الشارع السياسىبقلم رئيس التحرير

مفاجأة المساء نيوز : من «عبد الناصر» إلى 30 يونيو.. التاريخ السري لأكاذيب «يوسف ندا»

تحقيق / ابراهيم البسيونى

128538

كلما أطلّ علينا من منتجعه الإيطالي الوثير (كامبيونا)، الواقع داخل الحدود السويسرية، كان الجميع على موعد مع كذبة أو أسطورة إخوانية مزيّفة جديدة.. هكذا هو حال رجل الأعمال الأول في التنظيم، وفي ذراعه العالمية، يوسف ندا. صاحب العلاقات الغامضة بإيران وعدد من الأنظمة الخليجية والإفريقية والأوروبية، وأحد أشهر من يُشار إليهم بأصابع الشك والاتهام من جانب عدد من أجهزة الاستخبارات والمعلومات العربية والعالمية، بشأن تمويلاته المتدفقة للإرهاب الدولي، سواء عبر بنك التقوى الذي كان يملكه في الماضي، أو عبر مشروعاته الاقتصادية المنتشرة بشرق الأرض وغربها.

المفوّض الدولي للسابق للإخوان يدّعي رفضه

عرضًا من الدولة للمصالحة مع

مفاجأة.. ندا اعترف لماضي أنه المؤلف

الحقيقي لكتاب زينب الغزالي «أيام من حياتي»

فبرك وثيقة رسمية عن استهداف الدولة لنساء

التنظيم ونسبها لعبد الناصر لتشويه سمعته 

 

لكن حيطة الرجل الشديدة، وعلاقاته المالية والسياسية المتشعبة خارجيًا، وتشابك تنظيمه مع أجندات دولية وإقليمية مؤثرة.. كانت درعه الواقية من السجن، ومن الاستمرار ضمن لائحة تمويل الإرهاب العالمي. الشبهات والإشارات عن دوره الفج في تقوية شوكة الإخوان عالميًا، لم تتحول يومًا لدلائل ملموسة يمكن استخدامها ضده، أو معاقبته عليها، باستثناء الاعتقال سنتين في شبابه بمصر، وحكم غيابي بالسجن 10 سنوات في قضية ميليشيات الأزهر، سقط فيما بعد، بعفو رئاسي من المعزول.

غير أن أكاذيبه وشائعاته التي طالما روّجها عن نفسه وعن جماعته، لا تحاط من جانبه دومًا بنفس سياج الحرص والرغبة في التغطية على عدم صحتها. الأيام تكشف زيفها. كما أن شهادات إخوانية، يمكن وصفها بالمعتبرة، تفضح تلفيقها، والأدهى أن بعضًا من تلك الشائعات، تكفّل ندا نفسه بالقطع بأنه مَن ألّفها لضرب السلطة في مصر، أو لدعم إخوانه، أو لتحقيق مكاسب مادية وسياسية من خلفها.
ندا، الذي كان يعرف في السابق، ولعقود طويلة، بصفته المفوّض الدولي للإخوان، بينما يحمل الجنسيتين الإيطالية والتونسية، إلى جانب جواز سفره المصري، أطل علينا مؤخرًا بحزمة أكاذيب جديدة، من خلال شاشة الجزيرة القطرية، كان أبرزها على الإطلاق أن النظام/ سلطة ما بعد 30 يونيو، اتصل به قبل شهر، لإتمام مصالحة مع الإخوان، إلا أنه وجماعته رفضا.

كذب ندا في هذا الشأن يفضحه سلوك الإخوان نفسه خلال الفترة الماضية، فلو صحّ ما قاله، لما كان التنظيم تردّد لحظة في إعلان أن السلطة بمصر تفاوضه لتهدئة الشارع. الرغبة الإخوانية في مكايدة نظام ما بعد الإطاحة بمحمد مرسي، كانت ستؤدي حتمًا لإعلان أي اتصال بين الجماعة والدولة، وهو ما لم يحدث. وفي المقابل لم تسرِ أي إشارة من قريب أو بعيد، من جانب الحكومة، على تبنّيها مثل تلك الخطوة المزعومة.

على ما يبدو أن ندا حاول ممارسة عادة الإنكار التام للحقائق، والتي تسري في جسد التنظيم بدعم مطلق من جانب القيادات، لابتزاز مشاعر القواعد، والحفاظ على درجات غليانها وغضبها وكراهيتها للسلطة ولكل من لم يقف مع الجماعة، بعد فيضان 30 يونيو، الذي أطاح بها من سدّة الحكم.

يوسف ندا

المفوض الدولي السابق للإخوان، أراد توصيل رسالة لشباب الجماعة المنجرف في تيارات العنف والإرهاب بالشارع والجامعات، مفادها استمروا.. ونحن سنتاجر بدمائكم من داخل قصورنا الفخمة في القارة العجوز. بينما حملت كذبته كذلك، رغبة مبطنة في الإيحاء بأن السلطة لا تزال تسعى لإقامة جسور تواصل مع الجماعة وتنظيمها العالمي. الرجل يريد استدعاء تراث سياسة لقاءات الكواليس، التي كانت تجمع أمن الدولة المنحل مع أعضاء التنظيم، في عهد مبارك، ولكن في سياق جديد يطعن في مدى التزام الدولة بتنفيذ أحكام القضاء النهائية والباتة، ومن قبلها الإرادة الشعبية، بحظر كل ما يمت بصلة للإخوان.

بينما كانت أكثر الأكاذيب طرافة، خلال الظهور الأخير لندا على الجزيرة، ما زعمه أن مرسي كان حريصًا على عدم إراقة قطرة دم واحدة، حتى عندما انقلب عليه، من أسماهم بالخونة، وأن المعزول رفض أن يتدخل شرفاء الحرس الجمهوري بالسلاح لحمايته، مفضلًا اعتقاله وإهانته في مقابل عدم إراقة أي دم مصري.

ملك الإسمنت في البحر المتوسط، كما كان يطلق على ندا، قبل أكثر من ثلاثة عقود ماضية، أراد منح الرئيس السابق وإخوانه وأهله وعشيرته ومن شايعهم من جماعات التكفير والتطرف والعنف المسلح، حكمًا بالبراءة من دماء المصريين، مدنيين وعسكريين، والتي سالت من الإسكندرية إلى أسوان، وفي سيناء. أراد ألا يحمّلهم ذنب حرق الكنائس، واستهداف مديريات الأمن والمصالح الرسمية بالسيارات المفخخة. أراد غسل يده من إشعال الجامعة بالفوضى، ناهيك عن التنصل من مسؤولية سقوط المئات من أبناء التنظيم، ممن تم دفعهم بقرار من القيادات، إلى مواجهات غير متكافئة مع الأمن.

ندا أراد التغطية على سجّل أسود من الجرائم الإخوانية، بتشييد كذبة محكمة، لا هدف لها إلا الإيحاء بوجود موالين للمعزول داخل الجيش (استخدم عبارة شرفاء الحرس الجمهوري)، وكذا الادعاء بأن المعزول كان يملك قراره.. غير أن الحقيقة أنه كان رئيسًا عاجزًا، كان مجرّد موظف لدى مكتب الإرشاد، ولكن مقر عمله في القصر الرئاسي. جميع من أحاط به، من خارج الجماعة من موظفي الدولة أدركوا تلك الحقيقة. أمر قيادتهم بدا بالنسبة له شبه مستحيل.

أسعد شيخة

لو كان لدى مرسي أي فرصة لدفع الجيش والشرطة لسحق معارضيه والمتظاهرين ضده، لفعل. وليس أدل على ذلك، من أن تحقيقات مذبحة الاتحادية الأولى، كشفت بوضوح أن مساعدي المعزول في القصر الرئاسي، وعلى رأسهم أسعد شيخة، كانوا قد طالبوا الحرس الجمهوري صراحة، بفض الاعتصام المواجه للاتحادية بالقوة. وحينما لم تستجب قيادات الحرس، كان الدفع بالأهل والعشيرة لتنفيذ المهمة، ليشاهد العالم أول حالة اقتتال أهلي بين المصريين، على الهواء مباشرة.

إن الكذبتين الجديدتين لندا، إنما يندرجان ضمن تاريخ طويل للرجل في الادعاء وبث الأخبار والشائعات والأساطير المغلوطة. هو لا يزال مصرًا مثلًا على التأكيد زورًا أن الضابط الذي كان يحقق معه، بعد القبض عليه في محاولة اغتيال عبد الناصر، في العام 1954، وقال إنه يُدعى الصوابي ، قد أصيب بمرض عصبي ومات فاقدًا العقل، في إشارة منه إلى أن ظلم الإخوان يرتد على صاحبه. وهي كذبة بيّنة، كما يقول اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة سابقًا، فيما يلفت إلى أن الضابط لم يرحل عن عالمنا على هذا النحو، وأنه واصل حياته حتى رتبة لواء، وكان قبل وفاته، التي جرت بشكل طبيعي، أحد قيادات مديرية أمن الإسكندرية.

وتبقى أشهر أكاذيب ندا على الاطلاق، ما نقله حرفيًا رئيس حزب الوسط، وقيادي الإخوان المنشق، المهندس أبو العلا ماضي، عنه هو وغيره من قيادات الجماعة، ممن تكفّلوا بنسج قصص التعذيب البشعة في سجون عبد الناصر تجاه أعضاء التنظيم (رغم أن بعضها حدث بالفعل)، مبررًا ذلك بالرغبة في الإساءة لسمعة حكم يوليو 52، وتصويره كنظام سفاح متعطش للدماء (مورست في عهده العديد من الانتهاكات ووسائل القمع ضد المعارضين السياسيين)، قائلًا بسخرية (أي ندا): اللي تغلب به.. العب به ، قبل أن يعترف، والعهدة على الراوي، بأنه المؤلّف الحقيقي لكتاب قيادية الإخوان الراحلة، زينب الغزالي (أيام من حياتي)، الذي تضمن فصولًا بشعة من وسائل الاعتداء البدني والنفسي، يصر الإخوان على أنها حدثت في حقّها، تمامًا مثلما حدثت مع غيرها من أبناء التنظيم.

ناهيك عن كذبته الأخرى، التي نقلها أيضًا أبو العلا ماضي، عن المهندس مراد جميل الزيات (قيادي إخواني تاريخي، وكان يشغل موقع أمين عام نقابة المهندسين). وكان الأخير قد زار ندا في مكتبه بسويسرا، وسأله عن حقيقة الوثيقة الرسمية المنسوبة لعبد الناصر وحكومته، والواردة في كتاب قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي، وكذا في مذكرات المستشار الإخواني علي جريشة، وكانت تتضمن تعليمات التعذيب والتنكيل الرهيب بالإخوان والإسلاميين، ومما جاء فيها على سبيل المثال لا الحصر: القضاء على الإخوان بتشريد أسرهم، ودفعهم لممارسة الرذيلة (..) نساء الإخوان سواء كن زوجات، أو أخوات، أو بنات، سوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدي لانزلاقهن للخطيئة.

زينب الغزالي

هكذا صاغ الإخوان أساطير استشهاديتهم واضطهادهم في عصر عبد الناصر، غير أن المفاجأة التي فجرها ندا للزيات، أنه هو من كتب الوثيقة وفبركها، ونسبها للحكومة المصرية، ووضعها في كتاب الغزالي، للانتقام من السلطة، مبررًا ذلك بشعار الحرب خدعة .
رغم أن عمر الرجل تجاوز، كجماعته، 80 عامًا، إلا أنه لا يزال يمارس هوايته في الكذب، شأنه في ذلك، شأن باقي القيادات، التي تتّخذ من التقيّة وصنع الدعايات والبطولات الزائفة، دستور عمل لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى