في الفلانتين داي: خمسة مشاهد للحب
كتب: حامد بدر
لا يكتمل الحب دون مشاهد عديدة تجسِّد ذلك الشعور العظيم، الذي ينبضُ فينا منذ وجودنا أو قبل أن نعيَ الوجود.
الله قد خلق بدواخلنا هذه العاطفة، غرس بذورها الفطرية، فانقسمنا على أشكال، فإما سقيناها برحمة فرعيناها، أو ضربنا فروعها بعدما نضجت، أو اجتثثنا الجذور وخلطنا البذور بما لايليق بها فاستفقنا عل غير محمود.
خمسة مشاهد في هذا اليوم الاستثنائي جدا:
(1)
أخيرًا اهتديتُ لحياتي
حين رأيتها.. حينها فقط أدركتُ أنه مجد الحب الذي ظلت أبحث عنه طيلة السنين.. لم يعد فارقا في حساباتي المنطقية المظلومة.. كم من العمر محسوب عليّ ولم أحياه.. لم أعد أحتاجْ لتلك البعيدة جدًا، التي أسقط من زورقي في مياه بحيرة باردة ليلا، أناجيها: “أنا لك على طول خليك ليا” ، مستجديا من خِضَم الفرص الضائعة مشهدا رومانسيا ذا مصير مأساويّ..
أخيرًا اهتديتُ لحياتي.
(2)
لقاء وفراق
ساعة ميلاد حب جديد على شاطئ ساحليّ، ذاتها كانت إيذانا بانتهاء أخرى.. هي: أرجوك لا تتركني..
هو يقاطعها:” علشان بحبك لازم تشوفي نصيبك مع حدّ أحسن”.
(3)
هكذا تحدث الصديق..
شاب متحدثا لرفيقه عن حبيبته بعيون تعرب عن سهام القلق من الغد: “قصتي معها لا تعرف مرسى بعد”.
صمَت الآخر قليلاً، وأدلف:
أَكرِمْ يا رفيقي بأنثى تعلمك العشق، تجدُ فيها وطنك الخاص، تجد فيه حقوقك الصغرى بالنسبة لهذا العالم الكبير، تجدُ فيها مشهد بطولتك، فإن لاقيتها في هذا الخضم الوهميّ من سوق العواطف البالية؛ فنِعمَّ هي، وإن كان لا فلا تبتئس واجمع باقة المشاعر الراقية إلى من يستحق.
واكتب نصًّا من مستوحى الرشد، غلِّفهُ بالقداسة، واجعل قلبك معبدا لا كهنوت فيه، لا يدخله إلا طاهر النوايا. فتقضْ ما شئت في أطروحتك اللامنطقية اللافلسفية اللاإيدويولوجية للحب، يكن لك ما ترنو إليه وتسعد بمتغاك.
حينها إمَّا أن تجدَ سلامَك في البعد عن الحاقدين، أو أن يحاربك العالم بدعوى المنطق تارة، وثانية بدعوى أنك خالفت أدب الكتابات، وأخرى بأنك لا كهنوتيا، فتعود لسيرة المطاردين، تحارب لأجل حبك، فتموت ولهًا، وتصير في خلود الذكريات العطرة.
(4)
جنّ الليل وبزغ القمر في إحدى أطواره غير المكتملة، ليبدو السنا في حُلِّةٍ تهدي العشّاق باقة من غَيبوبة الأشواق المُغَلفة بأطر الغرام الذي يُصلِّي أفئدتهم على حر الجِمَار، فيعزفون مقطوعة الحيارى، والهُدى يحيطهم.
(5)
يد فتاة صغيرة تغزل قطعة من الصوف، تكمل بها دستة من المعاطف المتعددة الألوان، وباقة من الورود؛ كي يبتاعها أولئك الحيارى، فيهدونها إلى الرفيقات.
تستأنس الصغيرة سيدة عجوز في جانب من الغرفة المظلمة: “جدتي.. سأخرج” ؛ لتلِجَ إلى عالم لا مكان لها فيه، باردٌ تماما كبرود الشغف الذي هجرنا وهجرنا والعنفوان الذي أرداه الفتور، دون أن تنظر الرد المعتاد من عجوز كفيفة، حاملة بضاعتها وكتاب مدرسي متهتك يتبع التعليم الحكومي، يدفعها حبّ آخر ووداد لجدتها لتردّ جميل أنَّها لازالت هل قيد الحياة.
تقف وسط المشاهد الأربعة السابقة، لا ترى – إن رأت- سوى بضعة أيام خوالي مابين القسوة ومتاهات البشر، لكنها على أيّةِ حال .
والمشهد الأخير..
ليس مشهدا للحب، ولا هو استهلالات الرومانسية، ولا هو فرحة، ولا فراق
إنه مختلف للغاية.. إنه أنت عزيزي القارئ – كنت عاشقا أو لم يدق عليك بابًا قَطْ – برأيك، أيهم في الحب أصدق؟