عباد الله الغلابا
بقلم . حامد بدر
للوهلة الأولى ربما ينتابك شعور بأن مبدأ الكلام وبيت القصيت يندرج تحت وصف ذوي الحاجة، والمهمَّشين، أو أولئك الذين لايجدون قوت يومهم، لكن الحقيقة أن الحديث اليوم عن العائدون في أبواب الشهر الكريم الذي لا يفصلنا عنه سوى أيام قلائل.. شهر رمضان .. شهر الذكر .. شهر القرءان.
حديثنا عن أحوَج المحتاجين وأكثر الذين لا يجدون مفرًا من فقرهم .. حديثنا عن الـ”نحن” حديثنا عن أنفسنا، ذوي النفوس الفقيرة الملتجئة إلى الله، كل منا على أبواب هذا الشهر يحمل على ظهر ما يحمل، يذهب بحصيلة طائلة وقائمة غير محسوبة كمًا من الأخطاء والهفوات والسيئات التي ربما نحسبها هينة وهي عند الله أعظم. يحمل كل منا شكواه ونجواه وبلواه .. وكل ما لا نحصره على أبواب الله.
الكل يشد الرحال وتنادي الملائكة “يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر”، تتغير كل الخطابات، ويزداد العشم في أبواب الكريم كل بما يحمل..
ذلك الذي اعتاد المساجد ها هو يكادُ يبيت فيها، وذاك الذي قصّر ها هو يدخل على استحياء، يقف خاشعًا، يمد يداه متذللاً عسى أن يكون ملُتقبّلا، تلكما يداه اللتين اقترفتا وبطشتها وهذا اللسان المرتعد الذ قبل يومين كان يجلجل بحنجرة وصوت جهور. الكل خاشع أمام الله والقلوب متلهفة علَّها تبلغ المراد.
أيادي ممتدة .. وأعين دامعة .. وحياء بالقلب الكل في وجل الكل طامع وأي طمع أشرف وأنبل مما يطمعون .. رحمة الله، وبركاته، وجنات عرضها السماوات والأرض.
“عباد الله الغلابا” .. هكذا حقًا يبدون وهم في أحوج أن ينظر الكريم إليهم، عسى يبلغون المنال.
صلّ وإنْ لم تكُنْ تصلِّي
مشهدٌ يتكرر كل رمضان كلمات لا تبرح أن تترك أفواه قائليها في هذا التوقيت: “صايم ولَّا زي كل سنة؟” “هتصلّي دلوقت؟” .. اذهب وصلِّ.
قلها بكل فخر نعم ككل عام آتي حاملاً أوزاري وهمومي على أبواب ملك الملوك، أقف وانا الكسير وأنا الضعيف الفقير، عساه يجتبيني.
وُروُى لنا في الندوادر الإسلامية العربية القديمة – حسب ما اتفق عليه رواة القصة – أن الصحابي سهيل بن عمرو كان في سفر هو وزوجه، وأثناء الطريق اعترضهم قُطّاع الطُرق، وأخذوا ما معهم من مال وطعام، وجلس اللصوص يأكلون ما حصلوا عليه، لكن مشهدًا غيربًا أثار انتباه الرجل فسأل كبيرهم الذي لا يشاركهم الطعام: لم لا تأكل معهم ؟
– فقال اللص : إني صائم !
= فدُهش سهيل وقال له : تسرق و تصوم ؟!
– فقال اللص : (إني أترك باباً بيني وبين الله، لعلّي أن أدخل منه إلى الجنّة)، ثم ترك اللص سهيل بن عمرو وزوجته بعد أن أخذ أموالهم وقال لهم : إذهبوا.
وبعدها بعامين كان سهيل بن عمرو في الحج عند الكعبة، فالتقى بزعيم اللصوص الذي سرقه قبل سنتين وعرفه من وجهه، وكان هذا اللص قد تاب، وترك ما كان عليه، وأصبح عابداً لله، فضحك سهيل وقال: (من ترك بينه وبين الله باباً دخل منه يوماً ما).
فلنعد إلى أحضان المساجد، ولنمرٍّغ الجباه، وليعلم جميعنا بأن القلوب معلَّقة هناك، وإن كان الأجساد عاصية، فالله يصفد الشياطين ويفتح أبواب الجنة لعباده الذين يُقبلون.
نداء الله
يدخل كل منا بحمله، بأوزاره، يدخل كل منها: ” رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”
وينادينا الله: ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” [الزمر:53] فما أجمل حياةٍ بين التدرُع والقبول .. بين الرجاء والاستجابة .. بين الاستغفار والتوبة.
فلنعد إلى الله مقبلين .. فلنعد “عباد الله الغلابا”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.