بقلم رئيس التحريرتحقيقات صحفيه

«غضب العقاري»..يضع انتخابات الرئاسة على فوّهة بركان

تحقيق / ابراهيم البسيونى

71587205867ما حدث ويحدث في الشهر العقاري منذ نحو عامين، لا يعدو كونه سيناريو واحدا ممتدا، فالأزمات تتشابه، والحلول ليست إلا مسكّنات، والمشاكل تصل لذروتها في خضم حدث جلل يشغل بال الجميع.

 الموظفون سئموا

«المسكّنات» ويطالبون بتفعيل

قانون 64 

الأعضاء يسعون للاستقلال عن

«العدل» والوزارة

تماطل

ففي الوقت الذي تستعد فيه البلاد لإجراءات الانتخابات الرئاسية 2014، دخل موظفو الشهر العقاري في إضراب كُلِّي عن العمل، استمر لمدة عشرة أيام كاملة، بسبب تجاهل وزارة العدل مطالبهم في المساواة المادية والأدبية، بأعضاء إدارة الخبراء وفنيي الطب الشرعي التابعين لوزارة العدل، وهدّدوا بعدم توثيق التوكيلات الرئاسية المطلوبة من المرشحين المحتملين، للضغط على الوزارة، للموافقة على مطالبهم، ما دفع رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب للتدخل، والوعد بحلّ الأزمة، بعد طلب إمهاله ثلاثة أشهر لدراسة الموقف، وسط مطالب الأعضاء بضرورة تفعيل القانون 5 لسنة 1964 الخاص بتعيين رئيس مصلحة الشهر العقاري، وأدائه اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية، بدلًا من ندبه عن طريق وزارة العدل.

نفس الأمر حدث إبان الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث شهد شهر مارس 2012 إضرابًا كليًا للأعضاء الفنيين والقانونيين بالشهر العقاري، استمر لعدة أسابيع، بسبب طلبات الأعضاء فصل مصلحة الشهر العقاري عن وزارة العدل، ماليًا وإداريًا، ما تسبب في أزمة حقيقية جرّاء تهديد الأعضاء بوقف توثيق التوكيلات الرئاسية، إلا أنهم تراجعوا عن هذه الفكرة لعدم الإضرار بالبلاد، بعد أن قطع المستشار عمر مروان، مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقاري، وعدًا على نفسه للأعضاء، بمناقشة الأمر مع المسئولين آنذاك.

وفي شهر أبريل من نفس العام، وبالتزامن مع توثيق توكيلات المرشحين للرئاسة، نظّم الأعضاء الفنيون والقانونيون وموظفو الشهر العقاري إضرابا عن العمل، احتجاجًا على ما وصفوه بـ خذلان الوزراة لهم في الردّ على سوء تصرفات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية معهم، وارتباكها في القرارات الخاصة بالتعامل مع الشهر العقاري، في عملية تسجيل توكيلات الرئاسة، وأكّد الأعضاء في ذلك الوقت أن الوزارة تجاهلت مطالبهم التي تتمثل في ميكنة العمل في تسجيل التوكيلات الرئاسية، تيسيرًا على موظّفي العقاري، كما رفضت منح الأعضاء القانونيين الامتيازات والضمانات التي تكفل لهم العمل بحيادية ونزاهة، دون تدخلات أو ضغوط من أي جهة، ورفضهم تحمُّل أعباء في العمل لا تندرج تحت مهامهم الوظيفية.

وبعد مفاوضات لم تستمر سوى ساعات، تراجع الأعضاء عن قرار الإضراب الذي كان قد دخل حيّز التنفيذ في عدد من محافظات الجمهورية، بعد أن تسبب في تعطيل العمل في توثيق التوكيلات، واستشعر الأعضاء وقوع ضرر مباشر على العملية الانتخابية وعلى المرشحين للاستحقاق الرئاسي آنذاك، إلا أنهم أكدوا رفضهم تجاهل الوزارة والعليا للانتخابات لمطالبهم، وعاودوا العمل مضطرين.

في الخامس عشر من يوليو 2012 تفجرت قضية الشهر العقاري مرة أخرى، بعدما ذهبت وعود المستشار عمر مروان عن فصل المصلحة، أدراج الرياح، وازداد سوء معاملة مسئولي وزارة العدل للأعضاء والموظفين، بالإضافة إلى التزام الوزارة نفس نهجها القديم الذي كانت تستخدمه في عهد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ما دفع الأعضاء للدخول في اعتصام مفتوح بدءًا من 15 يوليو، وإضراب تام عن العمل على مدى أسبوعين متواصلين بجميع مكاتب المصلحة على مستوى الجمهورية، بسبب تعنت الوزارة في التعامل معهم، وكذلك رفض قيادات الوزارة فصل المصلحة، والتعامل معها كهيئة قضائية مستقلة، فضلاً عن سوء معاملة مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقاري، وتعنّته معهم، ونظّموا عددًا من الوقفات الاحتجاجية على مدى أسابيع، للمطالبة بفصل المصلحة عن وزارة العدل، والتعامل معها كهيئة قضائية مستقلة، إلا أن مطلبهم لم يتم تحقيقه بعد، وما زالت قيادات وزارة العدل تؤكد أنه قيد الدراسة حتى يومنا هذا.

معاناة

ما بين الرئاسيتين ، عانى الشهر العقاري من عدد من الأزمات، أبرزها تلك التي حدثت مع الجمعية التأسيسية لوضع دستور 2012، ولجنة وضع دستور 2014 الحالي، ففي نوفمبر 2013، طالب الأعضاء بالنصّ على استقلالهم في الدستور، وصوتت لجنة نظام الحكم بالإجماع على أن يكون النص الخبراء القضائيون وخبراء الطب الشرعي والأعضاء القانونيون بالشهر العقاري مستقلّون في أداء المهام الموكلة إليهم من جهات التحقيق وجهات القضاء ، ما لاقى توافقًا بين جموع الخبراء وأعضاء لجنة الخمسين، إلا أن مسودة الدستور أغفلت ذكر الأعضاء القانونيين بالشهر العقاري، ما تسبب في حدوث أزمة في العقاري ، مارس الأعضاء إثرها ضغوطا مكثّفة على اللجنة، لتعيد ذكرهم في النص، ونجح الأعضاء في انتزاع حقهم في الدستور.

نفس الأمر حدث مع اللجنة التأسيسية الإخوانية في نوفمبر 2012، واندلعت أزمة بـ العقاري ، ونظّم الأعضاء القانونيون وقفات احتجاجية متتالية أمام مقر اجتماع التأسيسية بمجلس الشورى، احتجاجا على تجاهلهم، وخروج المسوّدة الأوّلية دون النص على استقلاليتهم، ورفعوا عددًا من المطالب للتأسيسية، على رأسها التعامل معهم كهيئة قضائية مستقلة، والاستقلال التام عن وزارة العدل فنيا وماديا وإداريا، وعقدوا جلسات مناقشة مع لجنة نظام الحكم ولجنة التشريعات ولجنة المقترحات والشكاوى، وهدّدوا بإضراب عام إذا لم تستجب التأسيسية لمطالبهم، فانصاعت اللجنة بالفعل، ووضعت نصًا يقر باستقلاليتهم في دستور 2012.

أزمة بسبب السيسي

ولأن البعض يعتبر الشهر العقاري بوابة حكم البلاد، تفجرت أزمة أخرى في مارس 2013، عندما أبدى عشرات المواطنين في عدد من محافظات الجمهورية رغبتهم في تحرير توكيلات للمشير عبد الفتاح السيسي لإدارة شئون البلاد، حيث قام النائب العام آنذاك المستشار طلعت عبد الله باتخاذ قرار بإغلاق مكتب توثيق بورسعيد، أول محافظة اندلعت فيها فكرة تحرير التوكيلات، لمنع تحرير توكيلات سحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسي.

واستغل عبد الله في ذلك حق إصدار قرار إغلاق مكاتب الشهر العقاري حال حدوث شغب أو تجمهر، لحماية الممتلكات التي يتعلق عمل الشهر العقاري بها، وهو الحق الذي يمنحه القانون لرئيس المصلحة ورؤساء مكاتب التوثيق.

وكان لموظفي الشهر العقاري في هذا التوقيت وقفة مشهودة، حيث أعلنت جميع مكاتب الشهر العقاري على مستوى الجمهورية، تضامنها الكامل مع مكاتب توثيق بورسعيد، وهدد الأعضاء القانونيون بالشهر العقاري بالتصعيد، إذا استمر الأمر على هذه الوتيرة، وتتضمن التهديد تلويحًا بالاعتصام أمام مكتب النائب العام، والإضراب الكلي عن العمل في جميع مكاتب التوثيق على مستوى الجمهورية، إذا لزم الأمر، ما جعل المستشار طلعت عبد الله يتراجع عن قراره، ويأمر بفتح المكتب أمام المواطنين.

وبعد مرور شهرين على واقعة إغلاق مكتب بورسعيد، سادت حالة من الغليان بين الأعضاء القانونيين بالشهر العقاري في يونيو 2013، بسبب إدارة التفتيش الفني على أعمال الأعضاء القانونيين، التي وصفها الأعضاء بالإدارة القمعية، حيث تحركت بأوامر من النائب العام الأسبق للعمل ضد الأعضاء، ووصل الأمر في بعض الأحوال إلى الإصرار على التحقيق في شكاوى كيديّة لا تتخطّى كونها محاولة للتضييق على بعض الأعضاء الذين توافقوا فيما بينهم أنّه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فسيتم تقديم استقالات جماعية لوزير العدل، أو الدخول في اعتصام مفتوح وإضراب عن العمل، لحين تغيير الإدارة سياساتها وأسلوبها في التعامل مع الأعضاء القانونيين، ونجحوا في إثناء الإدارة عن التحقيق في تلك الشكاوى بعد أن شرعت في توقيع بعض العقوبات على الأعضاء.

أزمات الشهر العقاري لم تنته بعد، لاسيّما وأن جميعها يهدأ بالمسكّنات والوعود، ولا يصل الأعضاء لحل جذري مع الوزارة أو الحكومة، وربما تندلع أزمة جديدة للأعضاء بعد انتهاء الشهور الثلاثة التي طلبها المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، لحل أزمتهم الأخيرة المتعلقة بمطالبتهم بالمساواة ماديًا مع أعضاء إدارة الخبراء وفنيي الطب الشرعي، والتي من المنتظر ألا تأخذ أي منحنى مغاير للأزمات التي أخمدتها المسكّنات الحكومية، لتظل خامدة تحت بركان غضب العقاري المنتظر انفجاره في أي وقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: