بقلم رئيس التحرير

انفراد: الإخوان يغزون إفريقيا من بوابة سفير جوهانسبرج في واشنطن

118225_1392384038ابراهيم البسيونى : يفجر القنبلة الموقوتة

بالأساس، لا يبدو أن توتير العلاقات المصرية الإفريقية بعد 30 يونيو، مهمًّا بدرجة كبيرة بالنسبة للإخوان. دقّ أسافين بين القاهرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، أهم وأكثر نفعًا، من وجهة نظر التنظيم في تلك المرحلة. غير أن الأخير يعمل الآن بمبدأ تفجير الأزمات، أو بالأحرى اصطناعها في وجه السلطة الحالية من جانب، ومن جانب آخر من أجل تأصيل مناخ إقليمي ودولي ضاغط على نظام ما بعد عزل محمد مرسي وأهله وعشيرته.

إبراهيم رسول يمتلك علاقات وثيقة بأعضاء «الدولي

للإخوان» وقيادات الحرية والعدالة

بعد «جوهانسبرج» و«داكار».. «كينيا» الهدف المقبل

للتحريض الإخواني في إفريقيا

 

استمرار تعليق عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، ورغم أنه مؤقّت، ويفترض زواله بمجرد استكمال بنود خارطة الطريق، بانتخاب برلمان ورئيس جديد، يمنح، بلا شك، ظهيرًا إقليميًا مساندًا للإخوان، لوصف ما حدث بمصر في 30 يونيو و3 يوليو 2013، بأنه انقلاب عسكري، لا غضبة شعبية عارمة.
على هذا النحو، أصبحت إفريقيا مقصدًا لقيادات التنظيم الهاربة، ولأذرعه الدولية الممتدة في مختلف بقاع الأرض، ولحلفائه الإقليميين والدوليين من كارهي مصر. النفخ في الموقف الجنوبي المضاد للقاهرة، بات هدفًا جوهريًا للجماعة من أجل المتاجرة به في دول الشمال. ناهيك عن أن التراث المباركي المعادي بلا أدنى سبب مقنع للقارة السمراء طيلة الـ30 عامًا الماضية، صنع أجواءً مثالية لجميع ألعاب التحريض والمعاداة تجاه بلاد النيل

زيارة أمين عام الجماعة الهارب، الدكتور محمود حسين، لجنوب إفريقيا في 27 يناير الماضي، بصحبة وزير الاستثمار الإخواني السابق، يحيي حامد، بدت للوهلة الأولى غامضة. لكن اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي عقد بعدها بيومين فقط، تحضيرًا لقمة الاتحاد الإفريقي في دورته الثانية والعشرين بأديس أبابا، كشفت سرّ توجّه قياديي التنظيم إلى أقصى نقطة بجنوب القارة السمراء.
حسين وحامد التقيا في جوهانسبرج عددًا من المسؤولين بحكومة جنوب إفريقيا، والتي تتخذ موقفًا عدائيًا معلنًا من 30 يونيو منذ البداية. قياديّا الإخوان ركّزا خلال الزيارة، وإلى جانب ما أثير عن سعيهما لتأسيس مكتب إعلامي للجماعة هناك، بحيث تنقل إليه اجتماعات التنظيم الدولي، على الدفع في اتجاه استمرار تعليق عضوية مصر إفريقيا، وهو ما تم بالفعل، حيث أصرّ مجلس الأمن والسلم على عدم تغيير الموقف تجاه القاهرة، ومن ثم غابت الأخيرة، ولأول مرة منذ خمسين عامًا، عن حضور قمة الاتحاد الإفريقي، التي انتهت فعالياتها مطلع الشهر الحالي.

ورغم إعلان رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي دلاميني زوما، أن تعليق عضوية مصر يخضع لمعايير محدّدة وواضحة، تطبق دون النظر إلى ثقل الدولة، ولا تختلف من دولة إلى أخرى، إلا أن استمرار ذلك الإجراء التعسّفي حمل تعنّتًا مفضوحًا، خاصة أنه تجاهل بوضوح تقريرين أعدّهما رئيس وفد لجنة حكماء إفريقيا، ألفا عمر كوناري، عقب زيارتين قام بهما إلى مصر، لتفقّد الأوضاع بعد عزل مرسي (التقى خلال الأولى الرئيس السابق نفسه، كما اجتمع بعدد من قادة الإخوان)، وقد تم القطع فيهما بلا مواربة بأنه قد سُمع ما يكفي لوصف أحداث 30 يونيو كثورة شعبية، وليس انقلابًا عسكريًا، وأنّ تدخل الجيش ليس للوصول إلى السلطة، وإنما لمنع اندلاع حرب أهلية.
مظاهر التعنت الإفريقي، وازدواجية معايير بعض دولها ومسؤوليها الكبار، في التعاطي مع مصر، تجّسدت كذلك في أن رئيس القمة الأخيرة للاتحاد، وهو الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، كان قد جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري، قاده ضد الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في 6 أغسطس 2008، وذلك بعدما قام الأخير بإصدار قرار رئاسي بخلع ولد عبد العزيز من رئاسة الحرس الرئاسي آنذاك، فما كان منه إلا أن انتفض جرّاء القرار، وقام بوضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية، واستولى على السلطة، تحت سمع وبصر الجميع.
أضف إلى ذلك، ما يُثار عن ولد عبد العزيز نفسه من اتهامات ومعلومات، مستندة لجهات استخباراتية أجنبية، بشأن كونه عرَّاب المخدرات في غرب إفريقيا.

وهو ما يعني أن الاتحاد الإفريقي، الذي يجافي مصر بشدة منذ 30 يونيو، وحتى الآن، ويرفض التراجع عن قرار تعليق أنشطتها الرسمية، رغم إقرار دستور جديد للبلاد، والاستعداد الجاد لانتخابات الرئاسة، ومن بعدها البرلمان، بدعوى أن الإطاحة بمرسي حدثت على ظهر الدبابات، يناقض نفسه بشدة، حين يضع الآن على رأسه قائدًا مشكوكًا في نزاهته الشخصية، فضلًا عن وصوله إلى سدّة الحكم في بلاده بالرصاص.
الإخوان يجيدون، بحس انتهازي فطري، اللعب على تلك التناقضات الصارخة. صحيح لا يمكن القطع بأن جوهانسبرج، نزلت مثلًا على رغبة محمود حسين ويحيي حامد، للتعنت ضد مصر، والمساهمة في شغر مقعدها في لقطة نادرة في قمة أديس أبابا الأخيرة، لكن الثابت أن مصالح جنوب إفريقيا في إزاحة القاهرة عن المشهد المؤثر في جميع مجالات المنافسة السياسية والرياضية والسياحية والاستثمارية، تقاطعت مع تحرّكات إخوانية مجنونة، لضرب الدولة المصرية.
جنوب إفريقيا، وكذا نيجيريا، دولتان كبيرتان، يطمعان في تنحية مصر جانبًا، باعتبارها، بحكم التاريخ والجغرافيا والثقل السياسي والبعد الثقافي والحضاري، منافستهما الأقوى والمباشرة في معركة المقعد الدائم المنتظر لإفريقيا في مجلس الأمن، حال تغيير نظامه الأساسي وتوسيع مجال عضويته الدائم بصورة أشمل وأعمّ من حصرها في الدول الخمس الكبار: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، بريطانيا، الصين.

جوهانسبرج تمتلك إذن مبرّرًا لعداوة 30 يونيو. دعم الإخوان، ولو معنويًا على أقل تقدير، وسيلتهم الجديدة لشغل مصر داخليًا، في مقابل تخلّيها عن أحلام الزعامة خارج حدودها. وبالتالي ليس مستغربًا أن يزايد مسؤول بارز في حكومة جنوب إفريقيا، هو إبراهيم اسماعيل إبراهيم، نائب وزير العلاقات الدولية والتعاون هناك، في أثناء وجود محمود حسين ويحيي حامد، بأن الإخوان يحترمون الديمقراطية، ويريدون التقدّم بها، وأنه لا يوجد أي دليل على استخدامهم للعنف، لا الآن ولا في السابق.
المفاجأة، أن الإخوان، الذين يتمتّعون بعدد من الأنصار والكوادر النشطة، في جنوب إفريقيا، اعتمادًا على حركة الشباب الإسلامي التي تأسست هناك، منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، ومنهم من ظهر حاملًا إشارة رابعة العدوية الصفراء، في أثناء مباراة لكرة القدم، جمعت بين فريقي الأهلي المصري وأورلاندو برايتس الجنوب إفريقي، في ذهاب نهائي دوري أبطال إفريقيا، في نوفمبر الماضي، وكذا في أثناء حفل التأبين الرسمي للراحل نيلسون مانديلا، لديهم ما يمكن أن نطلق عليه مندوبًا رفيع المستوى، يعمل لصالحهم لدى حكومة جوهانسبرج.
نتحدث هنا عن إبراهيم رسول، سفير جنوب إفريقيا النشط، وصاحب الصداقات العميقة بعدد من الباحثين والمؤثرين في دوائر صنع القرار في العاصمة الأمريكية واشنطن، والذي يرتبط بعلاقات وطيدة مع الإخوان وقيادات تنظيمهم الدولي، حيث كان قد زار حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، في القاهرة، في يناير 2012، لتقديم التهنئة عن اقتناصه الجزء الأكبر من البرلمان المصري.
حدث ذلك بصفته مبعوث رئيس جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، للعالم الإسلامي. والمفارقة أنه التقى ساعتها بكل من محمد مرسي نفسه، حينما كان يشغل موقع رئيس الحزب الإخواني، فضلًا عن عصام العريان وأسامة ياسين.

رسول كان السفير الوحيد في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أقام حفل عشاء ببيته هناك للوفد الإخواني الشهير، الذي ضم كلاً من الدكتور عبد الموجود الدرديري، والدكتور حسين القزاز، والمهندس خالد القزاز، وسندس عاصم، وكان قد زار واشنطن قبل أسابيع قليلة من انتخاب مرسي رئيسًا لمصر، وتحديدًا في أبريل 2012، للترويج للنظام الإخواني القريب من حكم مصر آنذاك.
المفاجأة أن رسول يرتبط بعلاقات وثيقة أيضًا بعدد من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان، وكان له لقاء معلن بعدد منهم، حينما ترأَّس بدءًا من 29 مارس 2013 ولمدة 3 أيام ملتقى قيادات الأقليات الإسلامية ، الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس، حيث شارك فيه كلٌ من وزير مالية الجماعة في أوروبا، المصري الألماني إبراهيم الزيات، والذراع المخابراتي للتنظيم في القارة العجوز، العراقي أنس التكريتي، وزعيم النهضة التونسي، راشد الغنوشي، وقيادي التنظيم في أمريكا، سيد سعيد، وأمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الكردي القطري على القرة داغي، وغيرهم.
إذن بربط بسيط لرغبة جوهانسبرج في إقصاء مصر عن الزعامة الإفريقية، بنفوذ الإخوان هناك، سيدرك الجميع سر نظر جنوب إفريقيا لأول دعوى قضائية ضد رموز سلطة ما بعد 30 يونيو، منذ 28 أغسطس الماضي، بحثًا عن مخرج قانوني لإحالتها إلى المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

وللعلم، فإن جنوب إفريقيا ليست هي فقط الوجهة الوحيدة للتنظيم الدولي للإخوان في القارة السمراء. قياديان بالجماعة هاربان من الملاحقات الأمنية في مصر، هما أمير بسام والدكتور عز الدين الكومي، نظّما الجمعة الماضية، مؤتمرًا صحفيًا في العاصمة السنغالية داكار، من مقرّ منظمة رادو لحقوق الإنسان، لتشويه 30 يونيو. التنظيم يعوّل هناك على مساندة أنصار جماعة عباد الرحمن، التي تأسّست على نهج الإخوان، في السبعينيات أيضًا. بينما تتواتر أنباء عن أن المحطة المقبلة للتنظيم في الأدغال السمراء ستكون كينيا.
البعض في هذا الصدد، يشير إلى منظمة أمريكية مقرّها قطر، هي راند فاونديشن، باعتبارها نافذة تمويل جولات تبيض الوجه الإخوانية حول العالم، وكذا في الفضاء الإعلامي والإلكتروني.
التحرّكات الإخوانية في إفريقيا، تبدو مدعومة أيضًا بمساندة إقليمية ودولية في بعض الأحيان. تركيا مثلاً تولت عن التنظيم تحريض إثيوبيا على القاهرة، وذلك وفق ما نسب لرجب طيب أردوغان، عن استعداد بلاده لمساندة بناء سد النهضة بمد أديس أبابا بمقاتلات وصواريخ، لرد أي هجوم عسكري مصري في هذا الشأن.
الولايات المتحدة نفسها، أَبت إلا أن تُحرج سلطة ما بعد 30 يونيو، بعدم توجيه الدعوة للقاهرة، لحضور قمة الزعماء الأفارقة التي يرعاها أوباما بنفسه، وتقرّر عقدها بالبيت الأبيض في أغسطس المقبل.
النشاط الإخواني المكثّف في الخارج، يتصاعد يومًا بعد الآخر. النظام في مصر يردّ في الداخل فقط. فارق السرعات بين الجماعة والحكومة في النشاط الدولي ينحاز بصورة مخجلة بالنسبة للسلطة المؤقتة لصالح الأولى. بينما لا أحد يعلم على وجه الدقّة، سرّ العجز المصري الكبير في صدّ افتراءات التنظيم حول العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: