الكوره والملاعبمقالات القراء

ابراهيم البسيونى يكتب||| الحقد المصري.. من وحي غياب الفراعنة عن أمم إفريقيا

55555555سبُّ اللاعبين والمدربين فى المدرجات، تقليد مصري أصيل، ليس حصريًا لبلاد النيل، هو فعل اعتيادي لجماهير الترسو فى بر المعمورة، ومع ذلك فله طابع خاص فى مهد الحضارة
ضياع حلم المصريين في الوصول إلى كأس العالم انتقل إلى البطولة “السمراء”
السخرية من الفريق القومي تحولت لعادة على المقاهي وأمام الشاشات وفي المدرحات
تفضيل الأهلي والزمالك والتعصب لهما على حساب المنتخب.. نتيجة مباشرة لتكرار الفشل

بالعناد فى روابط الأولتراس، المساندة ليست شيكًا على بياض، يحدث ذلك فى معاقل الشياطين الحمر والزملكاوية والمصراوية والدراويش والقائمة تطول.. التصفيق غير حاضر فى الحلوة والمرة.. ولو مع منتخب الساجدين.

سوء النتائج أو الهزائم، لا يثير غضب الأنصار دومًا.. التخاذل قد يجد أعذارًا.. كسر الأمل يحرق الأعصاب.. خسارة الحلم تشعل الخنق.. التفريط فى الفرص السهلة موجع.. محبط.. مثير لليأس.. هنا تهطل زخات الشتائم على أرض الملعب.

فى كل الدنيا، الجلد المقوس متعة.. هواية.. على الهامش.. فرصة للتعارف.. للإخاء.. للسلام.. للمحبة.. للفروسية.. للنبل.. للصلاح.. للاسترخاء.

فى بلادنا.. حيث الفقر والجهل والقمع واللاإنجاز.. الكرة حياة أو موت.. قتال حتى النفس الأخير.. خصومة وثأر وحرب.. انتقام من عصا أمن باطشة.. من سلطة غاشمة.. انتصارات بديلة عن هزائم الصباح والمساء.. عزاء بسيط عن مبارزات مؤجلة.. عن ثورة مكبلة.. عن أفواه مكممة.. عن أمراض عضال.. عن أميّة مخجلة.. عن عوز لا أفق له.. عن انكسارات العمل.. الدراسة.. الصداقة.. غرف النوم.

فى بلد غاب عنه زهو النصر منذ عقود.. اختفى من قاموسه المشروع الجامع.. تاهت فيه الهوية.. تراجعت فى أجندة أولوياته آيات العلم والابتكار والفن والإبداع.. لعب حكامه فى مضمونه.. فى مصيره.. فى مقدراته.. مستقبله صار حالك العتمة.. كان العشب الأخضر ملاذ النسيان.. الخلاص المؤقت.. ساحة لبطولات النشوة العابرة.. لأكاليل الغار المعنوية.

ضربة جزاء ضائعة من جمال عبد الحميد طعنت قلوبًا.. رأسية عجيبة أخطأت المرمى المتسع المفتوح الخالي من أي حارس من مجدي طلبة، أذهبت عقولًا.. تصويبة طائشة من ملك الحركات، محمد بركات، على بعد سنتيميترات قليلة، وفي اللحظات القاتلة، بخّرت حلم المونديال وأحرقت الصدور.

ساسة وحكام غسلوا سمعتهم فى المدرجات.. خطفوا إنجازات لسرقة الشعبية.. الثلاثية السمراء لمنتخب المعلم أُقحِم فيها عنوة نجلا رئيس.. حتى المتعة الطائرة كانت عرضة للتدنيس.. للتدليس.. للتملق.. للانتهازية.. للمرابين فى سعادات المعدمين.

فى خضم الثورات تراجعت المستديرة للخلفية.. أفرغت المدرجات من رهبانها.. من حجاجها.. دماء الشهداء فى الباسلة فضح زيف الانتصارات.. أكد جبروت عصا السلطة.. عرّى أزمة علو الانتماء للنادي على الفناء من أجل تراب الوطن.. الأهلاوية صارت دينًا وهوية.. الزملكاوية باتت شرفًا وجنسية.. عاد السباب يطارد الفريق القومي.. تذكر الجميع الفاجعة.. رفعنا الكأس الإفريقية.. غير أننا لم نرفع الرأس فى المونديال.

مرتان فقط فى 84 عامًا.. هل رياح الفراعنة السوداء معطلة إلا فى روما والبندقية ونابولي وأخواتها؟ هل مزاج المصريين لا ينتعش إلا مع الإسباجتي والبيتزا؟ هل نضبت عدالة السماء فى باليرمو؟.. إلى متى ستظل لعنة ضربة جزاء مجدي عبد الغني تطبق على أنفاسنا؟

السباب ينهال حاليًا على الميدان.. عقدة المنتخب تضاعفت.. العجز عن مقارعة الصغار انتقل لمنافسات الأدغال والأحراش الإفريقية.. حتى العودة إلى العروس السمراء غدا عصيًا.. الغرام بالفريق المحلي تأصل وتجذر.. صار السلوى.. الفخر القديم بكؤوس الفراعنة كان مخدرًا.. الغياب عن الكأس الذهبية أمل ضائع جيلا بعد جيل.

الكارثة.. الغضب تحوّل حقدًا.. أُمم لم نسمع عنها صارت من أرباب المونديال.. ترينداد وتوباجو وهندوراس تعزف السلام الوطني فوق العشب.. المصريون فى المقاهي يتحسرون.. ينفثون دخان الغضب.. يشعرون بالمرارة.. يتبدلون على الانتماءات للعيش فى لحظة نشوة كاذبة.

الفتور نحو الفريق الوطنى أصبح عظيمًا.. موجات الألم والإحباط لعثراته نشرت اللامبالاة بأي إهانة يتعرض لها.. السخرية منه غدت عادة.. التعصب لألوان النادي لم يعد اختيارًا.

حقدَ المصريون على التفوق الجزائري.. على الروعة الأمريكية.. على الإبهار الألماني.. على الصلابة الأرجنتينية.. على الجمال الهولندي.. حسدوا السامبا رغم سباعية الماكينات.

الحقد المصري يطول الآن بلد الإيبولا.. غينيا ودّعت أحزانها.. تريد انتصارًا يصلب ظهرها المحني.. فرحة تعزي القلوب المكلومة.. نحن رفضنا جوائز القدر.. نصر على الفشل.. الغياب طال عن العودة إلى الجذور.. كأس الأمم الإفريقية لاذ بالفرار من جديد.

لم يعد المصري يبيت ليلة ليلاء بعد انتصارات العشب الأخضر.. الزمن لا يعترف بالذكريات.. الهزائم انتقلت إلى ميادين العشق والدفء.. مصاعب الحياة أثقلت الرغبة.. انكسارات المستديرة أهلكت القدرة.. الأهلاوية وحدهم ربما لم يصل إليهم الحقد حتى الآن.. المصري وحده يعيش المصيبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: