بقلم رئيس التحرير

ابراهيم البسيونى يكتب // هل باع أوباما الإخوان لاحتواء غضب القاهرة من «هارفى»؟

126026_1395866182تحقيق / ابراهيم البسيونى

الاساءة جاءت من الخارجية الأمريكية، بينما تصدى البيت الأبيض للمصالحة.. هكذا بدا ظاهر الأحداث فى واشنطن خلال الأيام الأربعة الماضية.. بينما كانت القاهرة، وكالعادة، هى كلمة السر.

أوباما يغطى على تصريحات مسؤولة

الخارجية الأمريكية المسيئة بتأكيد

فشل مرسى فى الحكم

القاهرة تلتزم بسياسة «الاعتراض

المسقوف» مع واشنطن.. وتكتفى

باحتجاج رسمى للخارجية الأمريكية

القصة بدأت نهاية الأسبوع الماضى، فيما كان المصريون منشغلون بعيد الفطر المبارك، قبل أن تفاجئهم نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارى هارفى، بالتشكيك فى نزاهة كل الإجراءات التى اتخذتها السلطة، بعد عزل محمد مرسى، ضد الإخوان وضد من سار على نهجهم من الرافضين لـ30 يونيو.

هارفى قالت بحسم، لا يعكس إلا موقف بلادها الرسمى والحقيقى، بعيدًا عن مساحيق الدبلوماسية الباردة، إن (أموال المساعدات (الأمريكية) كانت تستخدم من قبل الحكومة المصرية ضد شعبها، من خلال حملة قمعية ضد المتظاهرين السلميين).. وذلك فى معرض ردها على سؤال بشأن سبب تجميد مساعدات واشنطن للقاهرة، العام الماضى، ومنع تسليم عدد من طائرات الأباتشى لها، وعدم فعل الشىء نفسه مع تل أبيب، رغم قتلها لمئات المدنيين فى غزة.

كلمات هارفى على قسوتها، لم تكن مفاجئة للمراقبين لطريقة تعاطى الإدارة الأمريكية، مع القاهرة، بعد الإطاحة بحكم الإخوان، عبر مساندة واضحة من جانب الجيش للإرادة الشعبية الجارفة الكارهة للمعزول وجماعته ونظامه.

فالثابت، أنه وباستثناء البنتاجون لأسباب تتعلق بتعاونه العسكرى مع الجيش المصرى، إضافة إلى عدد من الأصوات فى الكونجرس، فإن الخارجية الأمريكية، ومن خلفها البيت الأبيض، طالما اتخذا مواقف مناوئة لـ30 يونيو.

صحيح أن أيًا منهما لم يطلق عليها انقلابًا، لكنهما رفضا تسميتها ثورة، بينما بذلا جام جهدهما، لإنقاذ الجماعة وقادتها من السجن، فضلًا عما مارساه من ضغوطات، لتضييق الخناق على سلطة ما بعد اسقاط المعزول، وتشويه سمعتها أمام الرأى العام العالمى.

نظرة واحدة متفحصة للخلف، ستكشف عن عشرات البيانات الأمريكية العلنية المساندة للإخوان، والمتغاضية عن عنفهم، ناهيك عن دعم الكواليس.

سيقول البعض، إن لهجة التعاطى مع الواقع المصرى أمريكيًا تغيرت، فى المرحلة الأخيرة، بل أن وزير الخارجية نفسه جون كيرى، هنأ المصريين، قبل أسبوعين، حين حضر لأول مرة، لبحث الأزمة فى غزة، على تواصل خطوات المسار الديمقراطى، فيما تحول البغض الأمريكى تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى غاب عن حفل تنصيبه أى مسؤول رسمى رفيع المستوى من بلاد العم سام، إلى ثناء مطرد على الرجل على لسان كيرى، على خلفية موقف الأخير من الحرب فى غزة المنكوبة.

إلا أن التحول الإيجابى تجاه السيسى من جانب الأمريكان، يظل مشكوكًا فيه، خصوصًا أنه جاء فى وقت بدت حاجة واشنطن للقاهرة أكبر من الرغبة فى عداوتها، لاسيما مع تصاعد الأحداث الدموية فى العراق وغزة وليبيا، وإمكانية لعب مصر أدوار مؤثرة فى نزع فتيل الأزمات، أو على الأقل تقليل أضرارها، فى تلك البقاع الملتهبة.

بل أن جون كيرى وبلاده، لم يتوقفا أمام واقعة تفتيشه فى قصر الاتحادية، قبيل مقابلته للسيسى، فلم يعترضا، وتجاهلا الأمر برمته.. الحاجة للتنسيق مع القاهرة، فى ذلك التوقيت، دفع على ما يبدو للتغاضى عن الواقعة غير المسبوقة، والتى تؤشر لإهانة تجاه المسؤول الأمريكى، على نحو ما.

وبلا شك، يعكس رفض السيسى، تلبية دعوة البيت الأبيض المتأخرة لحضور القمة الأمريكية الإفريقية، المنعقدة حاليًا بواشنطن، ومن ثم إرسال رئيس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب بدلًا منه، وعيًا بأن طلب مشاركته، كان أقرب للرشوة، إذ كان سُيطلب حتمًا من القاهرة ردها أضعافًا مضاعفة، فى أى من الملفات الحساسة المحيطة بها، وخصوصًا فى غزة.

وفق تلك المعطيات، لا تبدو هارفى قد أخطأت فى كلماتها، الأقرب، أن السؤال فاجأها، فيما لم يكن هناك تنسيق مسبق معها، من جانب جون كيرى، ومن قبله، من جانب البيت الأبيض، بالمضمون الجديد للتعامل مع مصر، ومع كل الأحداث التى شهدتها بعد 30 يونيو، فما كان منها إلا الحديث من واقع الدفاتر القديمة، فجاءت تصريحاتها مؤلمة.

وبينما كان يُنتظر ردة فعل مصرية رسمية، قوية على كلمات هارفى المشككة فى براءة يد السلطة من دماء كثيرة سالت بعد عزل مرسى، على شاكلة استدعاء السفير الأمريكى بالقاهرة، أو القائم بأعماله، إلى مبنى الخارجية، كما يحدث من حين لآخر مع القائم بالأعمال التركى، كلما ذل لسان رجب طيب أردوغان بإساءات للسيسى والقوات المسلحة المصرية، إلا أن صدمة كلمات المتحدثة الأمريكية ألجمت السلطة، باستثناء تصريحات صحفية وتلفزيونية، للمتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير بدر عبد العاطى، قال فيها: (هذه التصريحات الممجوجة تنم عن قصور وجهل كامل لحقائق الأمور فى مصر، وتفتقر إلى أبسط قواعد المصداقية والموضوعية)..

غير أن القاهرة صدمت مرة أخرى، واشنطن لم تعتذر، ولم تقدم حتى تبريرًا لتصريحات هارفى، فما كان من الأولى إلا التصعيد، ولكن بنفس وطريقة أهدأ من المستخدمة مع أنقرة.

الخارجية المصرية، لجأت لأساليب الاعتراض المسقوف، والتى تنطوى على (عقلانية أكثر من الحماسة والغضب والتهور)، بأن كشف بدر عبد العاطى، بأنه بناءً على تعليمات من سامح شكرى وزير الخارجية، قامت السفارة المصرية فى واشنطن بتوجيه مذكرة احتجاج رسمية إلى الخارجية الأمريكية، تضمنت رفضاَ كاملاً لتصريحات نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، مارى هارفى، والتأكيد على أنها لا تمت للواقع بأى صلة، فى حين طالبت المذكرة بضرورة أن تعكس تصريحات المتحدثين الرسميين باسم الخارجية الأمريكية مستقبلاً الحقائق.

المثير أن الخارجية الأمريكية لم ترد، حتى كتابة تلك السطور، باعتراف بدر عبد العاطى نفسه، ما يطرح تساؤلًا حرجًا، مفاده هل ستواصل القاهرة سياسة التصعيد، دفاعًا عن 30 يونيو، أم أن احتجاج سفيرها بواشنطن، هو المنتهى بالنسبة لها، تجنبًا لتوتر جديد مع واشنطن؟..

فى المقابل، بدا أن الإدارة الأمريكية استشعرت خطورة ما من مواصلة مزيد من الضغط على القاهرة، فى ظل الحاجة إليها بشأن غزة، على وجه التحديد، فتصدى أوباما بنفسه لمحاولة تلطيف الأجواء، خصوصًا أن الأخير تورط فى إساءة أخرى قبل أيام، كشفت عنها مكالمة هاتفية، جمعته ببنيامين نتنياهو، وسربها الإسرائيليون مؤخرًا، وفيها اتضح أن الرئيس الأمريكى يمارس ضغطًا على تل أبيب لوقف عدوانها على غزة، لا من أجل إفساح الطريق أمام تطبيق المبادرة المصرية المطروحة لإنهاء الأزمة فى القطاع، ولكن لإتاحة المجال أمام وساطة قطرية وتركية، بين الدولة العبرية وحماس، الأمر الذى سيمثل ساعتها انتصارًا للفريق الإقليمى المناوئ لمصر، والذى تتصدره الدوحة وأنقرة.

لكن أوباما وإدارته، أبا أن يعتذر بوضوح، ولجأ إلى التصريحات المسربة، حيث نقل عن رسالة بعث بها الرئيس الأمريكى إلى مركز العلاقات المصرية الأمريكية المؤيدة للإخوان فى واشنطن، قوله إن (الرئيس الأسبق محمد مرسى أثبت عدم الاستمرار أو القدرة على الحكم بصورة تشمل كل الأطياف السياسية فى مصر، فى حين استجابت الحكومة الانتقالية التى حلت محله لرغبة الملايين من المصريين الذين آمنوا بأن الثورة سارت فى اتجاه خاطئ)، هنا أوباما يقول عكس ما نطقت به هارفى، مؤكدًا أن سلطة ما بعد 30 يونيو نزلت على رغبة الشعب، ولم تواجهه.

وتابع فى شبه رسالة تأييد للرئيس: (إن رئيس مصر الجديد عبد الفتاح السيسى تعهد باحترام الحريات الأساسية للمصريين والحكم بصورة تشمل كل الأطياف السياسية، وهو الأمر الذى رحبت به الولايات المتحدة، وقد تعمدت واشنطن تجنب تأييد أى جماعة فى مصر، وكان اهتمامها هو تشجيع أى حكومة تعكس إرادة الشعب المصرى وتعترف بالديمقراطية الحقيقية).

قبل أن يقول بوضوح (إن الولايات المتحدة ستحافظ على إقامة علاقات بناءة مع الحكومة المصرية الجديدة التى تدعم المصالح الرئيسية مثل مكافحة الإرهاب ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وإن كانت لم تمض قدمًا فى مجالات الاستثمار على النحو المعتاد، وسوف يعتمد دعمنا الكامل على التقدم الذى تحرزه مصر فى تدعيم مسار الديمقراطية).

ومع أن كلمات أوباما، هى الأقوى من حيث التأييد الأمركيين للنظام المصرى بعد الإطاحة بالإخوان، إلا أنها تظل غير رسمية، ولم تصدر عن البيت الأبيض، ومن ثم تترك الفرصة للتشكيك فى صحتها، وهو ما التقتطه صحيفة يومية مصرية، ناطقة بلسان الجماعة، فى الوقت الحالى، نافية أى علاقة لمركز العلاقات المصرية الأمريكية بالتنظيم، زاعمةً أن الأخير لم يرسل لأوباما أى رسالة، والأخير لم يرد عليه بشىء..

ذلك كان فاصل من لعبة التجاذب والضغط، بين القاهرة وواشنطن طيلة الأيام القليلة الماضية، فهل لدى صانع القرار المصرى، استراتيجية محددة لموازنة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، مستقبلًا، بحيث تصبح ندية على نحو حقيقى؟..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: