بقلم رئيس التحرير

تحقيق | ابراهيم البسيونى :: بسبب ورقة قديمة.. الرجل الحديدى يفقد قوته فى الكنيسة:

150675
تحقيق | ابراهيم البسيونى
الغضب الذى اندلع منذ يومين فى الأوساط الكنسية، ضد مطران دمياط وكفر الشيخ الأنبا بيشوى، بسبب ورقة قديمة انتشرت، وبها تنبيه منذ عدة سنوات يمنع الفتيات من سن 11 عامًا والسيدات من ارتداء البنطلون والبلوزة عند حضور القداس، لم يكد يهدأ إلا وقام أحد الصحفيين بإعادة نشرها مؤخرًا، وهو ما أثار ردود فعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعى ضد الأسقف، الذى كان الأقوى فى الكنيسة خلال سنوات مضت، والملقب بالرجل الحديدى فى عهد البابا شنودة.

«البنطلون والبلوزة».. أزمة على

مواقع التواصل الاجتماعى

مطران كفر الشيخ يعانى من أزمة

وجود 

مريدو الرجل الحديدى يحاولون إثبات

أن أسقفهم الأحق بقيادة الكنيسة

 

الصور التى ظهرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعى (الفيسبوك)، شبهت الأنبا بيشوى مطران دمياط، بـ(القديس الأنبا بيشوى) الذى يوجد على اسمه أشهر الأديرة فى مصر بوادى النطرون، وهو دير أصبح مقرًا بابويًا لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، منذ عهد البابا شنودة، ومنه خرج البابا تواضروس، الذى بدأ حياته الرهبانية هناك.

القديس الأنبا بيشوى، هو أحد قديسى الكنيسة فى القرون الأولى من الميلاد، وعلى اسمه تم إنشاء الدير، ومعروف بلقب (حبيب المسيح)، كما تذكره الكنيسة فى مجمع القديسين فى القداس وفى مجمع التسبحة، وله صورة شهيرة، حسب سيرته التى تحكى فى تاريخ الكنيسة، وهو جالس تحت قدم السيد المسيح حسبما تروى قصته، وقد قام بغسل قدمى السيد المسيح عندما ظهر له.

إلا أن هذه الصورة التى اشتهرت فى الفيسبوك، حصل عليها بعض التعديل بـ(الفوتوشوب)، ليتم استبدال القديس الأنبا بيشوى، بالأنبا بيشوى مطران دمياط، فى واقعة لم تحدث من قبل فى تاريخ الكنيسة، ووصفه مريدوه بالقديس، مثل القديس الذى ولد فى القرن الرابع الميلادى، وبالتحديد عام 320م، لأنه حسب تقاليد الكنيسة والمسيحية لا يطلب شخص القداسة والمجد لذاته، خصوصًا إذا كان من الكهنة والأساقفة.

وليست هذه الصورة فقط التى نشرت على مواقع التواصل الاجتماعى، بل ظهرت صورة أخرى مكتوب عليها الأنبا بيشوى المهتم بالفقراء والمرضى، حيث تم تركيب هذه الصورة أيضًا ليكون الأنبا بيشوى مكان (السامرى الصالح)، وهو أحد الشخصيات التى حكى عنها السيد المسيح فى أمثاله، بأنه قام بمساعدة رجل خرج عليه اللصوص وضربوه وسرقوا كل ماله وتركوه بين الحياة والموت، ومر بجانبه جيران له لم يسعفوه، لكن السامرى الذى يعتبر عدوه هو من اهتم به.

وأثارت هذه الصور التى انتشرت على فيسبوك، غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعى، فتصوير الأنبا بيشوى مطران دمياط بهذا الشكل، على أنه قديس مثل الأنبا بيشوى، صاحب دير وادى النطرون، الملقب بحبيب المسيح، وأنه يشبه السامرى الصالح، هو ضد تقاليد الكنيسة القبطية العريقة.

فقوانين الكنيسة تمنع على أى إنسان خاضع لها الافتخار بذاته، حيث تعتبر الكنيسة من يقوم بالافتخار بذاته شخص خاطئ يحتاج للتوبة، كذلك فى كل قوانين الكنيسة لا يعتبر شخص قديس إلا بعد مرور 50 عامًا على نياحته، ليجتمع المجمع المقدس ويقر بقداسته ولهذا الموضوع شروط.

فالبابا كيرلس السادس، رغم سيرته الطيبة واعتراف غالبية الناس بقداسته، لم تعلنه الكنيسة قديسًا إلا فى أحد اجتماعات المجمع المقدس العام الماضى، رغم وفاته عام 1971.

إضافة لذلك كان هناك نموذج تعتبره الكنيسة من قديسيها المعاصرين، وهو القمص الراهب عبد المسيح المقارى، الشهير بـ(المناهرى)، نسبة لقرية المناهرة، فرغم ما تمتع به من قداسة وروحانية عالية، إلا أنه كان يدعى الجنان ليتواضع، ويبعد مدح الناس له ويجعلهم يذموا فيه، فقد كان دائما يقول (أنا عايز أتجوز)، رغم أنه راهب ولا يصح له، كما كان يطلب من الأطفال أن يقوموا بإلقاء الحجارة عليه والسخرية منه، ورغم كل تلك المحاولات انتشرت سيرته الطيبة لما كان يقوم به ببساطته المعهودة فى مساعدة الناس.

كذلك أعلنت الكنيسة الأنبا إبرام أسقف الفيوم والجيزة المتنيح، فى مطلع القرن العشرين، قديسًا ولقب بـ(حبيب الفقراء والمساكين)، نظرًا لأنه اشتهر بإنفاق كل ما كان يحصل عليه من أموال لمساعدتهم.

بالتأكيد تلك الصور لم يصممها الأنبا بيشوى لنفسه، لكن مريديه ودراويشه داخل الكنيسة هم من فعلوا ذلك، وربما بسماح منه، فالرجل كان معروف عنه أنه يسعى للكرسى البابوى، وكان صاحب النفوذ الأقوى فى الكنيسة، ولكن بعد وفاة البابا شنودة، انحصر دوره تمامًا، وتم تقويض نفوذه، باختيار بطريرك جديد هو الأنبا تواضروس، الذى سحب منه الأسقفيات، التى حاكم أساقفتها إما بإعادة الأساقفة المحاكمين من لم يثبت عليهم شىء، أو رسم أساقفة عموم يتولوا إدارة تلك الأبروشيات نيابة عن الأساقفة أصحابها، كما تم اختيار سكرتير جديد للمجمع المقدس، وسحب إشرافه على عدد من الكليات اللاهوتية والمعاهد الدينية.

الصور التى تظهر الأنبا بيشوى بأنه قديس مثل القديس الأنبا بيشوى المولود فى القرن الرابع الميلادى، ومثل السامرى الصالح الشخصية التى تحدث عنها السيد المسيح فى أمثاله، هو ضد تعاليم الرهبنة القبطية التى نشأت على يد الأنبا أنطونيوس أبو الرهبان فى نهايات القرن الثالث الميلادى، والتى تحدث عنها الأنبا باخوميوس مطران البحيرة يوم رسامة البابا تواضروس، وتجليسه على كرسى القديس مرقس، فالأنبا باخوميوس قال: (لا ننسى أننا رهبانًا، وقد موتنا عن العالم، ولا نريد شيئًا، وكما يريد الله أن يستخدمنا فعلينا أن نستجيب)، وهو نفس الكلام الذى كان يتكلم عنه الأب (متى) المسكين فى كتبه وعظاته لتلاميذه من الرهبان.

وقد قام أحد الشباب القبطى بعمل نشر لصورة الأنبا بيشوى، وكتب تعليقًا حادًا تحتها، حيث قال: (هذا وقد حدثنا نيافة الأنبا بيشوى عن الحشمة الجسدية متناسياً الحشمة الروحية).

ويبدو من الصور، والقرار الذى اتخذه أحد الكهنة باسم الأنبا بيشوى، بعدم ارتداء الفتيات البنطلون، أن الأنبا بيشوى يشعر بأزمة وجود، وأنه لم يعد الرجل المهم فى الكنيسة كما كان من قبل، أو ربما هو شعور بالأساس عنده، وانتقل إلى مريديه وأتباعه، الذين يحاولون أن يثبتوا لأنفسهم ولأسقفهم أنه قديس وأنه رجل بار، وأنه الأحق بقيادة الكنيسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: