الشارع السياسىتحقيقات صحفيهعرب وعالممقالات القراء

محمد عبدالله يكتب أردوغان فى عيون أخصائى أمراض نفسية

165116في عام 2009، قام «ديفيد أوين» السياسي والطبيب البريطاني المختص بالأمراض النفسية والعصبية، ووزير خارجية المملكة المتحدة في الفترة من 1977 إلى 1979، بإنشاء مركز أبحاث متخصص في دراسة الأمراض التي تصيب القادة السياسيين، وخصوصًا الغطرسة Hubris، كلمة أصلها يوناني وتعني عند الأفراد الميل القوي إلى انحرافات معينة من الأنا، مثل: العجرفة اللامحدودة، ثقة بالنفس تصل إلى حد تضخيم الذات، والشعور بامتلاك قدرة كلية لا نهائية، وعلامات واضحة للتسلط، باختصار فإن السياسي الذي تبدو عليه هذه الأعراض يصبح مصابًا بنشوة السلطة.
طموحاته تحمل نظامًا للتدمير الذاتى
كان يعتبر الأسد «صديقًا» .. وصحفى سورى يصفه بالـ«عللاك»

مرض يتسبب صاحبه في العديد من المآسي السياسية، مرض من الواضح أنه أصاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ذلك الرجل الذي يتصرف وكأنه أحد سلاطين الإمبراطورية العثمانية، وهو ما يتسبب في تبعات تراجيدية بالفعل في مدينة عين العرب أو كوباني السورية ذات الأغلبية الكردية، وفي تركيا نفسها بل وفي الشرق الأوسط بأكمله.
جيليان تيت الصحفية بجريدة فايننشال تايمز البريطانية، ذكرت في مقال تحليلي لشخصية أردوغان، اعتمادًا على مقابلة أجرتها مع الدكتور أوين، أن الغطرسة تعرف طريقها للسياسي نتيجة سلسلة من النجاحات الأولية في بداية مشواره، لا سيما وإن جاءت تلك النجاحات بناءً على قرارات أصر عليها بالمخالفة لأراء مستشاريه، فتتطور الثقة المفرطة لديه إلى ثقة مرضية ومن ثم يرفض الاستماع إلى مستشاريه بشكل يصل إلى حد احتقارهم والتقليل منهم، واليقين بأنه على حق مطلق ضد كل ما يقوله الآخرون، والاستعداد دومًا لمشاريع توسعية تنتهي بصاحبها دائمًا إلى ما لا يحمد عقباه.
فى هذا الإطار فإن العداء الواضح من قِبل أنقرة لسكان بلدة عين العرب كوباني، يُفسر بطموح ثلاثي لأردوغان، إذ أنه يريد إضعاف أكراد تركيا، وإحداث تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه سوريا، وفي النهاية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من حكم دمشق.
الأمر له بعد شخصي، فأردوغان المتزعم لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية كان على علاقات قوية مع الرئيس الأسد، إبان توليه رئاسة الوزراء التركية (2003-2014)، وحينما اندلعت ما يُعرف بالثورة السورية في مارس 2011، قال أردوغان إنه أسدى النصح لصديقه الأسد بإجراء إصلاحات سياسية والتفاوض مع معارضيه ولكن الحاكم في دمشق لم يستمع إليه، وهنا تحولت تركيا إلى سكب الزيت على نار الفتنة الطائفية بإعطاء الصراع صبغة مذهبية باعتبار النظام السوري شيعي علوي منحاز لطائفته، وأن المعارضين له من السنة.

كان أردوغان يتحدث عن الأسد بصيغة إن لم يتنه عما يفعل سيكون لي معه شأن أخر، وهو ما دفع أحد الصحفيين السوريين المعارضين للأسد لوصف أردوغان بالـ”العللاك”، أي كثير الكلام والثرثرة الذي لا يقدم أي أفعال، وكانت نتيجة نفخ الرئيس التركي في النار الطائفية واعتقاده بأنه على صواب مطلق، هي الصراع المسلح في سوريا، ومقتل 230 ألف شخص في ثلاث سنوات مع تزايد الحصيلة يوميًا.

ولكي يبرر أردوغان سلبيته تجاه أولئك الذين يقضون نحبهم يوميًا في كوباني على أيد أصحاب الرايات السوداء، وإغلاق حدوده أمام الأكراد الأتراك الراغبين في الانضمام لأكراد سوريا في القتال ضد داعش، قال الرئيس التركي إن الأولوية ليست لمحاربة داعش وإنما لمحاربة نظام الأسد، ودائمًا ما يردد الدبلوماسيون العاملون مع أردوغان أنه ليس بالقصف وحده سيُهزم داعش ويولى الدبر في محاولة للضغط على الولايات المتحدة لإنشاء منطقة حظر طيران ومنطقة عازلة داخل الأراض السورية، وهو ما تتوجس منه واشنطن والدول الأوروبية خيفة.

وبحسب تسريبات مخابراتية لصحيفة التايمز البريطانية، فإن الغرب يخشى من أن يُستخدم حظر الطيران لصالح داعش برتكاب التنظيم مجازر جماعية بحق الأكراد، وهو ما سيغض أردوغان الطرف عنه، حيث أنه يريد إخلاء المدن الكردية في الداخل السوري من سكانها الأصليين كي لا يكونوا دعمًا لأكراد تركيا ولتسكين اللاجئين السوريين العرب في تلك المدن، والأهم من ذلك تدريب من يُطلق عليهم أردوغان المعارضة السورية المعتدلة التي تحارب ضد الأسد.

الأمر تحول إذًا إلى ابتزاز صريح، إن لم تغير الولايات المتحدة من سياستها جذريًا تجاه سوريا، فإن تركيا لن تساهم بشكل فعال في الحرب على داعش، وستظل دباباتها المتمركزة على الحدود مع كوباني ساكنة ثابتة، بينما أقل ما يمكن أن تفعله هو تحييد مدفعية داعش الثقيلة التي لا تتوقف عن إمطار الأبرياء من سكان كوباني بالقذائف، ويبدو الهدف من ذلك واضحًا، وهو إضعاف موقف حزب العمال الكردستاني المسلح على مائدة التفاوض لإنهاء الحرب الأهلية التركية المستمرة منذ 30 عامًا، والتي أوقعت 40 ألف قتيل حتى الأن، ويسعى الحزب إلى إنشاء مناطق تتمتع بالاستقلال الذاتي في المدن التركية ذات الأغلبية الكردية، حيث يشكل أكراد تركيا حوالى 15 مليون نسمة من إجمالي تعداد السكان البالغ 60 مليونًا.

رهان أردوغان على انتصار داعش في كوباني يبدو في غاية الخطورة، فتنظيم الدولة الذي لا يعرف الرحمة، لن يحقق نصرًا بلا إبادة جماعية لأكراد كوباني، وهو ما سيؤدي إلى انقطاع مفاوضات السلام بين الحكومة التركية والأكراد بشكل نهائي، كما لوح بذلك زعيمهم عبد الله أوجلان المحبوس في جزيرة إيمرلي التركية منذ عام 1999، وهو ما سيدفع عجلة الحرب الأهلية التركية للدوران من جديد بما سيهز صورة أنقرة المستقرة صاحبة الاقتصاد المزدهر، وهو ما يجعل البلاد مرشحة للانضمام لنادي الدول الفوضوية بالشرق الأوسط.

في النهاية رفض تركيا، العضو في حلف شمال الأطلنطي، للمشاركة بفاعلية في الحرب على داعش يثير غضبًا مكتومًا في واشنطن، والعهدة على صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، كما أنه موقف يصدم الأوربيين أيضًا، في ظل لهاث الأكراد منذ سنوات للحاق بقطار الاتحاد الأوربي. تبدو كوباني إذًا حقلًا ملغمًا بطموحات أردوغان، طموحات تحمل نظامًا ذاتيًا للتدمير، كما يقول الدكتور ديفيد أوين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: