مقالات واراء

ذاك هو الحل

بقلم : حامد بدر

“مشهدٌ يخيم عليه وقار الهدوء، أعين مترقبة، وإنصات تام، الجميع وقوف بمجرد دخول القاضي، لتبدأ أحداث جلسة محاكمة علنية، طرفاها الأول وشاب ولجنة من المحلفين وأعضاء القضاء..
يبد المشهد:
القاضي: جون هل تقرّ بانك كنت تحضر لتنفيذ عملاً إرهابيًا؟
جون: كلا سيدي، ليس صحيحًا
القاضي “في صرامة ونظرة حادة”: جون .. هل تعتنق مذهبًا أو توجهًا متطرفًا او انك متعصب للبيض وله أيديولوجية نازية جديدة، حسب ما ورد بمحضر الشرطة؟
جون: كلا سيدي.
القاضي: لماذا قمت بحيازة وتنزيل معلومات عن صنع القنابل ووثائق حول التفوق الأبيض والإيديولوجية النازية؟
جون: لم تكن لدي نية لهذا، فقط رغبت في الإطلاع، ولكنني لن أفعلها مرة أخرى، فقط كانت الرغبة.
القاضي، في هدوء، محملقًا في أوراق القضية: طبقٌا للقانون يمكن أن أعاقبك بالسجن خمسة عشر عامًا كحد أقصى، لكنني فقط سألزمك بقراءة عدد من الروايات ل” تشارلز ديكنز، وويليم شكسبير، وجين أوستن، تعدني بذلك؟
جون: أعدك سيدي.
القاضي: الحكم هو عامين مع إيقاف التنفيذ، وأنت ملزم بمتابعة الشرطة خلاهما، وسأختبرك بنفسي مطلع يناير القادم فيما كلفتك به من قراءة، فلتبدأ من الآن.”

إلى هنا انتهى المشهد.
لم يكن المشهد السابق مجتزءًا من أحد الأعمال الروائية، أو السنيمائية، أو ذات الطابع الدرامي، لكنه حدث بالفعل، قبيل أسبوعين، أثناء محاكمة شاب يُدعي “بن جون” داخل أروقة محكمة “ليستر كراون” الإنجليزية، والتي وجهت تهمة التطرف إلى هذا الشاب، إلا أن القاضي تصرَّف بمخرج قانوني يحمل طابعًا إنسانيًا فريدًا، بعدما ثبت فردية الفعل وإدراجه تحت قائمة حماقة المراهقين؛ ليضرب مثلاً تربويًا في نفس شاب قاده عقله المتهور للبحث خلف الظلاميات والتدمير، فيقود عقله وعقولاً أمثاله نحو أدب غائب.

لندع المشهد الاستثنائي السابق، ونفكّر مليًا في مجتمعنا المصري، خلال العقد الأخير، الذي باتت تموج أحداثه “غير المُرضية” في خضمٍ من تفاصيل تزداد قسوة ودموية تقرأها كل يوم في صفحة الحوادث أو عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وعلى وجهك الغرابة : كيف وصلنا إلى هنا؟”. فتارة شاب يقتل أباه، وأخرى أم في الطرقات تستغيثُ من أبنائها، و ثالثة هتك لعرض أو اغتصاب لحق، ورابعة دوامات من التطرف والعنف،… ، إلخ”؛ لتكتشف أنك في أرض غير الأرض، ووطن تختلف ملامحه عن ذاك الوطن الجميل الذي كنا ننعم تحت ظلاله.. فجأة تنهار المعتقدات، وتختل القيم، ولا تجد أصول المعاملات مسارها السليم، فإلاما نرنو ونحو أي منتهى نسعى؟.
وبين أيادٍ تهدم وأخرى ترمم البناء، تقف الضمائر كالعجائز لا تجد منتهى تقضي حتفها فيه ولا يد العون التي تقضي بالحق.. فالدين موجود ولا نذهب إليه، والعلم راسخ فينا ولا نحكمه، والعقلاء يهتفون في وادٍ والواقع في وادٍ آخر.
لكنَّ بالعودة إلى المشهد الأول، نجد أن القاضي لفت انتباه الشاب نحو أدبهم، الذي يحمل قيمًا ترقق قلبه وتزد من امتداد أفقه وتغنه من هلاك هذه نامئجهم، وبالمثل نحن لدينا نماذجنا، فالعودة إلى صحيح الدين الذي سعى لأجله الإمام محمد عبده، وأدب نجيب محفوظ، وأفكار زويل، .. وغيرهم ممن يحفل بهم التاريخ المصري والعربي..
فذاك هو الحل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى