مجدي سبلة يكتب.. (في وداع محفوظ عجب!)
الثقافة المصرية ثرية جداً بالشخصيات التي رسمت من خيال روائيها بعناية وأصبحت رمزا لشيء ما وبقيت في الذاكرة وتم استخدامها للسخرية ممن يشتركون مع هذه الشخصية أو تلك في سمات وممارسات معينة، وقد خلد الأدباء المصريون والكتاب الصحفيون عددا من هذه الشخصيات وقامت السينما المصرية بدورها في تثبيت تلك الشخصيات في الذاكرة المصرية والعربية بشكل عام وربما في غيرها.
فكلنا نتذكر شخصية محجوب عبد الدايم لدى نجيب محفوظ تلك الشخصية التي رسختها السينما في فيلم القاهرة 30، ونتذكر عباس العرسة الموظف المنافق في كتابات الراحل العظيم أحمد رجب ونتذكر محفوظ عجب عند الكاتب الصحفي الراحل موسى صبري والتي خلدتها السينما المصرية أيضا.
وكما ذكرنا فقد تحولت هذه الشخصيات في الثقافة المصرية إلى رموز معينة وأصبحت تطلق على أشباه هذه الشخصيات في بعض المهن.
وقد تلتقي في حياتك أو في المصلحة التي تعمل بها بمحجوب عبد الدايم أو بمحفوظ عجب أو بعباس العرسة ويقوم الموظفون بوصفه فيما بينهم بهذا الاسم أو ذاك، ولكن من الصعب أو من الصدفة أن تلتقي الثلاثة معا في مصلحة واحدة، وإذا حدث ذلك على أرض الواقع فبشر هذه المصلحة بالتراجع السحيق .
الذي حدث في المصلحة التى نحن بصددها ذات سمعة وصيت أن هؤلاء الثلاثة لسوء الطالع وجدوا فيها معا بل ووجد معهم شخصيات جديدة لم يتطرق خيال الروائيون إليها أو خيال الكتاب والفنانين من قبل على اعتبار أن ظهور أي شخصية يرتبط بتوفر بيئة معينة ويتصل بدرجة ما بكل التطورات والتغيرات التي تطرأ على المجتمع والتي تظهر في ظلها تلك الشخصيات.
ومن بين الشخصيات التي ظهرت إلى جوارهم في المصلحة ذات السمعة والصيت شخصية شملول الحصاوي التي لم تكن موجودة في كل الأدبيات السابقة لأنه ليس من الطبيعي أن تلتقي ولو كل خمسمائة عام بشخص به كل سمات شملول الحصاوي، فشملول الحصاوي يمثل طفرة غير عادية لأنه يحمل خليطا من صفات محفوظ عجب المتلون الذي يأكل على كل الموائد وصفات محجوب عبد الدايم الذى لم يعرف الشرف بل ويحمل من صفات عباس العرسة نفسه، فإذا كان عباس العرسة قد نافق رئيسه في العمل قائلا: دخان سيجارة سعادتك كحل لعنينا يا سعادة الباشا ورزاز كحة سعادتك بلسم أي والله! فإن شملول الحصاوي ومحجوب انبطحا على الأرض وقبلا حذاء رئيسهما لكي يأخذهما معه عند انتقاله للمنصب الجديد لأنه لو تركهما ورحل فستأكلهما الذئاب حسب اعتقادهما بسبب ما ارتكبوه من جرائم!
إذن لم تكن نكبة المصلحة ذات السمعة والصيت مردها لوجود الثلاثة المشار إليهما فقط، ولكن لوجود شملول الحصاوي وشلبية البرجوازية وبديعة الحيزبون وعطعوط وفريق الخدام والمطايا الذي يضم كاظم وأبو الأكارم الدفاس وأبو جاموس وبعض النساء!
الاستاذ موسى صبري في دموع صاحبة الجلالة قدم لنا شخصية ” محفوظ عجب ” وعرفنا سماتها جيدا وأصبحنا نراها في مهنتنا من وقت لآخر ،فهي تظهر وتختفي في بيئة معينة كما تظهر الفيروسات والأوبئة ،ومحفوظ الذي ظهر في السنوات الأخيرة ولا يزال موجودا قد تفوق على “محفوظ موسى صبري” كما تفوق محجوب القاهرة 2024 على محجوب القاهرة 30 فقد تعدى محفوظ الحالي البرجماتية إلى الانتهازية الشديدة ولعب على كل الحبال وأكل على كل الموائد، حيث بدأ حياته في قارب المعارضة وصنع زعامة وهمية من هذه المعارضة، وفي سنة حكم الايدلوجية الأصولية أعلنها بلسانه أنه منهم تماما كما فعل ذراعه الأيمن شملول الحصاوي، وبعدها قفز في قارب النظام لعله يجد الفرصة الأفضل، وتحول محفوظ فجأة من شخصية منقبة بحثية يتم استضافتها في البرامج للحديث عن مجال خبرته إلى شخصية إعلامية كبيرة، وساعده القدر أن يتولى مسئولية إعلامية كبيرة
وحتى عندما بلغ سن التقاعد استمر في منصبه دون أي قرار رسمي بذلك ، وأمعن القدر في مساعدته حيث استوفى الفترة الرسمية للمنصب وفقا للقانون ولكنه مستمر وملء السمع والبصر !
محفوظ العصر والأوان أطلق حرافيشه منذ فترة ليروجوا أنه سيكون وزيراً ، وعندما أيقن أنه لا وزارة له روجوا أنه سيعتلي مسئولية اخرى تبدو أفضل من التي هو فيها ،وإذا لا قدر الله لم يحدث ذلك فسوف يطمح أن يكون له موقعاً برلمانياً في العام القادم، والمهم أن يبقى في المشهد.
هذا هو محفوظ عجب العصر والأوان، يتسلق بهدوء ويتغلغل بخبث لتحقيق أغراضه .
هو ليس أسوأ “محفوظ” نراه بعد محفوظ “موسى صبري” ولكنه الأخطر بين كل “المحافيظ” إن صح هذا الجمع نحويا، لأنه منذ سنوات قليلة وعندما كان هناك حديث عن مغادرته موقعه ، شارك في حوالي ثلاث مؤتمرات لجهات ليست قوميه وأطلق خلالها تصريحات يغازل بها المعارضة غزلا صريحا، وشاء القدر ان يستمر في موقعه ، ولكنه قام بتحويل الدفة بسرعة إلى الاتجاه الآخر، فهو سريع الانقلاب إذا انتهت مصلحته مع اتجاه او تيار معين ،ولا يعلم إلا الله أين ستكون وجهته القادمة.
هذا مجرد نموذج لهذه الشخصية الانتهازية الموجودة في كل الأزمنة، وهذا أمر طبيعي، ولكن المؤسف حقاً هو استمراره كل هذا الوقت، وثالثة الأسافي أن يستمر في موقعه أو يستكمل انتهازيته في مواقع أخرى، ووقتها سنقول انه زمن محفوظ عجب!
عندما بلغ محفوظ سن التقاعد – وهو يعتلي منصباً حكوميا في المصلحة ذات السمعة والصيت ً- كان من المفترض قانوناً والمتعارف عليه أن يتقاعد أو أن يصدر له قرار بالمد في الخدمة طالما دعت الحاجة لوجوده ، ولكن ما حدث مع محفوظ كان ولا يزال أمرا غريبا، فقد بقي في مكانه ينتظر ويقول أن القرار سيصدر قريباً، ولكن لم يصدر أي قرارات واحتار شملول الحصاوي مسئول الحصالة بالمصلحة كيف سيتصرف تجاه راتب محفوظ وعلى أي أساس سيصدر له راتبه، ولكن سرعان ما زال الخوف لدى شملول بعد أن طمأنه رجل القانون الجهبذ الذي قال له اصرف الراتب ولا تخشى شيئا، واستجاب شملول الذي قام في قادم الأيام بفعل كل شيء بالقانون وبغير القانون لأنه يستمد الدعم من رجل القانون الجهبذ! ولم يكن عجيبا بعد طمأنه رجل القانون الجهبذ لشملول أن يوافق الرقيب المالي هو الآخر على صرف الراتب لشخص بلغ سن التقاعد دون أي سند قانوني، ولم يكن هناك غرابة في عدم تسجيل الجهات التي تراجع الأمور المالية بعد الصرف فيما بعد لأي ملاحظة حول هذا الموضوع!
واستمر محفوظ إلى يومنا هذا – أي ما يقرب من خمس سنوات – في هذا الوضع الغريب .
والواقع يقول ان محفوظ رئيس غير شرعي للمصلحة وأنه يتقاضى راتبه دون سند قانوني طوال ٥٨ شهراً .
ليس هذا فقط هو الغريب ، ولكن الأكثر غرابة هو أن لائحة المؤسسة – المنكوبة برئاسته – تنص على أن مدة الرئاسة هي ثلاث سنوات يجوز تجديدها لمرة واحدة فقط ، والحقيقة أن محفوظ لم يصدر له تجديد بعد السنوات الثلاثة الاولى ( وتلك مخالفة ) ، بل إنه أنهى السنوات السته – وفقا للائحة – منذ ما يقارب الستة عشر شهراً ، وبالرغم من ذلك فهو مستمر في عمله دون قرار ودون سند ، ويمارس عمله!
لم يجرؤ شملول الحصاوي رغم كل ما سبق أن يطالب بأي سند قانوني ، ولكنه في المقابل قام بالعبث مالياً بميزانية المصلحة ونهبها هو ومحجوب عبد الدايم كما يشاءان .
ولو علمنا كيف يتعامل محفوظ عجب العصر والأوان مع المال العام داخل مؤسسته فلن نستغرب أن يقوم شملول الحصاوي ومحجوب عبد الدايم بكل ما قاما به من إهدار لميزانية تلك المصلحة.
فعندما نفذت الدولة أسبوع الصعيد بحضور القيادة السياسية بالبلاد لذلك الحدث الكبير الذي أظهر الاهتمام غير المسبوق للقيادة السياسية بصعيد مصر الذي كان محروما من قبل من أشكال التنمية الحقيقية، في ذلك الوقت كان محفوظ وكل نظرائه مدعوين لهذا الحدث الكبير وكانوا ينتقلون من محافظة إلى المحافظة التي تليها وفقا للبرنامج ، إلا محفوظ كان يصر على أن يذهب إلى مكان الحدث ويعود للقاهرة ، ثم في اليوم التالي يذهب للمحافظة التالية ويعود أيضا للقاهرة ، وكان السفر بالطيران بطبيعة الحال على حساب المصلحة، فكم تذكرة طيران استخدمها محفوظ دون ضرورة؟، وكم تذكرة طيران ضاع ثمنها نظراً لتغيير محفوظ لمواعيد سفره؟ ، وكم تذكرة تم تغيير موعدها ودفع الفرق المالي ؟
وكذلك كم مرة تم حجز ( جناح فندقي ) لسيادته في كل محافظة ، وكم مرة من هذه المرات لم يذهب أساسا للفندق؟،وحتى حينما ذهب للفندق لم يمكث أكثر من ربع ساعه ، فكم كانت تكلفة فنادق سيادته خلال هذا الأسبوع ؟
وكم سيارة تم استئجارها لسيادته لتنتظره وتتحرك به؟، وكم مرة استخدم هذه السيارات ، وكم مرة ضاعت قيمة الايجار هباءً لأنه لم يستخدمها ،لأنها سيارات لا يسمح لها الدخول في النطاق الجغرافي للحدث وفقاً للإجراءات المعمول بها.؟
وطبعا شملول الحصاوي لم يجرؤ أن يتحدث في مثل هذه الأمور، إلى جانب أنه وجد القدوة والمثل ليهدر هو الآخر كيف يشاء!
قد يتعجب محفوظ العصر والأوان لأننا عرفنا كل هذه المعلومات وعرفنا ما دار بينه وبين نظرائه وبعض القيادات خلال ذلك المحفل الكبير، حيث كانوا جميعا يستعدون لمغادرة المحافظة والتوجه للمحافظة التالية للمبيت بها لمتابعة الحدث في صباح اليوم التالي، وإذا بمحفوظ يقول لهم “أنا راجع القاهرة وأجيلكم الصبح” ،الطيارة ساعة زمن فقط!” ، فرد نظيره قائلا: ( ده كده يعتبر اهدار مال عام ، ما احنا كلنا موجودين!!!! وتعالت قهقهة الجميع!
وفي اللحظة الحالية يعيش أبناء المصلحة ذات السمعة والصيت لحظة أمل وسط الإحباط الذي يخيم على أرجاء هذه المصلحة التي خرجت من التاريخ خلال رئاسة محفوظ عجب لها والتي سيتركها طال الزمان أو قصر غير مأسوف على رحيله إلا من حاشية هي الأسوأ في تاريخها، فلن يحزن لرحيله سوى شملول الحصاوي ومحجوب عبد الدايم وشلبية البرجوازية مدرسة التعليم الأساسي التي أصبح لها شأن واعتبار في عهده وبديعة الحيزبون الإدارية التي عادت للوظيفة بعد تقاعدها وكاظم الذي “لهف” عشرة آلاف ملطوش بالعملة الصعبة ولم يحاسب وأبو الأكارم الدفاس ونجلة مواعظ التي اختلست ونجت بكرامات محجوب عبد الدايم.
وبطبيعة الحال سيحزن البطريق وأبو جاموس وكل الخدام والمطايا الذين وردت أسماؤهم في كشوف البركة التي يعدها شملول الحصاوي.
أما بقية الناس فيوجهون لمحفوظ عجب العصر والأوان الشكر بلغتهم الخاصة ويقولون له يوم رحيله المأمول:
شكرا على كل المظالم التي حدثت في عهدك.. وشكرا على أن خمسة بالمائة فقط معظمهم من حاشيتك قد حصلوا في عهدك على 80 بالمائة من ميزانية المصلحة وأن 95 بالمائة حصلوا العشرين بالمائة الباقية!
شكرا لأنك فرضت علينا محجوب عبد الدايم سكرتيرك الذي جاءه يوما ليدير إعلاميين يفوقونه في كل شيء.
شكرا على حمايتك لشملول الحصاوي من طائلة القانون بسلاحك الذي يأبى أي مسئول غيرك أن يستخدمه وهو أن كل ما ارتكبه كان بموافقة السلطة المختصة!
شكرا لأنك سمحت لشملول ومحجوب أن يبنوا جدارا عاليا وسميكا بينك وبين مرؤوسيك ولم تفتح بابك لكل من أراد أن يستجير بك من بطش وظلم رجال حاشيتك!
شكرا لأن وقتك لم يسمح لكي تعير هذه المصلحة أدنى اهتمام وأعطيت صلاحياتك لشملول الحصاوي ليفعل كل شيء بموافقة السلطة المختصة ويمنح أكثر من أربعة ملايين جنيه لأحد عشر شخصا خلال عام مالي واحد وبقية أبناء المصلحة يعيشون على حد الكفاف لكنهم شاكرين حامدين !
شكرا لأنك استعنت برجال قانون محترفين لكي تؤدب من تريد وقتما تريد وسمحت بتلفيق القضايا للمظاليم وحطمت أقدار العباد!
شكرا لأنك أبقيت سيدة وراء البحار دون أن تخضع لأي اختبار لتأخذ مكان غيرها دون حق وتترك من أخضعته لمائة امتحان وأخرت سفره لمدة عامين مكسورا حزينا كمصابيح الشوارع !
شكرا على المكاتب التي أغلقت.. شكرا على الملايين التي ضاعت على عمال بلا عمل في الخارج لأنك صدقت شملول الحصاوي وشلبية البرجوازية وأبقيت على هذه العمالة …شكرا لأنك الوحيد الذي حول الدجاجة إلى بطة.. شكرا لأنك لم تدافع عن المصلحة ولم تكن يوما نصيرا لها.. شكرا لأنك قتلت التفوق والطموح فيها عندما أغلقت مكاتبها ولم تحسن الدفاع عنها ….شكرا لأن ضعفاء النفوس في عهدك امتطو ظهور الشرفاء!
شكرا لأنك قمت بدور أبو الهدد وأخرجت المصلحة من التاريخ.
كاتب المقال رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال السابق.
مقالات الرأي المنشورة لا تعبر عن سياسة الصحيفة وإنما تمثل رأي كاتبها فقط
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.