حوادث وقضايا

محمد عبدالله يكتب ||| نذالة وتطبيل فى مكتب الإرشاد

173352تداعيات التزوير الفاضح والتوجيه الفج لانتخابات مكتب إرشاد الإخوان فى العام 2009 تواصلت وامتدت إلى مطلع العام التالى، وخصوصاً أنها انتهت بالإطاحة بقامتين كبيرتين فى الإخوان آنذاك أحدهما محسوب على التيار الإصلاحى، وهو عبد المنعم أبو الفتوح، والثانى كان النائب الأول للمرشد، الدكتور محمد حبيب، والذى كان يُشار إليه باعتباره أحد صقور التنظيم، وفى مقدمة الآمرين الناهين فيه، قبل أن يكتشف الجميع أنها عملية إقصائية دُبرت بليل من جانب جناح أقوى منه بقيادة محمود عزت، وخيرت الشاطر.
العريان باع أبو الفتوح ولم يُسانده بعد الإطاحة به خوفًا على مقعده فى الإرشاد
حبيب ينقلب على رأيه السابق ويرد على إقصائه من قيادة الجماعة
تقرير حقوقى: الجماعة غير ديمقراطية.. ولا تجرى انتخابات حقيقية.. وما تقوم به تجميل زائف لوجهها

وكانت تلك الانتخابات قد انتهت بإعلان تشكيل جديد لمكتب الإرشاد، ضم 16 قياديًا هم: أسامة نصر الدين، وجمعة أمين عبد العزيز، ورشاد البيومى، وسعد عصمت الحسينى، وعبد الرحمن البر، وعصام العريان، ومحمد بديع، ومحمد سعد الكتاتنى، ومحمد عبد الرحمن، ومحمد مرسى، ومحمود أبو زيد، ومحمود حسين، ومحمود عزت، ومحمود غزلان، ومحيى حامد، ومصطفى الغنيمى، بينما احتفظ خيرت الشاطر، ومحمد على بشر بعضويتهما بالمكتب، رغم وجودهما فى السجن، بناءً على تعديل لائحى أُجرى بتوجيه من الأول أصبح يتيح، وعلى عكس كل التاريخ الإخوانى، ألا تسقط عضوية الأعضاء القابعين خلف القضبان.

عبد المنعم أبو الفتوح

الملاحظة الأبرز فى التشكيل، أن أزمة تصعيد العريان قد تم احتواؤها، بعضويته لأول مرة فى مكتب الإرشاد. فى حين أُطيح بأكبر مناصر له فى تلك الأزمة وهو أبو الفتوح، والأدهى أنه لم يسانده، بل وتبارى وعلى مدار سنوات تالية، فى مهاجمته، والتقليل من حجم اسهاماته فى الجماعة، حتى أنه نفى عن أبو الفتوح، لقب المؤسس الثانى للتنظيم فى سبعينيات القرن الماضى، واعتبر البعض ذلك نذالة كبيرة.

العريان كشف عن وجه براجماتى نفعى، يصل إلى حد الانتهازية فى تلك الأزمة. بل أنه لم يعد يسأل عن مبادرته التي كان قد تقدم بها وقتما كان يعاني من تهميش، لإصلاح الجماعة من الداخل لمواجهة الضغوط الأمنية التى تتعرض لها، وذلك عبر إعادة صياغة اللوائح المنظمة لعمل الجماعة لتحقيق المزيد من الشفافية والوضوح والمشاركة الفعالة لأكبر قطاع من القواعد فى اتخاذ القرار، حسب ما نقل عنها تقرير لمرصد حالة الديمقراطية بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية. الأهم بالنسبة له قد تُحقق.. بات له مقعد طالمًا استعصى عليه.

محمد حبيب

فى المقابل لم يجد محمد حبيب مفرًا من انتقاد الانتخابات التى أطاحت به، مفجرًا مفاجأة مفادها أن الدعوة للانتخابات لم تعرض على مكتب الإرشاد أو عليه كنائب أول للمرشد ولم يستشر فيها، ثم قطع بأن الانتخابات ليست من اختصاص المرشد أو النائب الأول أو الأمين العام للجماعة، لكنها من اختصاص مكتب الإرشاد، معتبرًا أن ما حدث قد أهدر المؤسسية، وفتح الباب للتجاوزات والخروقات.

حبيب كان واضحًا فى الكشف عن هدف تلك الانتخابات، حيث نُقل عنه أن إجراءها على هذا النحو من الاستعجال هدف إلى تمكين فريق ما ضد فريق آخر، وليس فقط استبعاده شخصيًا بل التعدى على صلاحيات مكتب الإرشاد، على حد تعبيره لـ”الجزيرة” آنذاك.

المثير أن موقف حبيب المُضار من إخراجه من قلب قيادة الإخوان، فى ذلك الوقت، وتلويحه بأن الانتخابات موجهة، ولم تتم إلا على أسس باطلة، كانا على النقيض تمامًا، من الرد الذى صدره منه قبل ذلك بأيام قليلة للرد على مذكرة القيادى السكندرى حامد الدفراوى، والتى كانت قد قطعت بتزوير انتخابات مجالس شورى المحافظات، وكذا مجلس الشورى العام.

مؤتمر صحفى لمكتب إرشاد الإخوان

فى نوفمبر 2009 قال حبيب نصًا: “يقول الأخ المهندس الدفراوى إنه (مع حلول عام 2005 تم إجراء انتخابات بلائحة مزورة تتيح إضافة 20- 25% إلى المجمع الانتخابى لمجالس شورى المحافظات، ثم تبدأ إجراء الانتخابات بعد الإضافة؛ وبذلك يتم التخلص من القيادات الميدانية… إلخ).. والحقيقة أن الأخ حامد جانبه الصواب فى أمور، وكان له أن يسأل قبل التفكير فى الكتابة، فأحيانًا ما يفترض الإنسان منا افتراضات معينة (قد تكون غير صحيحة)، ثم يرتب عليها بالتالى نتائج غير صحيحة”.

الأكثر إثارة، أن العريان نفسه، تصدى للرد على تشكيك حبيب فى نزاهة انتخابات الإرشاد، بل والدفاع عن الجماعة ولوائحها الملتبسة، فقال للجزيرة أيضًا: “إن ما يحدث حاليًا خلاف فى وجهات النظر حول تفسيرات فى اللوائح والأدوار المنوطة لكل صاحب موقع، وأن الإعلام ساهم فى تأجيجها، ومن ثم فالعواصف الحالية ستهدأ بعد إعلان نتائج الانتخابات التى جرت، فى ظل حرص الجميع على الشورى واحترام اللوائح، وأن كيان الإخوان سيمضى قدمًا إلى الأمام لإجراء مراجعة تصحيحية، وسط أجواء من الإخوة السائدة بين أعضائه”، مستبعدًا إعادة الانتخابات، قبل أن يُبشر الجميع بأن التنظيم خرج من تلك الأزمة أشد قوة.. العريان بات يغرد بنغمة “تطبيلية” بعد دخوله الإرشاد.

الفكر الإقصائى داخل الجماعة هو الأقوى

وبعيدًا عن تبدل مواقف قادة التنظيم، كلُ حسب موقفه، فإن دراسة قيمة لمرصد حالة الديمقراطية بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، صدرت فى الأسبوع الأول من يناير 2010، عن انتخابات مكتب إرشاد الجماعة، توقفت أمام مجموعة من الدلالات والإشارات والحقائق كان من بينها:

الفكر الإقصائى داخل الجماعة كان الأقوى، فيما تجاوز أصحاب ذلك التيار اللوائح، واجتهدوا فى استخراج تفسير لها يخالف ما جرى عليه العمل فى حوادث مماثلة، فالشيخ القرضاوى، الذى يمثل مرجعية علمية وفكرية للكثير من الإخوان، اعتبر أن ما تقوم به القيادات خيانة للدعوة.

نتيجة انتخابات الإرشاد أكدت أن المبادرات المطروحة من قبل أسماء كمحمد البلتاجى، وعصام العريان، وعدد من كوادر التنظيم فى المحافظات، بشأن الإصلاح الداخلى فى الإخوان، بما يشتمله ذلك على فكرة تأسيس حزب سياسى، إنما هى مجرد تكتيك وتوزيع أدور للظهور بمظهر ديمقراطى، وهو ما يخالف الحقيقة والمضمون الذى تتربى عليهما قواعد الجماعة.

الحفاظ على التنظيم لدى الجماعة أهم من الديمقراطية والحوار الفكرى والنقاش

فى النقطة السابقة قالت الدراسة نصًا: “تم إجراء تصويت بين أعضاء مجلس الشورى العام قبل انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة حول إجراء انتخابات المكتب أسفر عن تأييد 37عضواً بالشورى العام لإجراء الانتخابات خلال شهر يناير 2010، فيما صوت 32 عضوًا بالشورى العام على تأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتخاب مجلس الشورى العام فى يونيو القادم 2010، فيما صوت 16 عضواً نحو تأجيل الانتخابات لما بعد الانتخابات البرلمانية نهاية العام القادم 2010، وبذلك يصبح رأى المطالبين بالتأجيل 48 صوتاً، وطرح هذا الأمر للنقاش بمكتب الإرشاد، فهناك رأى يرى أن يعمل برأى أصحاب الـ37 وهو التبكير بالانتخاب، وحجته أن الـ16 صوتاً الذين صوتوا لتأجليها لما بعد الانتخابات البرلمانية لا يعنى بالضرورة موافقتهم علي تأجليها لما بعد انتخاب مجلس الشورى العام، إلا أن عددًا من أعضاء مكتب الإرشاد تمسك بإجراء الانتخابات، وشدد حبيب، النائب الأول للمرشد، على أن مجلس الشورى العام للجماعة هو صاحب القرار وسوف يلتزم كل أعضاء المكتب بقرار المجلس والذى قرر عقد الانتخابات، وهنا اتضح مدى عدم وضوح سلطات كل من مكتب الإرشاد ومجلس الشورى ودور كل منهم”.

تزوير اللائحة أوصل العريان لشورى الإخوان

من الصعوبة بمكان أن نطلق على ما تم فى جماعة الإخوان المسلمين، أنها انتخابات، ولا يمكن وصفها بأنها انتخابات ديمقراطية، فبداية من اللائحة، مرورًا بالإجراءات الخاصة بالتصويت، وصولًا إلى النتائج، فكلها من صناعة أفراد لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.

ما أطلقت عليه الجماعة أنه انتخابات هو مجرد محاولة من جانبه لتجميل وجهها، ولكنها كشفت عورات التنظيم الذي طالما اجتهد فى اخفائها.

لم يتبق أمام الجماعة إلا أن تتخذ إجراءات حقيقية نحو الديمقراطية، تبدأ بتعديل اللائحة للسماح للجميع بالمشاركة واتخاذ القرار، بعيدًا عن تمركز السلطة فى يد المرشد ومكتب الإرشاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: