تحقيقات صحفيه

تحقيق محمد عبدالله || المساء نيوز ننفرد بنشر اول مذكرات من قلب داعش

156308حصلت المساء نيوز  على مذكرات أحمد ساهر، إسلامى مصرى مؤسس المنسقية الإسلامية للعمل السياسى، واستشارى تسويق وإدارة أعمال، ويعمل فى مجالات التنمية البشرية، ومقاتل فى صفوف الثورة السورية، التى يتناول فيها تنظيم الدولة الإسلامية من الداخل لأول مرة.

“الدولة التى رأيت”.. مذكرات

جهادى مصرى داخل التنظيم ويحارب

فى سوريا

كشف بأبرز قادة الثوار الذين

اغتالهم داعش وآخر بالعمليات

الانتحارية وجنسية منفذيها

“ساهر” موجود حاليًا فى سوريا، يشارك فى القتال ضمن صفوف الثورة السورية، كتب مذكرات بعنوان “الدولة التى رأيت”، تضمن شهادته على الخلافة المنتظرة، وتعد من أولى الشهادات الحية عن شخص اقترب من “داعش “، أو ما يطلق عليه الدولة الإسلامية فى العراق وبلاد الشام، كما أن المذكرات كُتبت على حلقات، انتهى صاحبها من كتابة المقدمة والجزء الأول.

ينفرد “مبتدا” بنشر مقدمة والجزء الأول من مذكرات أحمد ساهر، وهذه هى مقدمة مذكرات ساهر كما كتبها:

1) بعد إلحاح عشرات الإخوة وبعد استخارة واستشارة وشعورًا بالمسئولية تجاه شلالات الدماء التي لازالت تجري بأرض المسلمين عموماً وأرض الشام والعراق خصوصاً قررت كتابة مذكرات جديدة أسجل فيها شهادتي على هذه الحقبة الخطرة من تاريخ الجهاد الإسلامي مسلطاً الضوء على تجربة الدولة التي رأيتها بنفسي وسمعت شهودها من الطرفين.

2) أطمع أن تضيف هذه المذكرات لرصيد الجهاد الإسلامي شيئاً يجنبه الوقوع في أخطاء التجربة السورية خصوصاً والتجربة الجهادية عموماً .. سأسجل الحدث وأسجل ردود الأفعال على ذات الحدث حتى أساعد المفتين والشرعيين بالتجارب الجهادية القادمة أن يتصوروا ما يترتب على فتواهم فالقاعدة الشرعية تقول العبرة بالمآلات .

3) والأحداث التي سنذكرها لا يقصد من سردها مجرد الحكاية بل نهدف لتحليل تجربة الدولة، وأكثر من ذلك أني سأهدي متابعي هذه السلسلة هدية نادرة، حيث سأعرض موقف الدولة في بعض الأحداث وأقارنه بمواقف فصائل أخرى (كأنك تقرأ كتابًا في الفقه المقارن) وذلك كي نتعرف على النتيجة التي جناها كل مسار من هذه المسارات، وهدفي من كل ذلك كما أسلفت إثراء التجربة الجهادية وتنعيم السبيل للسالكين من بعدنا.

4) ليست المشكلة في عشرات الأوهام والمعلومات المبتورة والإشاعات التي يرددها آلاف الإخوة حول هذه التجربة (المعارضون والمؤيدون)، المشكلة في سطحية تناول الأحداث وعدم الغوص في الدوافع والعقائد التي بناء عليها فعل الفاعل فعله. هذه المذكرات كتبت بعد فترة طويلة جدًا من رفضي الإدلاء بأي كلمة حول الدولة، رغم إلحاح كثير من الإخوة فالإجابة على السؤال الشهير (ما رأيك بالدولة؟) لا يمكن تلخيصه في كلمات أو حتى مقال فالأمر أعقد من ذلك بكثير. الأمر لا يتلخض في (هل) قتلت الدولة فلاناً أم لا؟ هذا السؤال مهم ولكن الأهم : لماذا قتلته؟ هل لأنها تراه مرتدًا؟ أم لأنه مفسد؟ أم أن الدولة لم تقتله أصلًا وإنما قتله أحد أفراد الدولة؟ وهل هذا القاتل قتل المقتول بناء على أفكاره الشخصية أم بناء على عقائد رسختها الدولة في ضميره ؟ فرق كبير بين كل إجابة من هذه الإجابات .. وأنا أزعم أن هذه الجزئيات غير واضحة لأغلب من يحللون ويكتبون من الطرفين.

5) هذه المذكرات كتبت بعدل وإنصاف وحيادية تامة. وأعاهد القارئ ألا تؤثر قناعتى على سردي الأمين للأحداث وسرد شهادات الشهود، سأبذل وسعي في كتابة كل ما للدولة وما عليها ولكني سأكتب رأيي في بعض المنعطفات، وسأوضح في كل مرة أن هذا رأيي وتحليلي الخاص حتى يفرق القارئ بين رأيي وبين أحداث التاريخ.

6) وقد بذلت وسعي في التواصل مع شهود عيان وقادة لا أحصي عددهم (من الدولة ومن خصومها) كي أوثق شهادتهم وحرصت أن أتثبت قدر استطاعتي حتى كنت أبحث للقصة الواحدة عن أكثر من طريق وأحسبني أجريت شيئاً من قواعد الجرح والتعديل في مذكراتي هذه. ولأن طعن المحدثون في بعض أحاديث البخاري فلا يخلو الأمر أن أكون قد كذبت ساهياً أو ناقلاً فنبهوني مأجورين.

7) هذه الشهادة على التاريخ مختلفة، فعادة يكتب الشهود شهادتهم بعد الأحداث ولكني أكتبها من قلب الحدث حتى أشرك القارئ (المنصف)، الذي سيثريها فلا شك أن بعضكم رأى ما لم أره وشهد ما لم أشهده فلينبهني (بلطف) حتى أدون شهادته بعد أن أستوثق منها، وهذا هو الجديد في هذه المذكرات فهذه المذكرات ستصبح بالتدريج مذكرات تشاركية نكتبها سويًا، لذلك أقول تهمني مشاركتكم حتى أوثقها بعد أن أستوثق منها وأسأل عنها باقي الشهود قبل رحيل هذا الجيل وموت الحقيقة بموته. هذه التشاركية تجعلني مستبشرًا بأن هذه المذكرات ستكون الأوثق على الإطلاق في تاريخ التوثيق، فقد كتبتها أكثر من عين وأشرف عليها رجل محايد مثلي لم ولن ينتسب لأي فصيل.

8) بعد أن رأيت كتابات أكثر مؤيدي الدولة وتكاثرهم في الفترة الأخيرة وتأييدهم الأعمى وبعد أن قرأت هجوم المهاجمين أيقنت أن:
أ – لقطات مصيرية كثيرة في الأحداث تم حذفها فأردت أن أعرض تلك اللقطات التي فاتت المتابعين عن بعد.
ب – وأيقنت أننا محاصرون بمحللين إسلاميين وعلماء بل وبمجاهدين لا يحق لهم الحديث في هذه المسألة، وهم نوعان،
الأول: نوع تركيبته النفسية مدنية غير عسكرية، ليس لديه جرأة المواجهة ولم تخالط معاني الإثخان في العدو تكوينه الدماغي فتجده دائم الميل للحلول الآمنة، ويفضل الوقوف في المنطقة الدافئة، ولسنا بحاجة أن نبين أن هذا الصنف سيقف موقفًا متحفزًا من أغلب مواقف الدولة، وكلما سالت دماء سيسارع قائلاً: أرأيتم؟ ألم نحذركم؟ وهذا المسكين يصعب أن تفهمه أن الدماء والمواجهة وأحيانًا المخاطرة هي جزء من الطريق.

الثاني: عكس الأول تمامًا فقد خالط التمكين والإثخان فكره حتى دهس الضوابط الشرعية، وزين له شرعيون جهلاء تكفير أكثر مخالفيه فصار قتلهم مبررًا بكلمة (مرتد) التي تهتز لها السماوات والأرض، وللأسف فإن شباب الدولة بل وشرعييها غارقون في هذا الداء – كما سنبين – وقد أوقعهم هذا الغلو والتسرع في التكفير في استحلال دماء معصومة وسرقة أموال بعض الكتائب الإسلامية مؤمنين بأنها غنائم تغتنم من مرتدين.

9) التعاطف مع تمدد الدولة، التعاطف مع قصف التحالف الغربي للدولة، التعاطف مع فكرة الخلافة التي تبنتها الدولة، الانبهار بفيلم لهيب الحرب، الانبهار بالأقوى، كلها أشياء أثرت على موقف قطاع كبير من التيار الإسلامي، ولكن الشرع لا يعترف بكل هذا عندما يضع تنظيميًا في الميزان، ويجري عليه القواعد الشرعية.

10) وفي المقابل، فإن أكاذيب وإشاعات كثيرة ألصقت بتجربة الدولة، سنأتي بإنصاف على شئ منها إن شاء الله (ولا يجرمنكم).

11) سيلمس القارئ في هذه المذكرات رقيًا وأدبًا في العبارة وهدوءًا في الطرح وبعدًا عن الاستفزاز، فمثلًا لن تجدني أصف الدولة ب (داعش) ولا (الخوارج)، ولكن في مقابل ذلك أحذر القارئ من أن يؤثر هدوئي في الطرح على تصوره لعظم الجرائم التي سنمر عليها.

12) مجرد كتابة هذه المذكرات هو خطر كبير على حياتي، بدون مبالغة وقد اغتيل في هذه البلاد من هو أفضل مني أعزلًا ولكن (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، سأكتب ما أدين به لله تحت هذا القصف وأنا أقرب للمغرم مني للمغنم، وأعلم قبل أن أسطر سوادًا في بياض أن (الشيخ أحمد) عند البعض سيتحول إلى (….) ضع كل ألوان السباب ولكن لا بأس، فقد نال هذا الشرف من هم خير مني (ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا فلما أسلم قالوا: شرنا وابن شرنا)، وقد اعتدنا أن نتجاوز المتشنجين وبعض الإخوة الذين يريدون أن يسمعوا أغنية واحدة في رؤوسهم فإن غنيتها كنت المليح الفصيح، وإن غنيت أفضل منها فأنت الغبيّ القبيح، ولكن لا تهاون في التعليقات فسأحذف كل طعن شخصي وكل بذاءة حتى لا أعين الشيطان على نفسي، فأبغي لا سمح الله، فالقلم يتأثر بمزاج صاحبه نسأل الله أن يعيننا على حظوظ أنفسنا.

13) اقتناعي بكتابة شهادتي زاد تدريجيًا، ولكن بلغ ذروته في لحظة فارقة في تاريخ الجهاد السوري (التدخل العسكري للتحالف الغربي)، فقد أدركت منذ اللحظة الأولى أن أبرياء سيهلكون وأن دفة التعاطف ستتحول (وقد كان)، وأن مرحلة تاريخية جديدة دخلت على الخط فجأة دون أن نوثق سابقتها بعناية، والأخطر: أن من يحلل مواقف (اليوم) يحللها بمعزل عن (الأمس) وما فيه من جذور فكرية أثمرت وأينعت اليوم وما زال ينتظرها (غد).

14) أما أكثر ما دفعني لكتابة هذه المذكرات، فهو أنني أرى في الأفق فرصة عظيمة – سأذكرها قبيل النهاية – ولو اغتنمها الطرفان، فإني أطمع أن تصلي كتائب المسلمين في بيت المقدس خلال وقت قليل وبعدها ستنهار أسوار السحر التي حجبت نور الحقيقة عن عيون المسلمين عقودًا طويلة (بإذن الله).

تقرأ في هذه السلسلة:

1. هل هذا هو الوقت المناسب لعرض هذه الشهادة والدولة تحت القصف؟
2. لماذا اختارت باقي الكتائب طريقاً آخر غير طريق الدولة؟
3. لماذا لم تطبق الفصائل الإسلامية الشريعة حتى الآن ولم يعلنوا الخلافة؟
4. ماذا حدث عندما استعجلت الدولة ؟ أحداث “مسكنة” نموذجاً.
5. التركيبة الدماغية والنفسية لأخ الدولة : (باقية وتتمدد).
6. لا تتعب نفسك بالبحث عمن بدأ بالقتل وركز فيما وراء الجريمة من عقيدة ودوافع؟
7. صلب الخلل: الفهم المغلوط عند الدولة لعقيدة الولاء والبراء (بيان الدولة حول الجبهة الإسلامية نموذجًا).
8. نحن لا نكفر المسلمين (معركة رجل القش).
9. أكاذيب حول الدولة.
10. مغالطات شرعية حول الدولة (الدولة محقة في هذه المسائل).
11. السؤال الذي لا فائدة منه : هل الدولة خوارج؟
12. هل الدولة مخترقة؟ تحليل للجملة المسكنة الشهيرة: كلنا مخترقون (الجاسوس المغربي نموذجاً).
13. هل تمدد الدولة تمدد فقاعي ؟ (معارك خسرتها الدولة).
14. كيف يصنعون الأوهام كي يسحبون باقي الفصائل للحرب ضد التحالف الصهيو أمريكي (الآن):

• وهم 1: التحالف الغربي أتى للقضاء على التيار الإسلامي (الآن)؟
• وهم 2: لن يتركوكم إلى أن تقضوا على بشار .. وتحليل أكذوبة (ليس لديكم رفاهية اختيار وقت المعركة).
• وهم 3: بشار والنظام العالمي وجهان لعملة واحدة والهلال الشيعي حليف للنظام العالمي (هكذا بهذا الإطلاق).
• وهم 4: الحرب لا تنتهي من الجو (هكذا بهذا الإطلاق).
• وهم 5: أرغمنا أنوف الأمريكان بالعراق وأفغانستان (هكذا بهذا الإطلاق)؟
• وهم 6: الإرهاب الفكري في ادعاء أن الفصائل التي رفضت محاربة التحالف مخذلة منبطحة؟
• وهم 7: الموقف الحقيقي للحاضنة الشعبية من ضرب التحالف للدولة؟
• وهم 8: سياستكم هي نفس سياسة حزب النور بمصر .. ما الفرق؟

15. البدائل والمسارات الأخرى التي لم تسلكها الدولة (تخيل معي لو فعلت الدولة …)
16. هل تتمنى هزيمة الدولة أمام التحالف؟
17.شهادتي على 5 منعطفات فاصلة في تاريخ الدولة (تحليل لما وراء الحدث):
• اغتيال أبو خالد الشامي.
• مقتل أبو المقدام صائد الدبابات.
• أحداث الأتارب (تكرار نفس الغلطة).
• تأسيس الجبهة الإسلامية.
• ميثاق الشرف (التطور الفكري الذي حدث للشرعيين بأرض الشام) .

18.لماذا لا أقاتل الدولة وهل أرضى أن أعيش تحت حكمها؟
19. هل حقاً كانت أخطاء فردية؟
20. هل للدولة خلايا نائمة تنفذ اغتيالات؟
21. الخلافة بين الحقيقة الشرعية وأوهام الدولة.
22. تحسن أوضاع الجهاد ضد النظام بعد انشغال الدولة بضربات التحالف.
23. فوائد ظهور الدولة.
24. المخاطر الخفية لمشروع الدولة في المرحلة القادمة.
25. المتعاطفون مع الدولة على الإنترنت.
26. هل الخلاف مع الدولة خلاف سائغ؟
27. هل الخلاف مع الدولة سينتهي؟ وهل تجدي مبادرات التهدئة؟
28. فرص الدولة في البقاء والاستمرار في التمدد .. (رؤية مستقبلية).

وتناول الجزء الأول من مذكرات الشاب أحمد ساهر “الدولة التى رأيت”:

قبل البدء أنبه على أمر هام:

أ – ينبغي على القارئ أن يفهم جيداً أن الهدف الأكبر من هذه المذكرات ليس تقييم الدولة بل إثراء التاريخ الجهادي والوقوف على الدروس والعبر المستفادة من التجربة السورية عموماً وتجربة الدولة خصوصاً حتى تنتفع بها أجيال جديدة.
1 – منذ البداية ..
——————
التحقت بالثورة السورية مبكرًا – منذ سنتين – على يد أخي وحبيبي المجاهد الداعية الخلوق الشهيد – نحسبه – أبو معاذ همام رحمه الله وكان جلّ عمله مع حركة أحرار الشام، وبما أني ضيف على همام فقد وجدت نفسي محاطًا بالأحرار – جزاهم الله خيراً – وبعد 40 يومًا، قدمت فيها بعض خدماتي للأحرار، قررت الاستقلال التام وعدم الانتماء لأي فصيل، قررت أن أظل صديقًا وفيًا للجميع ولازال هذا حالي للآن.

وبالمناسبة ذكر أحرار الشام فهذه شهادتي عليهم:

دخلت مقراتهم وشاركت في أكثر من معركة معهم ضد النظام، ولثقتهم بي (رغم أني لا أنتمي لهم أكرر) رأيت مقراتهم من الداخل وما رأيته يسمح لي أن أقول أنهم : من خير الناس، أهل رباط وبأس، آخر من يبدأ بالشر وأكثر من مد يده بالسلام، لهم منزلة ومحبة بين الناس، عشرات المشروعات الخدمية والدعوية، يهتمون بالعلم الشرعي حتى كانوا يُحسدون على اكتظاظ مكتبهم الشرعي الذي خسر 4 من أبرز الشرعيين بالشام، في واقعة مقتل قادة الأحرار الشهيرة (لازلت أؤكد أن سبب مقتلهم غير معلوم وراجع http://goo.gl/ZsNuVd)، أما في الجبهات فهم من أكثر الفصائل خوضًا للمعارك وتقديمًا للشهداء، ومما أستحسن ذكره هنا أني رأيت غير واحد من شرعيي الأحرار يعلم شبابهم الكفر بالديموقراطية، ويحذر من الانخراط في المسالك السياسية الانبطاحية ويؤكد على أهمية الشريعة وعقيدة الولاء والبراء، ولا أعلم تزكية لهم أكبر من انضمام أبي خالد السوري لصفوفهم، أبو خالد (رحمه الله) ربيب الجهاد ورفيق ابن لادن وبقية جيل الصفوة، هؤلاء الأحرار عند الدولة (مرتدون) كما سنبين.

ملحوظة: رغم كل احترامي للأحرار إلا أني لا أتفق معهم اتفاق تطابق، وينبغي أن يوثق التاريخ أمرًا هامًا، هو: حدوث تغير فكري رهيب لأغلب شرعيي الأحرار وقادتها في الفترة الأخيرة، وتحديدًا قبل أشهر قليلة من حادثة استشهاد القادة رحمهم الله، ولا زلت أبحث هذا التطور الذي حدث لهم بعناية للحكم عليه إيجاباً أو سلبًا، ولكن بوجه عام أستطيع أن أقول بل أجزم أن ثورة فكرية كبيرة حدثت (لعدد كبير) من قادة الأحرار وشرعييها على أفكار التيار الجهادي، ورسالة أبو أيمن الحموي (نحو منهج رشيد) خير دليل على ذلك، ثورة تنقيح لمناهج المدارس السلفية والجهادية تبدأ من المدرسة السلفية النجدية، وتنتهي بتجربة الدولة مرورًا بفكر القاعدة.
2 – ما بعد أول 40 يوم ..
———————-
بعد هذه الفترة التي قضيتها ضيفًا على الأحرار، قررت أن أنطلق لأشاهد وأخدم الجهاد مع فصائل أخرى ومن زوايا أخرى، وبسبب السمعة الطيبة وحرصي على خدمة تلك الكيانات التي استضافتني تكرر نفس المشهد مع عدة كتائب إسلامية ومعسكرات تدريب ومدارس ومعاهد شرعية، ففتح الجميع لي صدورهم وكنت أخدم الجميع أخوةً ومحبةً دون انتماء.

أثناء دورتي هذه لاحظت أن الإخوة متباينون جدًا في أفكارهم، ولكن كان هناك نوعًا من الشباب له لهجة لا يخطئها عارف بالتيار الإسلامي، لهجة ذات نبرة تكفيرية عالية، تتكرر على ألسنتهم كلمة (مرتد) أكثر من غيرهم، كنت أتجنب هؤلاء الإخوة ولا تستهويني حواراتهم فقد شبعت منها منذ أكثر من 15 سنة، وقرأت أغلب أدبيات التيار الجهادي والحركي الإخواني والمنهجي السلفي، وأصبح لا يستهويني إعادة المعاد وتكرار المكرر فكان تركيزي منصبًا على الجهاد ضد النظام والدعوة والتربية والتطوير الإداري، وبالمناسبة، بعد تأسيس الدولة بقرابة سنة كنت كلما سألت على أحد أصحاب هذه النبرة العالية كان يأتيني الخبر أنه التحق بالدولة.


3 – مفترق طرق تاريخي:
————————
بدأت مشاكل الدولة مع الكتائب الأخرى عقب الانفصال الشهير بين الدولة والنصرة (4 – 2013) أي حتى قبل زمن طويل من إعلانها الخلافة (6 – 2014)، وعندما حدث هذا الانفصال ظهر جليًا أننا أمام مسارين في المناطق المحررة:

المسار الأول: يمكن تسميته بـ(التطهير الداخلي الفوري)، وهذا المسار اختارته الدولة، ويقتضي القضاء العاجل على العملاء والجواسيس وبذور الصحوات والمفسدين المنتشرين بيننا، والحق أن أغلب من اتهمتهم الدولة بهذه التهم (في البداية) كان ينطبق عليهم هذا الوصف ووضعت كلمة (في البداية) بين قوسين لأنها توسعت بعد ذلك في إلصاق هذه الأوصاف توسعًا عجيبًا هيج الجميع ضدها.

المسار الثاني: وهو مسار جميع المجموعات الأخرى تقريبًا، ويرى: أن التطهير الداخلي له فاتورة باهظة فالمفسدون كُثر وكذلك بذور الصحوات، ورافضو الشريعة واستعداء هؤلاء الآن يفتح علينا جبهة مرهقة، إضافة لأن أغلب هؤلاء لهم شوكات وعُصب سواء:

• عصب عشائرية ولاؤها للقبيلة والمساس بأحد أبنائها ربما أقام القبيلة كلها.

• أو عصابات مفسدة سارقة مسلحة تلبس لباس المجاهدين وتظهر بصورة الكتائب الثورية.

• أو شوكات وعُصب ثورية حقيقية مدعومة ومسلحةً غربياً ويجري إعدادها لاستلام البلاد بعد سقوط النظام وإقصاء المشروع الإسلامي وتأسيس دولة ليبرالية.

لكني أشهد أيضًا أن أصحاب المسار الثاني قاموا بمواجهة بعض المفسدين والمندسين، ولكن كان هذا في حدود ضيقة.

هنا أتت واحدة من اللحظات الفارقة، لحظة تحول كبيرة في تاريخ الثورة السورية ومفترق طرق أدى لانفجار عدة أحداث، فالدولة اختارت التخلص الفوري من (العدو القريب)، بينما اختارت باقي الفصائل الفراغ من (العدو البعيد)، أولًا فقد أدركوا أن مسار الدولة سيفتح معركة داخلية كبيرة غير معركة النظام وإضافة لمعركة قد بدأت ضد المشروع الكردي.

ويلحق بهذه النقطة نقطة أخرى شديدة الالتصاق: هل نبدأ (الآن) بتطبيق الشريعة والحدود أم نتمهل؟ ومرة أخرى رأت الدولة ضرورة استعجال هذه اللحظة، بينما رأى الآخرون أن الوقت لم يحن بعد.

وهنا أذكر واقعتين:
• حدثني أحد الأصدقاء، وهو قاض بأحد المحاكم الشرعية التي أسستها بعض الفصائل، أنه اعتزل القضاء واعتذر عن استكمال العمل بالمحكمة فلما سألته عن السبب قال: نقضي ولا تنفذ أحكامنا (يقصد أنه لا توجد قوة أمنية شرطية حقيقية قادرة على تنفيذ الحكم).

• وأذكر أني كنت بجوار أحد المحاكم الشرعية، وإذا صياح وتجمع كبير حول المحكمة عرفت بعدها أن المحكمة قضت بعقاب أحد السارقين فأتى أخوه ومعه قوة مسلحة ليس فقط لأخذ أخيه، بل توعد بتصفية القاضي نفسه وأشهر مسدسه في الهواء مهددًا من يقترب منه (أو شيئًا نحو ذلك).

وبالتالي فإن المكون الفكري والشرعي لشباب الدولة في جزئية (استقرار وأمن المناطق المحررة)، كان يدفعهم تجاه فكرة واحدة هي:
تأسيس دولة مستقلة والانفصال بها، والسيطرة عليها ونزع السلاح من جميع التنظيمات بها عدا الحكومة، ولا سبيل لاستتباب الأمن إلا بهذا وإلا سيعيش كل مفسد وجاسوس بيننا معتمدًا على شوكته.

أما أصحاب المدرسة الأخرى فكانت رؤيتهم كالتالي: لا داعي أن تنفصل ببقعة من الأرض وتؤسس عليها دولتك وتستعجل عداء رافضي الفكرة، يمكنك أن تضم قوتك لقوة المحاكم الشرعية واللجان الأمنية بحيث يتفرق دم المجرم بين الفصائل دون اصطدام بالحاضنة الشعبية ونمر بسلام من مرحلة الحرب مع النظام، وبعدها ستأتي مرحلة تأسيس الدولة بطريقة طبيعية، وكان رد الدولة دائمًا على هذا الطرح يتلخص فى: إذا لم نفعلها الآن فلن نفعلها أبدًا.


4 – نفسية ما وراء القتل:
—————————-
عودة إلى الأحداث، في البداية (أقصد في الفترة التي بين الانفصال الشهير وبين إعلان الخلافة)، لاحظت من خلال تتبعي لنبرة وتصرفات شباب الدولة ثقة كبيرة لعل مصدرها:

• شعورهم بأنهم دولة، دولة لها ماض بالعراق، وولي أمر له بيعة، دولة لها سيطرة على مساحة كبيرة من الأرض، يمكن الاحتجاج بها على الاعتراض الشهير الذي يقول: (أنتم فصيل عادي من ضمن الفصائل).

• الثقة بأن التيار الإسلامي الآن أصبح يميل لفكرة الأبيض والأسود بدلًا من الألوان الرمادية، خاصةً بعد فشل التجارب الإسلامية الديموقراطية التوافقية.

• الاطمئنان لفكرة أن الناس ستفرح بالتخلص من بعض المفسدين المتواجدين بالمناطق المحررة (وفعلاً فرح أناس كثيرون بذلك)، حكت لي امرأة أن أحد المجرمين بمنطقتها تحرش بها مرارًا وهددها بتشويه سمعتها، إذا لم تمكنه من نفسها وكان معروفًا بمجاهرته بشرب المخدرات وغيرها من ألوان الفساد، إلى أن قتله شباب الدولة وخلصوا الناس من شروره وبارك الناس ذلك، وكانت هذه المرأة تحكي لي هذا وتدعو لهم، أحد العصابات المشهورة بريف حلب (اسمه مشهور جدا)، كان له حاجز معروف يأخذ الإتاوات من الناس وكان يحتجز من يحاول مقاومته، وربما فتح النار على من لا يقف على حاجزه، وحكى لي أحد أصدقائي كيف اعتقله هذا الحاجز مرة وحكى لي عن وسائل التعذيب داخل حجز هذه العصابة، وأيضًا أتت الدولة ونسفت هذا الحاجز وهذه العصابة نسفًا، ولا يزال الناس يسيرون بأمان في هذا الطريق حتى كتابة هذه السطور.

• ثقتهم أن التيار الإسلامي سيتعاطف مع فكرة تأسيس دولة إسلامية تجمع شمله وتحميه من ذلك التشرذم.

• أضف لكل هذا اجتماع الأسباب المادية أيضاً فقد ورثت الدولة من النصرة سلاحاً ومستودعات ورؤوس أموال ضخمة جداً.

كل هذه الأسباب كونت ثقة داخل صناع القرار بالدولة وجعلتهم يستبشرون بنجاح مهمتهم، وبالفعل بدأت الدولة بنصب حواجز لها في أماكن كثيرة كي تشرف بنفسها على عملية استتباب الأمن، والقبض على المفسدين، وهنا بدأت الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الدولة وحدثت أول واقعة قتل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: