بقلم رئيس التحريرتحقيقات صحفيهعرب وعالم

المساء نيوز ( ابراهيم البسيونى) : يرصد السيناريوهات القطرية لاختطاف ثورات الربيع العربي

تحقيق / ابراهيم البسيونى 

لا ريب في أن القراءة المستقبلية لتحولات المشرق العربي، ستتوقف طويلا عند الدور غير النظيف للنظام القطري، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة السابقة على موجات الربيع الثوري، وما تلاها.

كتاب فرنسي: الدوحة وواشنطن تحالفتا لتغيير تركيبة

الحكم بالمنطقة لصالح الغرب

قطر مسؤولة عن تسليح المعارضة في بعض الدول

العربية لتفجير الوضع الداخلي بها

الإمارة انتهجت سياسة «الشيكات المشبوهة» لشراء

الأنظمة التي تساندها

108585_1388476384 الإمارة الخليجية الصغيرة، تحركت عبر شاشات الجزيرة، وفي الكواليس، وبشيكات مشبوهة بمليارات الدولارات، لتحويل دفة التغيير في العالم العربي بما يصب في تعظيم دورها ونفوذها الإقليمي من جهة، وخدمة حلفائها في واشنطن وأنقرة، وربما تل أبيب، من جهة أخرى.

تشدق الدوحة بمساندتها للثورات العربية، بدا ملوناً بأطياف المصلحة. الهجوم الشديد، والتحريض الفج، ومحاولات التشويه المستميتة، وغيرها من الممارسات التي تنتهجها ضد القاهرة، منذ الإطاحة بمحمد مرسي وإخوانه، إنما هي صورة واقعية لعدم إيمانها بإرادات الشعوب، بقدر اهتمامها بتثبيت نظم في بلدان الثورات موالية لها، أو بالأحرى موالية لمن يقف في ظهرها.

الدعم الأعمى من جانب قطر للإخوان، ومساندتها لهم إعلامياً ومادياً، بحسب بعض المعلومات المتناثرة، هنا وهناك، فضلاً عما يثار عن دعم الإمارة لإرهاب الجماعة، ولعدد من تنظيمات العنف، بغرض استنزاف الجيش بمصر، كل ذلك يجعل من حديث الدوحة عن الثورية، أقرب لنكتة سخيفة، لا تستحق منحها أدنى اعتبار.

كتاب فرنسي صادر قبل أشهر قليلة، بعنوان قطر.. هذا الصديق الذى يريد لنا الشر يدور بالأساس حول تلك الفكرة، بينما يجنح مؤلفاه وهما الصحفيان الفرنسيان المعروفان بقدرتهما الفائقة في التحقيقات الاستقصائية، نيكولا بو وجاك ماري برجيه، بوضوح إلى وجود تنسيق ووئام تام، بين الدوحة وواشنطن، لتغيير تركيبة المنطقة، بما لا يصب بأي شكل من الأشكال في مصلحة العرب، بقدر ما يحقق مكاسب مذهلة للغرب. وربما كانت ذروة تلك المكاسب، حسب الكتاب، في تأجيج الصراعات السياسية والمذهبية في الدول العربية، والدفع في اتجاه ثورات الربيع العربي، باستخدام طرق مشبوهة، ولكن بغلاف فضفاض براق، يتحدث عن حرية الشعوب.

وفق قراءات عدد من الصحف الأمريكية والبريطانية لصفحات الكتاب، يشير مؤلفاه إلى دور الدوحة في تقليب المنطقة، وزيادة الحرائق فيها. ناهيك بدور قناة الجزيرة في المبالغة في نقل حقائق ما يدور في عدد من البلدان، خصوصا إذا كان يُراد لها تغيير في سلطة الحكم وفق الرؤية الأمريكية والغربية.

حدث ذلك تقريبا في أثناء الثورة التونسية، وفق ما جاء بين ضفتي الكتاب، الذى لم يفت مؤلفاه الإشارة إلى أن تأسيس قناة الجزيرة القطرية، لم يكن إلا فكرة صهيونية تبناها أخوان يهوديان فرنسيان، هما ديفيد وجان فريدمان، إذ تمكنا من استخدام مجلس العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، المعروف اختصاراً بـ إيباك ، لإقناع أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثان بتنفيذها، وذلك بعد فترة وجيزة من افتتاح مكتب تمثيل تجارى لإسرائيل في الدوحة، منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بحيث تكون القناة حلقة جديدة في التطبيع غير المباشر للعرب مع تل أبيب.

المؤلفان يوجهان جملة من الاتهامات للدوحة وحلفائها، باعتبارها ساهمت في تدبير انتفاضات وثورات العرب في الغرف المغلقة، وبالتالي فإن تلك الثورات، كما يقول الكتاب، مؤامرات على الشعوب ولعبة قذرة لإجهاض أحلامهم في الحرية والاستقلال، قبل أن يعضدا وجهة نظرهما بالإشارة إلى تأسيس الإخواني المصري هشام مرسى، صهر الشيخ يوسف القرضاوي، لأكاديمية التغيير في المنطقة قوامها الهاكرز والمدونون المحترفون.

مفاجأة الكتاب اختصت بالقرضاوي، حيث يتناول الكاتبان ما سماه اعتراف أسماء بن قادة، الزوجة السابقة للشيخ، ومفاده أنه كان قد زار إسرائيل سرًا في عام 2010، وأنه يحظى بإشادة الكونجرس الأمريكي. كما يجزم الكتاب بمسؤولية الدوحة عن تسليح المعارضة في بعض الدول، بغية تفجير الوضع الداخلي بها، وهو ما يبدو واضحا جليًا الآن في سوريا.

كتاب فرنسي آخر، صادر حديثاً بعنوان قطر: أسرار الخزنة ، يسلط فيه الصحفيان كريستيان شينو وجورج مالبرينو، على الدور الأسود نفسه الذي تلعبه الدوحة في السطو على ثورات الربيع العربي.

غير أن الكتاب استخدم تعبيراً غاية في الطرافة، لوصف رغبة الدوحة المحمومة لتعظيم دورها، وتقزيم باقي دول المنطقة: ضفدع أراد أن يكون بقرة.. وعليه انتهجت الإمارة سياسة الشيكات لشراء كل شيء، وهي الآلية التي كان قد دشنها رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم، وكانت تكتفي قبل الربيع العربي بتحقيق دور الوسيط بالنسبة للقطريين، في حل أزمات عدة بالمنطقة، وخاصة في لبنان وفلسطين والسودان.. ثم سرعان ما انقلب ذلك بعد الإطاحة ببن على ومبارك والقذافي، وفي ظل رغبة صناع القرار في جوقة الحكم القطري، بحتمية تسكين الإخوان في كراسي السلطة من الخليج إلى المحيط.

وعليه كان الدفع القطري المجنون، ليس فقط للإطاحة ببشار الأسد من سوريا بقوة السلاح فقط، ولكن أيضاً لتثبيت بديل إخواني بدلاً منه في سدة الحكم بدمشق. هذا ربما كان مربط الخلاف مع السعودية بشأن الصراع السوري.

الإمارة الصغيرة التي شاركت بمقاتلات وطائرات عسكرية، ضمن قوات حلف الناتو التي أجهزت على القذافي ونظامه، كما كان لها أفراد من القوات الخاصة، يرتدون زيها العسكري، على الأرض بين الثوار الليبيين، فضلاً عما يثار من أن خزانتها تحملت 2 مليار دولار في تلك الحرب، هي ذاتها التي تدخلت بشكل سافر لترتيب السلطة ودوائر الحكم في بلد عمر المختار فيما بعد.

الدوحة ساندت بقوة، على السلابي، تلميذ القرضاوي، وأحد خريجي مشروع النهضة للتدريب والنشر والندوات والمحاضرات (الإخواني)، ليكون بحق، وكما وصفته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، ونقل عنها عبد العظيم حماد في كتابه المهم الوحي الأمريكي ، المهندس الفاعل في ترتيبات السلطة في ليبيا ما بعد القذافي.

بينما يقطع الوحي الأمريكي أيضاً بأن الدوحة بذلت الكثير من الجهود والأموال لحرمان السياسي القومي الليبرالي، محمود جبريل، من رئاسة الحكومة الانتقالية هناك، رغم فوز التحالف الذي أسسه بأغلبية المؤتمر الوطني في بلاده، وذلك بتكتيل كل الآخرين ضده.. والسبب فضلاً عن ضمان النفوذ القطري في ليبيا الغنية بالنفط، هو عدم قيام حكومة غير منتمية للإسلام السياسي/ الإخوان.

في سبيل ذلك أنفقت الدوحة في استثمارات بليبيا بعد الإطاحة بالقذافي، ما قيمته 10 مليارات دولار، كما أنها وقعت اتفاقات أخرى مع طرابلس بـ8 مليارات دولار، حتى من قبل انتهاء الحرب ضد العقيد الراحل، وهو ما حاولت تكراره مع القاهرة، إبان حكم حلفيها مرسي، بتوقيع اتفاقية استثمارية بـ18 مليار جنيه، لم تنفذ بالطبع بعد فيضا 30 يونيو.

يشار في هذا السياق أيضاً، إلى أن العلاقات بين قطر والنظام الحاكم في تونس، ومن خلفه حزب النهضة الإخواني، بزعامة راشد الغنوشي، على خير ما يرام، وتمر بتوافق لا مثيل له. زيارات الأخير للدوحة لا تنقطع. الحديث عن دعمه مادياً في كل لقاء له بالأسرة الحاكمة بالإمارة، يتصاعد من حين لآخر. ناهيك عن أن وزير الخارجية التونسي بعد ثورة الياسمين، رفيق عبد السلام، كان رئيسا لوحدة الدراسات والأبحاث في مركز الجزيرة بالدوحة، كما أن والد زوجته، هو الغنوشي. الدوحة ضمنت به صوتاً فاعلاً في البلد الأخضر.

وبحسب أطروحة تحليلية لمؤسسة هاينرش بول الألمانية، فإن السعي الطموح لقطر إلى قيادة إقليمية في مرحلة ما بعد الربيع العربي، يواجه تحديات ومتحدّين. ففي الحالة الأولى، ثمة مسألة المصداقية. ففي أعين المنتقدين، قطر دولة غير ديمقراطية تتسم خطواتها نحو الإصلاح الدستوري ببطء محبط. لذلك يُنظَر بتشكيك إلى قيادة قطر في سعيها لقلب أنظمة تسلطية في المنطقة.

كما تتهم قطر وفق المؤسسة الألمانية، بأنها تعمل في الواقع كدمية أميركية في المنطقة. استضافة الدوحة للقاعدة العسكرية الأميركية الأكبر في الشرق الأوسط وسياسة الباب المفتوح التي تعتمدها مع إسرائيل، أهم سهام النقد الموجهة لها في هذا الشأن. وتوقفت المؤسسة كذلك أمام بروز نظرة في بلدان الحالات الناجحة للربيع العربي إلى أن القطريين يتدخلون في الشؤون الداخلية لتلك البلدان بعد ثوراتها، فضلاً عن أنها تفضّل قوة معينة، هي الإسلاميين/ الإخوان عموماً، على القوى الأخرى.

تلك هي الاتهامات المتناثرة في مواجهة الدوحة، إلا أن صمت الأخيرة عليها وعلى غيرها، لن ينتج إلا مزيدا من الشكوك والتوجس تجاهها.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: