عن جرائمه السياسية والجنائية التي ارتكبها في عهد الرئيس السابق محمد مرسي وبعد عزله، بينما يترك مصير قياداته وأمواله المصادَرة وجماعته المحظورة للقضاء ليقول كلمته. وذلك على أمل أن يتولّى أبناء الجماعة وأعضاؤها ممن لم يتورّطوا في دماء أو إرهاب، بناءها مجددًا على الصعيدين الدعوي الخدمي الاجتماعي، والسياسي، وكذا إجراء مراجعات فكرية شاملة لأدبيات الإخوان وآليات اشتغالهم بالعمل العام، على أساس من احترام التعددية والديمقراطية والرأي الآخر ودولة القانون، فضلًا عن تربية القواعد على أنهم جزء من الدولة المصرية، لا أن الأخيرة جزءٌ من التنظيم.

غير أن أي مدقق في نمط القيادة المسيطرة على الجماعة حاليًا، من فرقة خيرت الشاطر ومحمود عزت ومحمود حسين وإخوانهم، سيدرك بلا أدنى مجهود، أن السيناريو السابق أقرب للخيال، من التحقق على أرض الواقع.

السيناريو الثاني المحتمل من جانب الإخوان تحت حكم السيسي، أن يلجأ قادتهم للكمون والانسحاب من الشارع، تسليمًا بالأمر الواقع، لكن دون إجراء أي مراجعات فكرية أو سياسية، انتظارًا لإبرام صفقة مع الرئيس الجديد، تقوم على ضمان هدوء الشارع له، مقابل رفع يد الأمن عنهم وعن مالياتهم، ومنحهم كذلك بابًا ضيقًا للعودة مجددًا للعمل بين المصريين عبر المساجد ودور الرعاية الاجتماعية، والظهور أيضًا في ملاعب السياسة من بوابة الانتخابات البرلمانية والمحلية والنقابية والطلابية. الجماعة لن تجد غضاضة أبدًا في الانبطاح للسلطة في تلك الحالة، في مقابل أن تحيا من جديد بعد وفاتها إكلينيكيًا، وأيضًا من أجل إنقاذ رقاب رؤوس مكتب الإرشاد من السجن، وربما الإعدام.

اتهام السيسي ورموز 30 يونيو بالخيانة والعمالة للصهاينة، سيختفي تمامًا من الأبواق الإعلامية للتنظيم، وسيحلّ محله حديث التوافق ولمّ الشمل وتقديم المصلحة الوطنية على المنفعة الخاصة. سينسى الإخوان وقتها دماء ضحاياهم، وسيسوقون مئات الفتاوى والأسانيد الشرعية لمدّ يدهم إلى رئيس سبق أن حرّضوا على اغتياله، وأهدروا دمه، ودم من لم يقف معهم ضده دون وجل، وذلك عبر ليٍّ فاضح لآيات الله وأحاديث رسوله الكريم.

وفيما يبدو ذلك السيناريو أقرب للعقلية الإخوانية النفعية الشهيرة، فإنه يبدو استنساخًا لنمط علاقتهم مع دولة مبارك وأمن الدولة المنحل. نمط صفقات الكواليس التي يدمنونها. المثير أنهم يراهنون في إمكانية العودة لزمن الاتفاقات السرية مع الدولة، على عقلية السيسي كرجل مخابرات محترف. في عالم المخابرات تبقى دومًا كل الحلول متاحة. الأعداء قد يصبحون أصدقاء في أي لحظة. فهل تتحقق رغبتهم في هذ الشأن، أم أن للقائد العام رأيًا آخر؟

السيناريو الثالث الذي قد يلجأ إليه الإخوان إذا انتخب السيسي رئيسًا، هو المواجهة الشاملة مع الدولة بالإرهاب والعنف.. لكن التطرف لم يُسقِط نظامًا من قبل. على الأقل في مصر كان فشله كبيرًا في النهاية. كما أن لجوء التنظيم لمعركة مسلّحة مع الدولة، لن يؤدي إلا لمزيد من الكُره الشعبي تجاهه، فضلًا عن التسبب في تقييد حريات المواطنين الذين ناضلوا من أجلها في 25 يناير و30 يونيو، وبالكاد حصلوا على القليل منها، وذلك على خلفية لجوء السلطة المتوقع لإجراءات استثنائية لفرض النظام في الشارع، وحماية الأفراد والممتلكات العامة والخاصة. تجربة مبارك في هذ الشأن، لا تزال حاضرة في الأذهان. الرئيس الأسبق حكم مصر بالطوارئ 30 عامًا بحجة محاربة التكفير والإرهاب.

السيناريو الرابع، وهو الأقرب للواقع. أن يواصل الإخوان دعم الإرهاب من الباطن (والحديث عن السلمية علنًا) لضرب الدولة وإسقاطها وإشاعة عدم الاستقرار في البلاد، مع استمرار معركة التحريض على السلطة خارجيًا، وإبراز الجماعة كبديل جاهز لتولي الحكم في أي لحظة، بتعظيم مظلوميتها أمام الرأي العام العالمي. لكن يبقى الدرس الذي لا ولن يدركه التنظيم. أن من يصنع الإرهاب سيكتوي بنيرانه مهما طال الأمد. واشنطن صنعت أسامة بن لادن وقاعدته لضرب السوفيت في أفغانستان، قبل أن يوجّه الأخير طعناته فيما بعد إلى قلبها.

إلا أن السيناريو الأخير بالنسبة للإخوان، وهو الأكثر رجاحة، وربما الأكثر ترشحًا للتحقق على أرض الواقع، خلال الفترة التالية لوصول السيسي إلى الاتحادية، أن يتم دمج السيناريوهين الثاني والرابع، بمعنى أن يقدّم التنظيم على مواصلة مساندة الإرهاب واستخدامه، بطرق غير مباشرة، فضلًا عن تصعيد تحرّكاته الخارجية ضد القاهرة، من أجل إجبار السلطة والرئيس الجديد على فتح باب الصفقات السرية معه طلبًا للتهدئة.

هكذا ستكون إستراتيجيات الإخوان المحتملة في عهد السيسي، فيما تظل السيناريوهات الخاصة بالأخير للتعامل معهم، مرهونة بقراره هو وحده، فهل يمد يده مجدّدًا للجماعة، أم أن زمن تفاهم أهل الحكم بمصر مع أبناء حسن البنا وسيد قطب قد انتهى؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: