تحقيقات صحفيهمال واعمال

تحقيق محمد عبدالله المساء نيوز تكشف بالتفاصيل.. عملية «الصقور» لتنصيب بديع «مرشدًا للعلاقات العامة

164372قصة وجود محمد بديع كمرشد صوري على رأس الإخوان جذور قديمة، وتحديدًا ما يتعلق بطريقة اختياره للموقع الأرفع داخل التنظيم.

الإطاحة بـ«حبيب» وإهداء الكرسى

لـ«بديع» مكن القطبيين من حكم

الإخوان من خلف الأستار

عزت أشرف على تهميش أدوار أبو

الفتوح وحبيب لصالح بديع.. والشاطر

تابع العملية من السجن

انتماء بديع لمدرسة السرية

والتكفير والانغلاق ضمن له مساندة

تيار المحافظين فى الانتخابات

فبحسب شهادة لمؤرخ الإخوان الراحل، أحمد رائف، فإن بديع، كان من الأعمدة الرئيسية للنظام السرى الخاص للإخوان، وقد عمل إلى جانب أسماء من شاكلة محمود عزت، ومحمود غزلان، ومحمد مرسى، لأجل الحفاظ على كيان الإخوان التنظيمى كخطوة رئيسية نحو تحقيق حلمهم الأكبر والمتمثل فى “إقامة الخلافة الإسلامية”، وكذا إصدار الأوامر والتعليمات واجبة الطاعة والنفاذ إلى المستويات العليا للجماعة، على أن تقوم الأخيرة بدورها بنشرها وتعميمها على جميع المستويات والقواعد الإخوانية، علاوة على مواجهة أية محاولات لاختراقها لعدم الإضرار بمصلحة الجماعة أو ضربها فى العمق. ما اعتبر – فى رأى رائف – برهاناً على أن الجماعة لم يكن لديها أية نية للتنازل عن هذا النظام أو تفكيكه، خاصة وأنها كيان ضخم يحتاج غالباً إلى مستويات وتنظيمات سرية لإدارته بعيداً عن أى صخب.

وعلى هذا النحو اعتمدت الجماعة دومًا فى تسيير شئون الحكم فيها على وجود مرشدين، أحدهما سرى، لا تعرف الأضواء إليه سبيلاً، يناط إليه تحريك التنظيم، بينما توكل مسألة رعاية “الجانب الدعوى والدعائى الظاهرى” أو “العلاقات العامة” لمرشد آخر علنى، وهو المعروف إعلامياً بالمرشد العام..

وبالتالى، ووفق هذه المعطيات، فلا يمكن بأى حال من الأحوال حساب الدعم الكبير الذى تلقاه الدكتور محمد بديع من قبل أقطاب القطبيين فى الإخوان لأجل الفوز بمعركة المرشد الطاحنة نهاية العام 2009 وبداية العام 2010، على أنه فقط من قبيل الإطاحة بنائب المرشد آنذاك، الدكتور محمد حبيب، الذى كان مدعوماً من شريحة كبيرة من الإصلاحيين والشباب بالتنظيم، وكذا عدد غير قليل من أعضاء مكتب الإرشاد وقيادات ومسؤولى المناطق، كما لا يعدو فقط محاولة لإحكام سيطر المحافظين وأصحاب الرؤى المتشددة المنغلقة، بل أنه وإضافة لكل ذلك جاء فى إطار خطط فريق النظام الخاص بقيادة الدكتور محمود عزت (في ذك الوقت كان الشاطر في السجن يقضي عقوبة الحبس في قضية مليشيات الأزهر)، لوضع مرشد “مستأنس ومأمون الجانب ويدين لهم ولإفكارهم بالولاء والاقتناع التام” على رأس الجماعة، ومن ثم يتاح لهم حكم الجماعة من خلف الأبواب المغلقة، بلا أدنى منغصات، وبعيداً عن أى ضغوط من قبل القواعد الإخوانية، وفى مأمن من الملاحقات الأمنية أيضاً.

تجهيز القطبيين لطرح الدكتور محمد بديع على مسرح الأحداث داخل الإخوان، ساعتها، تم وفق مخطط مدروس ومنضبط، بدأ بمجرد إعلان المرشد الأسبق، مهدى عاكف، نيته التقاعد عن منصبه بالاستقالة منه واكتفائه بولايته الأولى والوحيد. كان ذلك مطلع 2009، حيث دشنت عملية توسيع نفوذ ومهام الدكتور محمد بديع، فأوكل إليه إلى جانب قسم التربية الذى يتولاه، ملف إخوان الصعيد، بهدف ضرب معقل نفوذ الدكتور محمد حبيب فى مقتل. كما تم سحب ملف المهنيين الإخوان من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الذى كان يشرف عليه لفترة طويلة تحت مراقبة كاملة من حبيب، ومن ثم تم إهدائه للدكتور بديع، بزعم أن الأخير له خبرة كبيرة فى العمل النقابى. (شغل موقع أمين عام النقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وكان أميناً لصندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة واحدة). ليس هذا فحسب، بل انتزع ملف الدعوة من أنياب مفتى الجماعة السابق، الشيخ محمد عبد الله الخطيب، على اعتبار عدم قدرة الأخير على مباشرته نظراً لعدم استقرار حالته الصحية، ليتم تقديمه على طبق من فضة (فجأة) إلى الدكتور بديع.

وبين ليلة وضحاها أصبح الدكتور بديع متحكماً فى مجموعة من أكثر أقسام وملفات جماعة الإخوان خطورة وحساسية: التربية والدعوة والمهنيين، أى أنه أصبح فى اتصال مباشر بمختلف قواعد شباب الإخوان وبأجيال الجماعة الوسيطة والنشطة فى مختلف النقابات المهنية، فضلاً عن مرور الوافدين الجدد إلى الإخوان عبر بوابته. إلى جانب تلك الهمسات التى انتشرت كالنار فى الهشيم بين القيادات الإصلاحية والوسيطة بعد أزمة استقالة عاكف، وألمحت بأن قراراً سرياً صدر عن أمانة الجماعة آنذاك (أى من الدكتور محمود عزت في ذلك الوقت) بأن توكل كافة مهام عاكف لبديع لحين إجراء انتخابات على موقع المرشد، ما اعتبره البعض قراراً بالحجر على كافة فرص الدكتور حبيب لنيل حلم حياته بالفوز بمنصب حاكم الإخوان، وهو ما تم في النهاية فعليًا، ليغادر الأخير الجماعة كلها.

ودون هدر أو مضيعة للوقت فتحت مختلف النوافذ الإعلامية الإخوانية ذراعيها لأفكار الدكتور محمد بديع، لتنطلق عمليات ترويجية منظمة لرؤاه الطموحة لإعادة هيكلة النسق التربوى والدعوى لأعضاء الإخوان. وفى الوقت ذاته منح الضوء الأخضر ليطرح نفسه إعلامياً بشكل مكثف، عبر انتهاز أية فرصة للتعبير عن رأيه، الذى هو بطبيعة الحال رأى القطبيين وعناصر التنظيم الخاص الحاكم فى الجماعة، فى مختلف القضايا المتعلقة بالإخوان أوبغيرهم..

وساهم فى فاعلية عملية صناعة أسطورة بديع، لباقته الشديدة فى الحديث، وعلمه الشرعى والفقهى اللافت نوعاً ما، ناهيك عن خلفيته الأكاديمية التى مكنته من طرح أفكاره ووجهات نظره بسلاسة وترتيب عقلانى ومنطقى. (رئيس قسم الباثولوجيا بكلية طب بيطرى بنى سويف منذ عام 1990 لدورتين، كما شغل منصب وكيل الكلية نفسها لفترة.. وسبق تعينه رئيساً لمجلس إدارة جمعية الباثولوجيا والباثولوجيا الإكلينيكية لكليات الطب البيطرى على مستوى الجمهورية.. كما تم إدراج اسمه الدكتور فى الموسوعة العلمية العربية الصادرة عن هيئة الإستعلامات المصرية عام 1999).. إلى جانب صغر سنه بالمقارنة ببعض رموز الجماعة (كان يبلغ من العمر وقت ترشحه لموقع المرشد 66 عاماً) ما جنبه كثير من اعتراضات شباب الإخوان الطامحة فى هبوط السقف العمرى لقادة الجماعة.

ميزة الابتلاء (وفق الفلسفة الإخوانية الدعائية) كانت حاضرة هى الأخرى وبقوة فى السيرة الذاتية للدكتور بديع، فمن المعروف أنه كان ضمن المقبوض عليهم فى قضية تنظيم سيد قطب عام 1965، وقد حكم عليه بالسجن مدة خمسة عشر عاماً، غير أنه قضى منها تسعة أعوام فقط. وفى العام 1998 سجن قرابة الشهرين والنصف على ذمة التحقيقات فى قضية المتعلقة بأنشطة جمعية الدعوة الإسلامية ببنى سويف والتى كان يرأس مجلس إدارتها آنذاك.. وبعدها بعام حكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات لتورطه فى قضية النقابيين الإخوان، لكنه لم يقض سوى ثلاثة أرباع المدة ليفرج عنه عام 2003.

وفيما كان هناك اعتراض بعض قيادات إخوان الخارج عن فكرة ترشيح الدكتور بديع خلفاً لعاكف فى موقع المرشد العام، راهن رموز القطبيين الداعمين لبديع على أن له رصيد كاف من العلاقات الودية مع عدد من قيادات التنظيم العالمى للإخوان خلال إقامته لفترة فى اليمن.

قناعات بديع الشخصية ضاعفت بلا شك من نجاح خطة القطبيين فى الترويج له، فهو ابن بار لمدرسة منظر النظام الخاص الأهم، سيد قطب، ولدراويشها المخلصين من التكفيريين والمحافظين الإخوان. وهو ملتزم بكل آرائهم وأحكامهم تحت أى ظرف، ومنها ما يتعلق برفض صقور الإخوان لمسألة تولى المرأة أو القبطى للرئاسة، ففى تصريحات سابقة له يقول: “اختيارنا الفقهى هو أن المرأة لا تصلح لقيادة الدولة وهذا خيارنا ولكل قوى أو جماعة أن تقول رأيها”.. “لدينا رأى وحديث نبوى يمنع تولى قيادة الدولة رجل على غير الملة، وشروط تولى الإمارة ليس لأنه مسؤول حكومة لكنه يقوم بأعباء دينية”..

وفى الأزمة الشهيرة لتصعيد الدكتور عصام العريان لمكتب الإرشاد، عام 2009، انحاز الدكتور بديع بوضوح لصف المحافظين، مؤكداً أن الحديث عن تصعيد العريان خلفاً لعضو مكتب الإرشاد الراحل محمد هلال مخالف للوائح الداخلية للإخوان، وفى الوقت ذاته شن هجوماً على الإعلام بزعم أنه من أشعل أزمة العريان وافتعلها من لا شىء، واصفاً الصحفيين بـ “المغالين الذين ينفخون فى النار لاصطناع أزمة فى صفوف الجماعة، ويتصورون أن الإخوان ليسوا جماعة مؤسسية تعمل وفق لائحة مدروسة ومعتمدة تطبق على الكبير قبل الصغير”.. ولما بدأت بعض الأصوات المعتدلة بالجماعة فى طرح مبادرات لإصلاح حال جماعة الإخوان من الداخل وعدم ترك مقدراتها فى يد قادة منغلقين، سارع بديع بتذكير “إخوانه” فى الجماعة عبر مقال له بالقول: “إننا تعلَّمنا وتربَّينا على الثقة فى قيادتنا”..

بديع يؤمن أيضاً بحتمية الحفاظ على الطابع السرى للجماعة، وضرورة حصر انفتاحها المتزايد فى الفترة الأخيرة على المجتمع السياسى وعلى الإعلام، ومن ثم تكثيف جهود الإخوان لإعادة كمون الجماعة من جديد، حتى تكتمل استعداداتها قبل أن تخرج فى ثوب آخر يليق بهدفها تأسيس الأمة الإسلامية الحديثة. وجميعها أفكار طالما رددها فريق النظام الخاص بقيادة الدكتور محمود عزت الذى لم يجد، وبتنسيق مع الشاطر رغم وجوده خلف أسوار السجن في ذلك الوقت، على ما يبدو أفضل من الدكتور بديع ليلعب فيما بعد، وحتى بعد سقوط دولة مبارك، ووصول الإخوان للحكم، دور المرشد الكومبارس للشاطر وعزت وأنصاره المختبئين فى الظلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: