الشارع السياسى

إرهاب الثعالب الصغيرة تحقيق / ابراهيم البسيونى

تحقيق / ابراهيم البسيونى

صحيح أن هدف إسقاط الدولة هو المسيطر على عقلية تيارات وجماعات العنف والإرهاب المسلح الجديدة في مصر، وخاصة تلك التي ظهرت على السطح بعد عزل محمد مرسي ونظامه وأهله وإخوانه وعشيرته من سدّة الحكم، إلا أن الغاية من ضرب وتركيع مؤسسات السلطة، لم تعد هي ذاتها تلك التي حرّكت فصائل عدّة من التكفيريين في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

موجة جديدة من الخلايا التكفيرية الصغيرة تضرب مصر

بدعم إخواني وإقليمي

انسحاب جماعات العنف التقليدية التي ظهرت في

الثمانينيات والتسعينيات لصالح جماعات عنقودية بلا

قيادة

التنظيم أسّس خلايا وهمية لتشتيت الأمن.. والإخوان

ينافسون في الملعب الإرهابي بـ«مولوتوف» و«ولّع»

 في تلك الحقبة، أراد البعض إقامة حكم الإسلام، وفرض شريعته بالرصاص، أما دعاة التطرف اليوم فيتحركون بدوافع ثأرية جرّاء إزاحة الجماعة خارج قصر الاتحادية.. يرفعون شعارات نصرة الدين، وهم في الأساس يساندون طالبي الولاية.

تباين خلفية الأهداف بين إرهابييّ اليوم والأمس، إنما يعكس خلافًا كبيرًا بينهم في طبيعة التنظيمات المتطرفة نفسها، وفي هياكلها وقياداتها ومرجعيتها الفكرية وولاءاتها، وفي شكل عملياتهم المسلحة، وكذا في نوعية الأشخاص أو المؤسسات المستهدفة منها.

قبل ثلاثة عقود أو أكثر، كانت الساحة المصرية تعرف فصيلين مسلّحين كبيرين: الجماعة الإسلامية والجهاد. كان اتحادهما الأشهر تحت راية عمر عبد الرحمن، في عمليتي اغتيال السادات في أكتوبر 1981، وقتل 120 ضابطا وجنديا في أسيوط. الأخيرة عُرفت إعلاميًا بقضية الجهاد الكبرى. فيما وقف كل منهما منفصلًا خلف مجموعة من الجرائم الأخرى.

السادات

الجماعة الإسلامية نُسب لها مثلًا قتل رئيس مجلس الشعب الراحل الدكتور رفعت المحجوب، والمفكر الراحل فرج فودة، فضلًا عن تضارب الرأي بين قادتها حول مسؤوليتها عن مذبحة معبد حتشبسوت بالأقصر في العام 1997، إلى جانب ضلوع بعض عناصرها في المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ناهيك عن تورطها في سلسلة هجمات على السياح الأجانب والأقباط ومحال الذهب، على مدار سنوات متصلة.

أما تنظيم الجهاد، فارتبط اسمه، على سبيل الإشارة لا الحصر، بعدّة محاولات فاشلة لاغتيال مبارك بشوارع القاهرة، ومحاولتين لم يحالفهما النجاح لقتل رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي، ووزير الداخلية الأسبق حسن الألفي، بينما تورّط أيضًا في تفجير السفارة المصرية في إسلام أباد، والسفارتين الأمريكيتين بكينيا وتنزانيا.

ورغم كمّ الدماء الذي سال جرّاء عنف التنظيمين، فإنهما قد استقلّا قطار المراجعات الفكرية ونبذ العنف في النهاية. الجماعة الإسلامية كانت أسبق بنحو عقد في هذا الشأن. كما أن كل عناصر الجهاد، وبالأخص ممن هربوا خارج مصر، أو انضموا للقاعدة، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن، لم ينضوا تحت لواء السلمية، ورفضوا أي بادرة للتصالح مع المجتمع والسلطة، وظلوا متمسكين بتكفيرهما. لكن في الأخير، فالغالبية العظمى نحّوا السلاح جانبًا.

مبارك

اللافت، أن الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، كانا قد انطلقا من نفس ذات المنبع الفكرية الظلامي، عن فكر سيد قطب التكفيري نشير. والمثير أنهما وقادتهما وكتُبهما كانوا ملهمين للإرهاب العالمي، وخاصة بعد أن شاركت عناصر تنتمي لهما، في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. لكن تأثرها بالكيانات الإرهابية الخارجية، ظل محدودًا. ربما في تقنيات العنف المسلح على الأرض فقط.

ببساطة، أسامة بن لادن لم يكن ليتزعّم تنظيمًا بحجم وشراسة وإلهام القاعدة، لو لم يلتق الظواهري. الأخير منحه التأصيل الفكري والهدف السياسي. إرهابيو مصر في الثمانينيات والتسعينيات، كانوا مصدرًا للتأثير، لا تابعين.

غير أن ساحة التكفيرين والمتطرّفين في مصر، في تلك الفترة لم تكن حكرًا فقط على الجماعة الإسلامية والجهاد، ولا على زعمائهما من شاكلة كرم زهدي وناجح إبراهيم وعبود وطارق الزمر وعبد الآخر حماد وعصام القمري وسيد إمام.. وغيرهم. كانت هناك تنظيمات كبيرة نوعًا ما، ومؤثّرة غيرهما، منها التوقف والتبيين، والتكفير والهجرة، والقطبيون، والشوقيون، فضلًا عن بعض الجماعات الصغيرة المنبثقة عن تنظيم الجهاد، وأشهرها الناجون من النار، والوعد. أسماء قادة تلك الكيانات ومنهم مجدي الصفتي وعلي إسماعيل وشكري مصطفى وشوقي الشيخ، كانت ملء السمع والبصر أيضًا.

أسامة بن لادن

هكذا كانت خريطة التنظيمات المسلّحة بمصر في الماضي، كيانات كبيرة في الأغلب. الصغار مكانهم في الهامش. الهدف من عمليات الكيانات المسلّحة القديمة ظل يدور في فلك تأسيس دولة إسلامية على نسق عصر النبوة والحكم الرشيد، ولكن بعقلية حجرية معتمة رجعية تكفيرية.

أما الآن، فالجماعات التكفيرية تقف على طرف نقيض من الجماعة الإسلامية والجهاد. الساحة تكتظ بتنظيمات صغيرة، أقرب إلى الخلايا، إن لم تعلن انتماءها التنظيمي للقاعدة، أكدت ولاءها الفكري له، ومن بعده لتيار السلفية الجهادية، بينما بعضها يقوده جهاديون قدامى (نبيل المغربي مثالاً) انقلبوا على المراجعات، أو لم يؤمنوا بها من الأساس. أشهر تلك الجماعات أنصار بيت المقدس، وأنصار الشريعة، والذئاب المنفردة، والتوحيد والجهاد، وأجناد مصر، وكتائب الفرقان.

ناهيك عن الخلايا الإخوانية الناشئة كردّ فعل على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، والتي كان أعضاؤها قد تلقوا، إبان حكم مرسي، تدريبات عسكرية في غزة، في ظل رغبة الجماعة آنذاك في تأهيل جيش قتالي من شبابها، يكون تحت أمرها عند اللزوم. ولّع ومولوتوف الأكثر حركة على الأرض من بين تلك الخلايا.

بحسب معلومات مؤكّدة، حصلت  عليها المساء نيوز  ، من مصادر جهادية متطابقة، فإن جميع أفراد تلك التنظيمات والخلايا التكفيرية سواء الموجودة في سيناء، أو التي تنشط في عدد من محافظات الدلتا، وبقلب العاصمة، قد تلقّوا تدريبات على يد قادة بيت المقدس (في سيناء في الأغلب)، قبل أن يتم تخييرهم بين البقاء تحت لواء التنظيم، أو العمل ضمن كيانات منفصلة.

أنصار بيت المقدس

إضافة إلى أن تنظيم أنصار بيت المقدس نفسه، يلجأ لتأسيس كيانات موازية من أعضائه، ويمنحها أسماءً وهمية في الأغلب، مستخدمًا في ذلك تويتر وفيسبوك وفضاء الإنترنت. لا لشيء إلا لتشتيت الأمن. بعض العمليات الأخيرة مثل تفجيرات جامعة القاهرة، أعلن تحمّل مسؤوليتها كلٌ من بيت المقدس وأجناد مصر.

127707_1396627281إذن الثابت الآن، أن مصر انتقلت من عصر عنف الجماعات المنظمة الكبيرة، إلى إرهاب الثعالب الصغيرة الذي ترعرع وازدهر وقويت شوكته إبان عهد الإخوان، وتحت سمعهم وبصرهم، وبمباركة مطلقة منهم، رغبة في استخدامه ضد خصوم الجماعة.

لكن إرهاب الثعالب الصغيرة يتمتّع بميزة لم تكن لدى من سار على دربه في الماضي.. التكنولوجيا وتطورها يساعدانه بشدة. حاليًا لا يُلجأ فقط للهجوم المسلح على الهدف، ولا يُكتفى بزرع قنبلة أو عبوة ناسفة في طريقه. مصر باتت مرتعًا للسيارات المفخخة وقنابل الهواتف المحمولة واستشهاديِّ الأحزمة الناسفة.

بالأمس كان استهداف رجال الشرطة ورموز النظام من الوزراء والساسة والمفكرين والفنانين هدفًا للإرهاب. اليوم أضيف لقائمة الملاحقين، بتحريض إخواني صارخ، رجال الجيش.

اغتيال ضباط الشرطة

الثعالب الصغيرة، لا قيادة بارزة لها. وفي أحيان كثيرة تكون القيادة غير معروفة من الأساس. احتمال المراجعات الفكرية لديها لا يجاوز الصفر بالمئة، على الأقل حتى الآن. الغطاء السياسي، وربما المادي من الإخوان، سواء في أثناء حكم مرسي أو بعد عزله، وكذا من جانب أطراف وأنظمة إقليمية داعمة للجماعة، يمنحها قوة مضاعفة.

مصر في أزمة حقيقية. أجهزة الأمن والمعلومات أمام كارثة الجهل بعناصر الإرهاب الجديد. وبالتالي فنمط المواجهة لا بدَّ أن يتواكب مع عنف الخلايا العنقودية الصغيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: