مجدي سبلة يكتب .. (الاستعلامات..هيكلة أم تصفية؟)
اشيع في الفترة الأخيرة أن هناك عملية اعادة هيكلة جديدة للهيئة العامة للاستعلامات، فهل ما يجري بالفعل على الارض هو عملية هيكلة أم تصفية لهذه الهيئة التي أنشأت منذ حوالي ٧٠ عاما وكان لها دور كبير في تغذية أجهزة الدولة بالمعلومات والتقارير الميدانية التى تعبر عن حالة الناس والعمل على تحسين صورة الدولة في الخارج من خلال مكاتبها التي كانت موجودة بالسفارات المصرية بالخارج وتم تجميد نشاط ما كان باقيا منها.
والحقيقة إن ما حدث لهذه الهيئة خلال سنواتها الأخيرة يبين أن هذه الهيئة في طريقها إلى التصفية والانتهاء حيث جرى لها خلال السنوات الماضية عدة إغلاقات متتالية لمكاتبها ولأنشطتها على مستوى الخارج والداخل.
والغريب في الأمر أن هذه المؤسسة بالذات لم يطرأ عليها أي تطوير من أي نوع على عكس الكثير من المؤسسات في مصر والعالم كله ومثل مؤسسات كثيرة في طريقها للتصفية والأخفاق ، فأدوات هذه الهيئة وأنشطتها هي نفسها التي كانت موجودة من أكثر منذ عشرين عاما، فما هو السبب في ذلك؟ لماذا لم تطرأ عليها التغيرات التي طرأت على غيرها في هذا العصر؟
ولكي نوضح الفارق بين الاستعلامات وبين غيرها من المؤسسات نطرح عدة أمثلة، فهل مصلحة البريد مثلا هي نفسها مصلحة البريد قبل عشرين عاما من حيث الأدوات والقدرة على تقديم الخدمة؟ هل مؤسسات الإذاعة والتلفزيون هي نفسها من حيث الأدوات والتقنيات المستخدمة؟
الإجابة على ذلك واضحة للجميع فالفرق بين الخدمات التي تقدمها مصلحة البريد للإنسان وهو نائم على سريره تؤكد حجم التطور الذي حدث!
ولكن الهيئة العامة للاستعلامات بقيت بنفس أدواتها ونفس أنشطتها التي كانت تقوم بها قبل ربع قرن ولم تتطور مع العصر، ولم يسعى أحد من الذين تولوا إدارتها خلال هذه السنوات الماضية لعمل أي تغيير لأنهم جميعا أتوا إليها كمحطة ترانزيت كوظيفة مؤقتة انطلقوا بعدها للعمل كسفراء بالخارج، حتى جاء رئيسها الحالي الذي لم يكن لديه الوقت لتطويرها أو حتى متابعة ما يجري فيها وفوض بعض الموظفين غير الأكفاء
بالقيام بكل صلاحياته وكان أكثر شيء حدث في عهده هو الإغلاق المتتالي للمكاتب وللأنشطة بدلا من تطويرها حتى أصبحت الهيئة خارج سياق الزمن ووصلت إلى وضعها الحالي لتواجه سيناريوهات كلها أقرب لبعضها لأن نتيجتها واحدة وهي انتهاء دور هذه المصلحة بعد سبعين عاما من إنشائها!
ما يتم تسريبه خلال الشهور الماضية يبين أن الهيئة تمضي بسرعة نحو التصفية التامة إذا صحت هذه التسريبات. فالذي يقال أن أكبر قطاع فيها من حيث عدد الموظفين الموجودين هو قطاع الإعلام الداخلي الذي يقوم عمله على تنفيذ ندوات ومحاضرات وحلقات نقاشية حول سياسات الدولة واهتماماتها وإعداد تقارير عن هذه الندوات وإعداد تقارير وصفية عن الرأي العام واتجاهاته حول كافة القضايا داخليا وخارجيا وحول الأداء الحكومي في المحافظات المختلفة وهذا نوع من الإعلام المباشر أن صح لأحدث وعيا جمعيا في المجتمع ، وهذا القطاع معرض وفق التسريبات والتوقعات إلى التصفية أو إلى مغادرة الهيئة!
وقد حدث لهذا القطاع خلال ولاية رئيسها الحالى نوع من التجريف فتوقفت معظم أنشطته مثل الرأي العام ونادي الطفل ونادي المشاهدة ومحو الأمية ولم يبقى به سوى بضع ندوات عن قضايا ومحاور اعلامية يتم تحديدها بخطة .
أي أن ما تبقى من أنشطة لا يمثل ربع ما كان يقوم به هذا القطاع من أنشطة في الماضي.
والذي يتردد حاليا أن هذا القطاع الأكبر عددا أمامه مصير من ثلاثة في الأيام القادمة، فإما أن يتم نقل القطاع إلى المجلس الأعلى للإعلام، وهذه عملية تصطدم بعقبة دستورية وهي أن المجلس الأعلى للإعلام هيئة تنظيمية إدارية للهيئات الإعلامية ولا تختص بتنفيذ أعمال اعلامية فنية من أي نوع، والمصير الثاني هو نقل موظفي هذا القطاع إلى المحليات كل في محافظته وبالتالي تفكيك القطاع وانتهائه. اما المصير الثالث فهو تفكيك الهيئة العامة للاستعلامات برمتها وإلغاء جميع قطاعاتها ليذهب المركز الصحفي المسئول عن الصحفيين الأجانب إلى المجلس الأعلى للإعلام ولتذهب مكاتب الإعلام الخارجي لوزارة الخارجية اذا قدر لها أن تعود للحياة أصلا.
هذا المصير المنتظر وستنقل ادارتى الرأى العام والمعلومات إلى مركز معلومات مجلس الوزراء وهذه الهيكلة يسأل عنها رئيس الهيئة الحالى ومجموعة من الشيوخ المتقاعدين الذين اعتمد عليهم دون سواهم في تقرير مصير الهيئة برمتها.. فمن المفترض أن هؤلاء هو الأدري بشعاب هذه الهيئة وهم الأولى من غيرهم بالدفاع عنها وتوضيح دورها والسعي لترميمها والنهوض بها ولكن يبدو أنهم تصرفوا تجاهها ببواعثهم الشخصية البعيدة عن المصلحة العامة!
بالتأكيد لم تصل الهيئة إلى هذه المرحلة من فراغ ولابد أن هذه المرحلة سبقها لقاءات بين قيادات الهيئة وبين مسئولين كثيرين في جهات الدولة المختلفة وأن هؤلاء المسئولين الآخرين قد استمعوا بإنصات لقيادات الهيئة، ومعنى ذلك أن قيادات هذه الهيئة هم من كتبوا بأيديهم هذا المصير الذي تمضي الهيئة مسرعة تجاهه هذه الأيام، فماذا دار في تلك اللقاءات بين قيادات الهيئة وبين المسئولين من الجهات الأخرى؟، وهل طرحت قيادات الهيئة أي نوع من التطوير والنهوض بالهيئة بجميع أنشطتها والابقاء عليها ككيان؟ أم أن هؤلاء اعتمدوا على بواعثهم الشخصية البحتة بعيدا عن المصلحة العامة ؟
والسؤال المهم هنا : من هم هؤلاء المسئولين الذين تم تفويضهم للحديث باسم الهيئة العامة للاستعلامات مع الجهات العليا في الدولة؟ وعن ماذا تحدث هؤلاء؟ وهل دافعوا عن وجود الهيئة وإمكانية تطويرها وجعلها على مستوى العصر أم فعلوا العكس تماما؟ وإذا كان رئيسها لم يدافع عن وجودها وأهميتها وغير حريص على بقائها، فلن يكون لغيره حرص عليها لأنك لم تؤدي واجبك نحو تلك الدار!
الذي أعرفه أن أبرز مسئول تم تفويضه بالحديث لدى الجهات الأخرى هو رئيس قطاع الإعلام الخارجي السابق الذي تقاعد منذ عشر سنوات ولم يعد له لا ناقة ولا جمل في الهيئة ،أما رئيسها الحالى فهو رجل صاحب جدول مزدحم جدا بين الحوار الوطني والبرنامج التلفزيوني والسفر للإمارات ولم يجد من وقته الا القليل لكي يعطيه لهذه الهيئة ، فكيف ومتى قام الاثنان ومن معهما من قيادات ضعيفة بتقييم دور هذه الهيئة واتخاذ القرار المناسب نحو مصيرها؟
في تقديري الشخصي أن تطوير الهيئة لا يكون بيدي أشخاص على وشك الرحيل عنها أو أشخاص رحلوا عنها بالفعل.
والدليل على ما أقول بشأن من يحملون أمانة إدارة الهيئة والارتقاء بها هو حالة التخبط التي سادت فيما يتعلق بمكاتب الإعلام الخارجي التي أغلقت تباعا في عهد رئيسها الحالى وكانت آخر مجموعة مكاتب موجودة على قيد الحياة هي لندن وواشنطن وباريس وموسكو وبرلين والخرطوم وجنوب إفريقيا وتل أبيب، وقد اتخذ قرارا غريبا بشأن هذه المجموعة المتبقية من المكاتب حيث تم تجميد نشاطها عقب يوم عمل 31/12/2021 وحتى الآن وتم تسليمها للسفارات والتوجيه بإنهاء مهام الملحقين الإعلاميين الذين كانوا يعملون بها أيا كانت المدة التي قضاها أي منهم!
والأشد غرابة من القرار المشار إليه أن الهيئة أبقت المكاتب موجودة مجرد جدران وظلت حتى الآن تسدد إيجارا وكهرباء واتصالات وتسدد أجور عمال محليين لا عمل لهم منذ ذلك التاريخ وأهدرت عشرات الملايين دون أي جدوى!
فلماذا أنهت الهيئة عمل الملحقين الإعلاميين كان يجب التوضيح ربما يكون هناك رأى اصوب مما اتخذ ؟ وإذا كانت إجابتها على هذا السؤال مبررة بأنها أخذت توجيهات عليا بذلك، فما الذي يجعلها تسدد إيجارات ورواتب لعمال لا عمل لهم بلغت الملايين طالما أوقفت نشاط المكاتب؟
الإعلام الخارجي وبخاصة مكاتبه الخارجية الموجودة بالسفارات كان من الممكن الابقاء عليها وتطويرها عن طريق من هو قادم جديد لهذه الهيئة وليس من يوشك على الرحيل عنها أو من رحل عنها منذ عشر سنوات.
وإذا كان أداء المكاتب الخارجية قد تراجع في بعض الفترات فهذا يرجع لسوء الاختيار وعدم الشفافية في اختيار من يقوم بدور المستشار الإعلامي في الخارج وعدم وجود معايير ثابتة يتم على أساسها اختيار أصحاب هذا المنصب الهام!
وما يبكيك على الإعلام الخارجي والاعلام الداخلي هو أيضا ما يبكيك على قطاع المعلومات الذي يتضح من اسمه وتاريخه أنه يوفر المعلومات والبحوث والتراجم والنشرات من كافة ما ينشر ويذاع في العالم من كتب وصحف وقنوات تلفزيونية، وهو قطاع كان يقبل التطوير ويمكن أن يتحول إلى معين تأخذ منه كل أجهزة الدولة ما يعينها على مهامها! فأين سيذهب هذا القطاع أو كيف سيصبح في قادم الأيام في ظل الغموض الذي يحيط بمصير الهيئة، وفي ظل القلق الذي ينتاب الكثيرين من أبناء الهيئة ممن وضع مصير هيئتهم بأيدي قلة من القيادات التي لم تحسن الدفاع عنها وعن دورها أمام الجهات الأخرى!
لقد وصل القلق بكثير من أبناء الهيئة إلى حد التساؤل: هل رئيسها الحالى يعاقب الهيئة بسبب المشكلات التي وقعت فيها وأساءت إلي تاريخها العريق وبالتالي قام بوضع سيناريوهات سيؤدي أي منها في النهاية إلى وضع الهيئة في متحف التاريخ؟
في رأي الشخصي أن الهيئة العامة للاستعلامات كان من الممكن النهوض بها وتعيين موظفين على مستوى العصر وتقنيات العصر ليعملوا بها في الداخل والخارج بدلا من تصفيتها لا قدر الله، وأتصور أن مشروع لتصفية الهيئة كان ينبغي أن يستند إلى دراسات أكثر وإلى خبرات المتخصصين في الإعلام والسياسة والمعلومات.
أما إذا كان الأمر قد انتهى وسبق السيف العزل، وأصبحت الهيئة في ذمة التاريخ ،فلابد من المراجعة فيما مضى ، لأن الهيئة هذه الأيام (ويمكن لمن يهمه الأمر أن يتأكد بنفسه) تسود فيها حالة من الجدل والغضب بشأن الأمور المالية على وجه الخصوص وليس عيبا وليس تشهيرا بأحد أن نطلب من أصحاب الاختصاص بحث كل الأمور المالية والمتحصلات التي يحصل عليها قيادات الهيئة على مدار السنوات الماضية.
وقبل قيام مسئول الشئون المالية والإدارية بتجهيز كشوف المعدات والأدوات الخاصة بالهيئة لتسليمها للخدمات الحكومية كإجراء من إجراءات تصفية الهيئة، لابد أولا من فحص جميع المستندات المالية ومراجعة كل نفقات المصلحة على الأقل خلال العامين الماضيين، حتى لا تتنامى الظنون حول قيام بعض المسئولين بدفن الهيئة بكل ما فيها من مخالفات!
مجدي سبله رئيس مؤسسه دار الهلال السابق.
مقالات الرأي المنشورة لا تعبر عن سياسة الصحيفة وإنما تمثل رأي كاتبها فقط
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.