هكذا يكون تطهير المجتمعات
كتب – حامد بدر
كانت لحظة استثنااية جدًا داخل قاعة محكمة جنايات المنصورة بمحافظة الدقهلية وكانت قلب الجاني يدق، وعيون الحاضرين تترقب، حين تلا المستشار بعاء الدين محمد خيرت المري رئيس الدائرة كلماته: “إذا كان المِلح يمنع الطعام من الفساد، فما ينفع الملح إذا الملحُ فسد، وأنّ جريمة اليوم ليست عادية، فهي خللٌ اجتماعي وضربٌ بقيم المجتمع عرض الحائط”، قبل أن ينطق بالعقوبة المقررّة على خاطف شقيقته بالسجن المشدد 10 سنوات، وخمس سنوات لصديقه الذي حاول مساعدته على هتك عِرضها وتصويرها في موضع مخلّ؛ إجبارًا لها على التنازل عن الميراث.
نعم هكذا كان نطق المحكمة، شافيًا لكثير من جروح المجني عليها، والتي لا نظن أبدًا أن تشفي جروحَ صدمتها في أخيها الذي لم تتصور أن تقوده وساوسُه الشيطانية، بأن يستدعيها بعد اتفاق مسبق مع صديقه للقيام بفعلتهما الشنعاء كي يهدداها، والتي لولا أن سمع الأهالي استغاثتها، لانتهى الأمر الكارثي لمصير أشدُّ كارثية.
الحكم المشدد يعيدنا لتصريحات صحفية للنائب الدكتور إيهاب رمزي، عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب وأستاذ القانون الجنائي، من قبل حوالي ثلاثة أشهر، والتي تعهَّد فيها بالتقدُّمِ بتعديلات حول حالة الاختطاف في التشريع المصري الخاصة بمادتي “288” التي تنص على حالة الخطف بالتحايل والإكراه و”289″ التي تنص على الخطف دون تحايل أو إكراه، والمساواة في العقوبات بالنسبة إلى الطفل الذكر والأنثى. ولقد قال النائب أن التعديل الذي يودُّ التقدم به؛ من أجل تفادي الطعن على القانون الحالي بعدم دستوريته مع تشديد العقوبات في مثل هذه الجرائم الخطيرة التي تهز الرأي العام.
إن جريمة الخطف محل مقت وغضب كل الشرائع الدينية والدساتير، لما تتركه من آثار زعزعة الاستقرار والسكينة على الأفراد والمجتمعات، وكلك خدش الفضيلة التي تقتضي أن يكون صاحبها محل ثقة واطمئنان. إن النهج النبوي الشريف كان ولم يزل رافضًا لكل الحالات التي تُفقد الناس طبيعتهم الإنسانية الآمنة، فكان قول الرسول صوات الله عليه وسلامه ” المُسلِمُ مَن سَلِمَ النَّاسُ من لِسانِه ويَدِه “، فجعل شرط العقيدة أن يكون الإنسان موضِعَ امان.
إن الحكم المنطوق له أبلغُ ردٍ قانوني على فساد أخلاق لا نعلم كيف أصاب مجتمعنا، وكثيرًا ما نجد مساعي لترسيخه سمةً وطبعًا في الشعب المصري، المعروف عنه من القدم بمباهاته أمام المجتمعات الإنسانية في العالم على النحو الخلقي والقيمي.
لكن في الختام ولا أظنه ختام لكلمات قضائنا الشامخ فإن الحكم الصادر سبيلٌ ودرب ضمن كثير من دروب تهدي إليها المجتمعات التي تسعى للارتقاء الإنساني.
نعم هذا الحكم المنطوق سبيل للرقي الإنساني، فما يقارب عِقدًا من الزمن لن يقضيه المتهم سجينًا حبيس القضبان فقط، بل سجين العار الذي لحق به بعدما قررَ أن يتخلَّى عن مروئته التي هي أغلى ما يتمتَّع بها من أراد ان يوصف بكلمة رجل، فهكذا تُتاح الفرصة لسيادة القيمة “هكذا يكون تطهير المجتمعات”.
تحيامصر