مقالات واراء

حكاية كوب الشاي الأخير

كتب – حامد بدر
كان موقفًا مؤثرًا جدا .. لقد كان الطلب الأخير..
نشرت الصحف في مصر عام 1985، عن إعدام أحدهم؛ تنفيذًا للعدالة والقصاص..
كانت الأجواء باردة، والصمت قاتل، بعدما التقى بأهله .. سألوه كما المعتاد أن يُسأل كل من هم في محله: “طلبك الأخير إيه؟”
ردَّ بتلقائية وبعيون شاردة: “كوباية شاي”.
وكما نشرت الصحف، آنذاك، يرتشف بهدوء، لم يرتجف، بل ظل يشرب طيلة وقت مقداره “ربع ساعة”؛ لتبدأ إجراءات الإعدام.. وانتهي كل شي.
تُرى كيف كان طعم هذا الشاي؟ .. هل كانت أجمل ما ذاقه؟ أم كانت آخر وداعه؟
كوب الشاي كان بطل الصورة والمشهد كاملا الذي التقطه الصحفي حفاظا عل مشاعر أهله ومراعاة عدم التشهير..
سبحان الله نعيش في هذه الدنيا نبحث عن ماذا؟ هل نحب ما نعمل؟ هل تروق لنا هذه الحياة، أم هو مجرد الروتين؟
يقولون أننا نفقد الشغف بعدما نصل.. الحقيقة أن الشغف يكون كما هو لكن العنفوان الذي كان يحركنا، ذلك السر الخطير الذي كان يعمل كيما جهاز الصدمات الذي ينعش القلب فننتفض انتشاءً حتى يكون أقرب طريقة لوصف ما يدور بداخلنا “عينان بهيئة القلب الأحمر مع ابتسامة عفوية” وهذا ما أمتجته لنا التقنية.. فقط المشاعر المختزلة.. التي كانت تعني أكثر من ذلك بكثير.
يقول البعض أننا سوداويُون بما فيه الكفاية، الحقيقة ليست في الذات بقدر الحالة الدرامية التي يعيشها العالم كله..
كوب الشاي بطل من أبطال حياتنا السرية التي تحمل كثير من المآسي، وكثير من الرغبات غير المفهومة، وأيضا كثير من الشغف الذي نألوه ونرجو لو نحصل عليه.
اللحظات الاخيرة دومًا، هي تلك اللحظات التي نفهم عندها الهدف من الرحلة، وكما قيل الكنز كان في الذي عايشناه..
اللحظات الأخيرة دومًا تكون واضحة وضوح الشمس، لا تكون كل الأمور ملتبسة، ليس لأن الحياة كانت سهلة، ولكن لأن التركيز يكون في أمر واحد.. الرحيل.
أحيانًا نعيش في صراع، ونستميت من أجل الوصول؛ لنكشف حقيقة مفادها أن الهزيمة في ذلك النصر المزعوم، وأن الحب كان أقدس من التجارة، وأن الصلاة كانت أحلى من النوم، وأن الشروق يستحق أن نستيقظ لنشاهده، فالميلاد يأتينا كل يوم، كما الموت أيضًا.
عندما رحل الراحلون لم يخبرونا، لكن الحقية أننا نعرف تقريبًا جزءًا من المشهد الآخر، ألا وهو الانقطاع، فلو كانت الديمومة في هذه الحياة، لفقد الموت هيبته، لكن الغريب أننا نتصارع نحو الموت دون أدنى نظرة إلى تلك النهاية الحقيقية.
حين تأتي النهاية تتبخر كل هذه الحقائق السالفة متصاعدة إلى اللَّااهتمام واللَّاحدود، كيما يتصاعد البخار الضعيف من كوب الشاي المغلي. حينها تبدو النِّقَم عَطَايا، والابتلاءات هِبَات، والنواقص كمالٌ لمشهد كان لن يكتمل أجزاءه دون تلك الغُصَّة التي تنتهي بخروج الرُّوح.
تنتهي الحكاية فنكتشف أنَّ اللُّعبة لا تستحق صراعًا، ولا غرورًا، ولا اعتلاءً، ولا تضحية لرخيص، فليت يعلمُ مقدارها كل إنسان، فيعرف حينها أن الحياة أقل من أن نضيِّعُها، فنحوذ الكثير أو رُبَّما القليل، حتى لو كل ما حُزناه “كوب شاي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: