باالصور..صُناع السجاد اليدوي في الشرقية: تراث مصري مُهدد بالإنقراض
إيمان ياسر مطري
داخل أحد المنازل الريفية المُشيدة بالطوب الأحمر والسقف الخرساني بقرية كفر الحمام التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، يعمل الرجل الخمسيني مصطفى عطية السيد كساب كصانع للسجاد اليدوي داخل غرفة صغيرة من غرف منزله بالطابق الأرضي لا تزيد مساحتها عن 15 مترا، كساب هو أحد الصناع المهرة الباقين من أطلال الذكرى الخالدة لقريته كقرية رائدة في هذه الصناعة على المستوى المحلي والعالمي.
ويعتمد السجاد اليدوي على أيدي صُناعه دون تدخل أي آلة صناعية في مراحل تصنيعه، بجودته ومتانة عقد نسيجه العالية ؛ والتي تتم بخامات: الحرير الأصلي، الصوف، كما يمتاز السجاد اليدوي بأشكاله ورسومه المتعددة وألوانه الأنيقة، الإ أن سعره مُرتفع جدًا مقارنة بالسجاد الآلي أو الصناعي بعشرة أضعاف.
تضم غرفة الصناعة الخاصة بـ “كساب” كمية من الخيوط الصوف والحرير المُستخدمة في عملية التصنيع، بالإضافة إلى النول “آلة تدار يدويًا، تستخدم في نسج النسيج” ويتكون النول المُستطيلي الطولي بحسب مساحة السجادة المُراد تصنيعها من أربع عرضات من الخشب وكمرة ونيرة حديد، واثنين من الفتيل لشد السجادة القائمة على صناعتها.
يقول مصطفى كساب، بدأت العمل في المهنة كصبي وعمري 13 عام، حتى أصبحت صانع للسجاد اليدوي عند الغير، ثم صاحب عمل لأكثر من 8 صنايعية يعملون تحت قيادتي، وخلال العقود الماضية من الثمانيات وحتى قبيل ثورة يناير عام 2011 كنا نقوم بعمليات التصنيع داخل منازلنا وعدد من المصانع حتى بلغ من يعمل في مهنة التصنيع اليدوي للسجاد آنذاك نحو 3000 صانع وصانعة، بما يعني أن كل منزل بالقرية كان يضم مصنع صغير يعمل عليه فرد أو أكثر، سواء كانوا طلابا بالجامعة أومدارس التعليم المختلفة.
ومثل السجاد اليدوي خلال مطلع القرن الماضي مهرًا للعروس، حيث كان أهل العروس تشترط على العريس أن يفترش منزلها بالسجاد اليدوي، شريطة أن يُكتب اسمها على إحدى القطع؛ لكي يتم تعليقها على الحائط تعبيرًا عن مكانتها لدي عريسها، حتى أصبح اقتنائه مهمًا جدًا داخل القصور والأماكن الرسمية كقطعة نادرة أو هدية تحمل إسم أو توقيع صانعها، والسجادة الواحدة قد تستغرق من شهرين لثلاثة أشهر من العمل المتواصل لإنتاجها.
وأضاف كساب أن رواج هذه الصناعة خلال تلك الفترة كانت بفضل نشاط السياحة الداخلية والخارجية، فضلًا عن اهتمام كبرى العائلات الأرستقراطية ورجال أعمال والفنانين بالسجاد اليدوي المصري الذي يوازي الذهب لديهم، لتميزه عن السجاد المستورد في كل شيء، لافتًا إلى أنه منازل القرية وأسرها كانت تعتمد بشكل كبيرفي اقتصاديتها على بيع السجاد الذي قاموا بتصنيعه لتجار القاهرة الذي كانوا يصدرونه للخارج أو بيعه للأفواج السياحية، وكانت القصور وأماكن الاستراحات الخاصة بكبار المسؤولين المصريين والأجانب تتزين بهذ السجاد الذي حظي على سمعة عالمية جيدة.
وأشار كساب إلى أن المهنة تتعرض حاليًا لحالة من التوقف شبه الكامل خلال السنوات العشر الماضية، بسبب حالة الركود والكساد الذي يشوب الأسواق خاصة ما بعد انتشار فيروس كورونا خلال العاميين الماضيين، ما أدي هجرة عدد كبيرة من الصناع المهرة للسجاد اليدوي الى ركوب التوكتوك، وذلك بفضل العائد اليومي الكبير مقارنة بما قد يتحصل عليه من صنعته التي تأثرت بالأحداث الجارية، منوهًا إلى أن عدد الصناع تقلص من 3000 بالقرية إلى قرابة الـ 100 صانع فقط، وأكثرهم من النساء اللاتي تملك نولد اخل منزلها وتعمل من أجل مُساعدة أسرهن في المعيشة وتزويج بناتهن.
وطالب يوسف كفافى، أحد الصناع العاملين في السجاد اليدوي منذ أكثر من 40 عامًا، من وزير الصناعة ومحافظ الشرقية؛ ضرورة رعاية هذه الصناعة من الانقراض، وإعادة احياءها بتوفير أماكن رسمية أو جهة حكومية تكون مختصة بإقامة المعارض في شتىء انحاء البلاد وخارجها، كي تعمل على تسويق منتجاتهم التي تتميز بجودة عالية وتحظي بسمعة عالمية وتُساهم كمورد مهم للنقد الأجنبي في البلاد ، مع توفير آلية مُحددة تعمل على رعاية صُناع هذه المهنة قبل أن تندثر من مختلف أرجاء المحروسة.