الشارع السياسى

تحقيق محمد عبدالله :: انفراد.. سر اختفاء الإخوان من الشارع.. والغزل «الصريح» للسلطة

157072لم يعد السؤال لماذا اختفى الإخوان من الشارع؟.. السؤال الأهم فى تلك اللحظة، ومع الخفوت المريع لأى نشاط مؤثر أو لافت للتنظيم على الأرض، بطول مصر وعرضها، هو: كيف اختفوا من الأساس؟ التنظيم يروج لتعاليم (حسن البنا) التى تتحدث عن تأجيل استخدام السلاح والقوة الجماعة تغازل السلطة بالانسحاب من الشارع حث القواعد على الترابط وتقوية الإيمان وتأجيل (المواجهة) عبر فيس بوك وتويتر  حزمة الأسباب البديهية، تتحدث عن قبضة أمنية عنيفة وأحيانًا متوحشة، وعزل قضائى، وكره شعبى، وتورط تنظيمى سافر فى الإرهاب المباشر العلنى والمستتر تغيرت معه قناعات الكثير من كوادر وأعضاء الجماعة فيما يخص النشاط السلمى، ناهيك عن تراجع الدعم الخارجى على نحو كبير، باستثناء مساندة (المكايدة لنظام ما بعد 30 يونيو)، من جانب الدوحة وأنقرة.  غيرأن الأسباب الحقيقية المؤثرة فى الانسحاب الإخوانى شبه الكامل من (الحراك التظاهرى) تبدو مغايرة لذلك تمامًا، وإن كانت فى جزء كبير منها، تبدو كنتيجة حتمية لحزمة البديهيات تلك.. القضية ببساطة تتعلق بتغيير أولويات التنظيم من السعى لإسقاط النظام الذى سبق أن أسقط محمد مرسى، للسعى إلى مهادنته بل تقبيل قدميه إذا ما تطلب الأمر ذلك، بحثًا عن عدة مكاسب (عاجلة)، كإنقاذ قيادات السجن من الحبس والإعدام والسماح بخوض انتخابات البرلمان المرتقب ولو رمزيًا، وأخرى (إستراتيجية) بعيدة المدى، كالحفاظ على ما تبقى من الجماعة، وعلى حظوظها كلاعب فى الحياة السياسية المصرية مستقبلا.  المشكلة التى واجهت صناع القرار فى الإخوان فى ذلك التحول نحو التعاطى مع الواقع المصرى، أن خطابهم التحريضى التصعيدى ضد السلطة وربما الشعب أيضًا، لم يكن يومًا مسقوفًا، ما يجعل من أى تغيير فيه شبه مستحيل، فيما أن حالة الشحن التى تشبعت بها القواعد، وغذتها مظلومية رابعة، صارت خارج سيطرة القادة.  إذًن.. مأزق قادة الجماعة أصبح مضاعفًا.. يريدون مغازلة النظام، ولا يجرؤون على الهبوط بسقف التحريض عليه حتى لا يكتشف الجميع انتهازيتهم وكذبهم، وفى المقابل صارت ولايتهم على القواعد محل شك.  هنا كان الحل التقليدى.. اللجوء إلى الجذور.. إلى المرشد المؤسس حسن البنا، لإعادة غسل أدمغة شباب وكوادر التنظيم مرة أخرى، لقبول أن تضع الجماعة يدها صاغرة، لا فى يد نظام كفرته وحرضت على إبادته، ولكن تحت حذائه أيضًا.  ما تبقى من إدارة التنظيم خارج السجون، وبطبيعة الحال بتنسيق مع من هم داخله، أو أولئك الفارين فى الخارج، بدأ فى تعميم خطة إعادة توجيه، يتم تنفيذها تجاه القواعد، فى اجتماعات الأسر، وجلسات توضيح الرؤية، فضلا عن تسريب آلياتها عبر البعض، وبشكل ناعم ومن دون جلبة، فى فيس بوك وتويتر.  الخطة الإخوانية الجديدة تقوم على إعادة نشر مقتطفات من رسائل حسن البنا التربوية، التى كان قد ألقاها فى مؤتمرات الإخوانى قبل عقود بعيدة، بينما يتم التركيز على المعانى التى تدعو الإخوان إلى إرجاء (لا إلغاء بطبيعة الحال) العمل العنيف واستخدام القوة والسلاح، على أن يكون الهم الأساس لهم الآن، هو تعميق الإيمان فى النفوس، إلى جانب تعظيم الترابط بين أعضاء الجماعة بعضهم البعض.  من تلك المقتطفات المتداولة عن البنا فى هذا الشأن، والذى ينفرد مبتدا بالكشف عنها، أجزاء كان قد قالها المرشد المؤسس فى مؤتمر الإخوان الخامس، فى ثلاثينيات القرن الماضى، وفيها يقول:  (لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا وأبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا فى أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلى ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك).  وفى موضع ثان أضاف: (هل أوصى الإسلام -والقوة شعاره- باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال؟ أم حدد لذلك حدودا واشترط شروطا ووجه القوة توجيها محدودا؟).  وفى ثالث أردف: (هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكى؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟).  يتم بث تلك المقتطفات وغيرها، عبر شخصيات معروف عنها استخدام الفكر النقدى، أو أنها كانت منشقة عن الجماعة من قبل، ثم عادت إليها بعد عزل مرسى وفض رابعة (محمد الجبة كمثال)، وبحيث لا تمثل توجهًا رسميًا للتنظيم يمكن لقواعده أن تلومه عليها، وحتى يكون هناك خط رجعة للجماعة إذا ما قررت مجددًا اللجوء للتصعيد.  مرة أخرى يواصل التنظيم مغازلاته المستترة للنظام، غير أن كل الإشارات تنبئ عن غزل صريح من جانبه قريبًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى