الشارع السياسىتحقيقات صحفيه

تحقيق محمد عبدالله ||| عبادة الأساطير عند الإخوان

تحقيق | محمد عبدالله

Demotix 31st March 2012لم يغضب الإخوان وقواعدهم من وصف ساخر طاردهم، مثلما كان حالهم مع عبارة “المخطوفين ذهنيًا” التي التصقت بهم وبشدة، سواء في الفضاء الإلكتروني، أو حتى على المستوى الشعبي، بعد عزل محمد مرسي وأهله وعشيرته، من سدة الحكم في مصر.

الجماعة تدعى أن جسد البنا لم

يتحلل منذ وفاته

الإخوان يروجون أن صباحي خاض

الرئاسة مجبرًا بسبب “2 سي دي”

مشين

«الإرهابية» تزعم أن كل من يتولى

القيادة في مصر من شاربي الخمر

وتاركي الصلاة

 

وصم أعضاء التنظيم بأنهم مجرد أنفار في قطيع، ورغم ما يحمله ذلك من إهانة مباشرة لهم، إلا أن الأمر أحيانًا لا يمثل أي عبء عليهم، بل وربما يقابل بالضحك والتنكيت من جانبهم، أو حتى بالرد بنعت من يردد ذلك الكلام به، واعتباره لا يفهم شيئًا، غير أن تلميحًا أو تصريحًا واحدًا، ولو كان في شكل دعابة، من قبل شخص ما، تجاه كوادر الجماعة بشأن حالة الخطف الذهني الغارقين فيها، كفيل بإشعال غضب أي إخواني، وتحويله في لحظات لمنصة ثورة وعنف وتدمير تسير على قدمين، الإخوان يشعرون بجرح غائر لكرامتهم كلما ذكرهم أحد بأنهم ليسوا فقط مسلوبي الإرادة، من الناحية التنظيمية، وإنما أيضاً لا يعرفون عن العقل شيئًا، فهل هناك راشد يمكنه أن يردد صاغرًا وبإيمان قاطع، وبلا نقاش أو جدال، ما يبثه قيادات الجماعة ومفتيوها من أكاذيب وافتراءات وخزعبلات لا يصدقها منطق، ولا تستقيم حتى مع ظواهر وقوانين الطبيعة؟.

الآفة الكبرى، لا للإخوان وحدهم، وإنما أيضًا للإسلاميين بوجه عام، هي عبادة الأساطير والروايات غير الحقيقية والتي لا تستخدم، سواء جهلا أو عمدا، إلا لتأصيل فكرة أفضلية التيارات والتنظيمات الدينية، وحدها دون غيرها، حتى ولو كانت تكفر الناس، وترافع السلاح في وجه الجميع.

 

التنظيم يكذب الكذبة، ثم يصدقها، وبعدها ينفخ فيها، ويضخمها، ثم ينشرها بين قواعده المؤهلة تحت وطأة السمع والطاعة العمياء، لتصديق الخرافات، ومن ثم تترسخ جيلا بعد الآخر لتتحول إلى واقع رغم كل آيات زيفها.. يفعلون ذلك في الإخوان دومًا بيقين مريب، وأحيانًا لإراحة ضمائرهم، ومن ثم تنصلا الفشل، ومن مسؤولية الخطايا التي ترتكب، باسم الدين تارة، وباسم الفرقة الناجية من المجتمع الكافر الجاهلي تارة أخرى.

الخرافة والأسطورة، يظلان السلاح الأكثر تأثيرًا، والأعلى تحقيقيًا للنجاح والمكاسب في تاريخ جماعة حسن البنا، مناهج التربية فى الجماعة تجذر ما لا يمكن تصديقه عقلا ولا قبوله حتى عرفًا فى الذهنية الإخوانية، بل أنها ترفع قيادات الجماعة إلى مصاف الصحابة، وتصبغ التنظيم، بلي فج وتحريف مجرم لآيات الله وسنة رسوله، بمظاهر الإيمان المطلق، بينما يوصم أعداؤه زورًا بالكفر والعمالة والخيانة.

لم يبالغ إذًا، المرشد محمد بديع، وفق المنطق الإخواني، عندما ربط اسم سلفه مهدي عاكف، من فوق منصة رابعة العدوية، بعبارة رضي الله عنه .. بديع منح صك القداسة لعاكف بالمجان.

ويلجأ الإخوان إلى فقه الأساطير دومًا في مواسم الانتخابات وحشد الأصوات، والأهم في أوقات المحن والأزمات واستدعاء مشاعر المظلومية والاضطهاد، كما هو حال التنظيم الآن، فليس هناك أفضل من استدعاء الخوارق والغيبيات للتعتيم على انهيار الجماعة، وفساد القيادة، وتشتت القواعد، وقبل هذا وذاك التغطية على كم من الجرائم التي ارتكبت في حق المصريين بغية حكمهم رغمًا عنهم.

أساطير الإخوان وافتراءاتهم، طالت بطبيعة الحال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الارتباك غير المبرر من جانب الحكومة واللجنة العليا التي أدارات عمليات التصويت والفرز وإعلان النتائج، فضلا عن الأداءات غير المهنية والمستفزة من جانب عدد غير قليل من الإعلاميين، قبل وأثناء وبعد الاقتراع، منح الجماعة وأعضاءها، أرضية مثالية لبث الشائعات وتعظيمها وتحويلها لحقائق.

أوساط التنظيم ومن مال إلى فكره من المنتمين، ولو على الأقل نفسيًا فقط، للتيارات الإسلامية، مقتنعة بأن حمدين صباحي لم يكن ليخوض المنافسة ضد الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي، إلا لأنه مهدد.

يزعمون أن هناك 2 سي دي، يشتملان على فضائح مشينة تخص زعيم التيار الشعبي، أجبرته على خوض المنافسة على كرسي الحكم، لتجميل صيغة وصول السيسي إلى القصر الرئاسي. يدعون بلا أي دليل أو حتى مجرد إشارة تثبت كلامهم، أن مدير حملة صباحي استقال بسبب الـ2 سي دي.. وأن الأول أجبر على الاستمرار في الانتخابات بعد مد اليوم الثالث في تصويت الداخل 28 مايو، خشية افتضاح أمره.

لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف يتم بث تلك الشائعات ونشرها على نطاق واسع وبإيمان مطلق بها؟.. تصديق تلك الأمور، دون أي إعمال للعقل للتحقق من صحتها، يحتاج لطبيب نفسي ليفسره بلا أدنى شك.

حالة الإنكار المزمن لأن يكون صباحي شخصًا شريفًا، ارتضى منافسة السيسي، في لحظة صعبة، وفي مهمة شبه مستحيلة، بسبب شعبية الأخير الطاغية من ناحية، ومن ناحية أخرى لانحياز غير مستتر إليه من جانب مؤسسات وجهات رسمية وخاصة، دفعت الإخوان لوصم الرجل بعدم النزاهة، والتشكيك في ذمته وتاريخه وشرفه، لمجرد أنه ساهم عبر خوضه الانتخابات الرئاسية في طي صفحة حكم الجماعة نهائياً.

منطق أن كل من لم يقف مع الإخوان كاذب مخادع، وربما كافر وقاتل، ومن أعداء الله، لا يعرف من الدين وشريعته شيئًا، نثرته الجماعة ونوافذها الإعلامية والإلكترونية، على الجميع، وبصورة أكثر منهجية، بعد عزل مرسي، قالت إن ضباط الجيش والشرطة يقتلون جودهم، ويلصقون التهمة بجماعات إرهابية لا وجود لها، من أجل ضرب الإسلاميين ووصمهم بالإرهاب.

في حادثة قتل ثلاثة جنود أمام المدينة الجامعية لطلاب الأزهر، والتي وقعت بعد أن استدرجت مظاهرة مريبة لطلبة الجماعة في منتصف الليل قوات الأمن، بعيدًا عن أماكن تمركزها، ثم عبرت سيارة طائشة أطلقت النار بعشوائية وكثافة على الجنود من الخلف، روج الإخوان من دون دليل، أن شهود عيان رأوا ضابطًا يطلق الرصاص على الجنود المقتولين من أجل إلصاق الجريمة بطلبة التنظيم.

هذه الرواية يكررها الإخوان كلما سقط جندي أو ضابط للجيش أو الشرطة في أي مكان.. الشماتة في دمائهم، تمتزج على الفور بالتشكيك الفطري، في ظروف استهدافهم. ذلك التشكيك الذي لا يكون من باب الحرب النفسية من جانب الجماعة تجاه الأمن والدولة دومًا.. إدمان الأساطير والتخاريف يتحكم في العقليات في الأغلب الأعم.

الأسطورة الأكثر رواجًا من جانب الإخوان تجاه رموز الدولة، بعد 30 يونيو، وهي أيضًا الأعلى إثارة للضحك، أن كل من يتولون القيادة أو سعوا لتوليها في الدولة، من شاربي الخمر وتاركي الصلاة. قالوا ذلك مثلاً، بدون دليل واحد يثبت صحة الكلام، أو يتحرى صدقه، حتى لا يتم الطعن في الناس بالباطل والزور، على وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، وعلى حمدين صباحي.

بل إنهم ادعوا أن الرئيس المؤقت، وكما كتب أحمد منصور في تغريدة شهيرة على تويتر، يهودي الجنسية، وفي مواقع إلكترونية إخوانية أخرى، زُعم أن الرجل إنجليزي أو أمريكي من ناحية الأم، وهو الادعاء الذي تكرر أيضًا في حق الرئيس المنتخب الجديد للبلاد، المشير عبد الفتاح السيسي، بترويج أن جذوره يهودية مغربية من جهة والدته.. لكن أين الدليل؟.. لن يجيب أحد.. لماذا يصدقون هذا السخف؟.. عبادة الأساطير و الخطف الذهني هما كلمة السر.

على هذا النحو، أصبح الغضب الجماهيري العارم الذي أطاح بمرسي انقلابًا، وفشل المعزول وجماعته في الحكم من ألاعيب الدولة الأمنية العميقة، وبات الشعب لاحسًا للبيادة، والجيش قوات احتلال، ودول الخليج الدعمة للقاهرة ممالك سوء.. وفق الأساطير الإخوانية، فإن رجال التنظيم، وحدهم، شهداء وأهل جهاد، ونساءه حرائر، أما باق المصريين والمصريات، فراقصين وراقصات وأعوان طغاة وظالمين.

ولا ينسى تراث التزييف والعنصرية الإخواني، وقبله حالة الخطف الذهني التي أشرنا لها مسبقًا، شرعنة رفع السلاح في وجه الناس، على اعتبار أن قتلى التنظيم في الجنة، وقتلى من وقفوا على الدفة المقابلة له، في أسفل سافلين.

من المساخر الإخوانية في هذا الشأن، أن التنظيم الذي طالما عاش على مظلومية الاضطهاد طيلة عصر مبارك، بينما كان قادته يجلسون في الغرف المغلقة مع أمن دولة الرئيس الأسبق للتنسيق على ضرب المعارضة، مقابل منح حركة أوسع للجماعة، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، هو ذاته الذي حاول شغل الناس عن فشله السياسي والاقتصادي في الحكم، بالتفزيع من عودة أصابع دولة ما قبل 25 يناير، والزعم بأنه يحاربهم. وهو أيضًا الذي حاول وصم المعارضة التي انفجرت في وجهه، من جانب شرائح مجتمعية عدة، بالانتماء للحزب الوطنى.

 

ثم يأتي الآن للإيحاء بأن هؤلاء يعودن للمشهد مجددًا، صحيح بعضهم يحاول الظهور مرة أخرى، صحيح كذلك أن السلطة المؤقتة لم تتعامل بحسم مع تلك المحاولات، بل أن احتمالية أن يلعب بعض تلاميذ صفوت الشريف وأحمد عز دوراً ما فيما بعد انتخاب السيسي رئيساً، قد تكون واردة، إلا أن ما لا يمكن تصديقه أن رجال الإرشاد ثوريين، هدفهم تطهير الدولة من وجوه قبيحة أفسدته، تلك نكتة مثيرة لهيسترية ضحك.

الجماعة التي تدعي الثورية، وتقول أنها قائدة 25 يناير، لا تؤمن بالثورة من الأساس، بحسب تعاليم كبيرهم المؤسس، حسن البنا، والتي يحفظونها في التنظيم عن ظهر قلب، وفي الوقت الذي كانوا فيه يعلنون الحرب على رجال الحزب الوطني في الإعلام، وفي خطب مرسي الرتيبة، وما أكثرها، كانوا يجلسون مع العديد من رجال الأعمال المحسوبين على عهد مبارك ونجله جمال، في باريس ولندن واسطنبول ودبي، في محاولة لإقناعهم بالعودة لمصر (خلال عام حكم المعزول)، وضخ استثماراتهم فيها. حسن مالك كان عراب مد جسور الود معهم. بل أن بعضهم رافق مرسي في رحلته الشهيرة إلى الصين.

على أية حال، فالأساطير والمعجزات والخوارق الإخوانية التي كانت تتردد فوق منصة رابعة، على غرار نزول جبريل لمباركة الميدان، وتقديم الرسول للمعزول عليه ليؤمه والناس في الصلاة، وغيرها، لا تبدو نشازاً إذا ما تم التدقيق في التاريخ الإخواني، الخطف الذهني موصول بين الأجيال، من عهد البنا إلى عهد محمد بديع وخيرت الشاطر ومحمد البلتاجي.

تقول الأسطورة في الإخوان أن جسد البنا لا يزال سليمًا فى قبره، لم يتحلل، ويبقى على حالته التي دفن بها، تمامًا كأجساد الأنبياء المرسلين.

كرامات البنا، في العرف الإخواني، كلها معجزات، المرشد المؤسس خر أمامه ثعبان وتراجع عن لدغه، وهو طفل صغير ببلدته في المحمودية، لأن الله كان يحتفظ به لهداية الأمة.

كما عاش التنظيم ولا يزال على خرافة، أن الله ابتلى مصر بنكسة 67، استجابة لدعوة زعيم التكفيريين سيد قطب قبيل إعدام اللهم إجعل دمى لعنة على نظام عبدالناصر ، ناهيك عن الشخصية الخارقة، زينب الغزالي، والتي يقول كتابها الشهير أيام من حياتي ، إن كلاب معتقلات الستينيات هاجمتها وحاولت نهش لحمها، إلا أنها لم تمس بأي سوء، ولم تقطع ثيابها أو يخدش جسدها أو يجرح.

ما يثير الاشمئزاز من أساطير الإخوان، أنهم في كثير من الأحيان يتاجرون بالدماء، في الصدامات التي جمعتهم بالأمن مثلا، بعد 30 يونيو، ورغم سقوط كثيرين من جانبهم بين قتلى وجرحى، إلا أن التنظيم كان يلجأ للعبة قذرة تقوم على فبركة صور وفيديوهات، أو السطو عليها من مشاهد الحرب في سوريا أو في اي مكان آخر، بل كان أحياناً يصنعها تمثيلياً، لأجل أن يضاعف من محنته ومظلوميته زورًا.

لكن قادة وشيوخ في جماعة يبنون أسطورتهم وأمجادهم الشخصية على خرافات وأكاذيب وأنصاف حقائق، لن يلجأوا إلا لذلك النوع من الأساليب الملتوية للسيطرة على القواعد. فالشاطر نفسه يعرف خارج التنظيم بأنه الرجل الحديدى والمحفظة النقدية الأضخم فيه، فيما يشار إليه داخل الجماعة باعتباره رجل بركة علم بوفاة والدته ومرض زوجته وهو في السجن، ورأى في المنام إلقاء القبض على إبنه فجراً، بينما كان يطرح على الرأي العام باعتباره يوسف هذا العصر.. الذي خرج من السجن ليحكم مصر ، في حين حذر المرشد معارضي الشاطر بأنه مستجاب الدعوة ، وبفضل دعوته سقط نظام مبارك.

والآن يوصف مرسي بأنه لقمان هذا العصر، وأنه عائد لحكم البلاد إن عاجلا أو آجلا.. ولما لا و الخطف الذهني والسجود للأساطير في الإخوان، أصبحا أسلوب حياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: