شبابُنّا أمانة
كتب – حامد بدر
شَرُدَ خيالي للحظات – وهو شرود وليس حُلمًا مررت به – فخِلتُ نفسي في طريق فسيح، يسير فيه الخلق مُنشَغِلونَ كيما حالي الذي أنا فيه، وفجأةً رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أمام عيني، فرأيتني أعرِفُه لا بخالطني أو يشوب فكري بعض ، فانسكبْتُ أقبِّلُ يداه الشريفتان، ويداهُ على كتفي انا المسكين وهو الجناب الأطهر، ماسحًا بيده الأُخرى على صدري، وتلاشا كل ما حوالينا إلا ذلك مشهدًا نادر التكرار .. تجليًا نادر الحدُوث، فأخذت أشكو ما بي من ضعفٍ وإثمٍ فلم يعبس ولم يبتئس، وظلَّت بسمته الحانية في جنبات روحي، استكفى قلبي من الوله والشوق، واكتحلت عيناي بنور الصفاء، ولا شيء بعد ذلك يُعْنِينِي.
إلى هنا انتهى المشهد التخيُّلي الأنقى والأطهر..
في واققعنا ومنذ أيّام قلائل انتشر فيديو عبر حسابات التواصل الاجتماعي، وقد نشره الناشطون لفنانٍ عربي ذائع الصِت والشُهرة، خرج من من إحدى حفلاته الغنائية، يستقبله جمهوره؛ لتقف فتاة كادت أن تنهار، حين رأته بشحمه ولحمه، لم تك تصدِّق أن من تراه واقعًا واقفًا أمامها ينطقو وويتحرَّك. حتّى أنه لم تستطع يده الحانية عليها أن تهدِّئ من هول صدمتها، فظلَّت لدقيقة لقرابة الدقيقة لا تستوعب وقوفه أمامها..
فائدة لو أردنا ان نستنبطها في هذا الزمن الخاص جدَا..
ربما ونحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة وتغييرات في مستوى القوى لدى الأمم، واعتبارات دولية وعالمية تسير في اتجاه النذير الشرس، أن ننظر إلى طموحات أبنائنا وشبابنا الذي صارت مُنيَةُ عينية أن يرى فنانًا بشرًا يمشي على الأرض، ولا أُعَمِّم ، وكذلك ليس من من واجبنا غضّ الطرف..
إن بشرًا عاديًا ما دامت تخطو أقدامه أراضينا ويمشي بيننا في الأسواق ويأكل الطعام، لا عجب أن يظهر بيننا مهما بلغ من المجد والشهرة والتألق والنجومية، شء أن تقول ما شئت، إلا أنَّ .
لقد قال الذين من قبلنا ” مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا” (الفرقان: آية 7).. يا إلهى لم يصدِّقوا حتَّى أن بلوغ المجد لا يمنع التواضع، فالأزمة هنا كانت في العقول المستقبلة للأمر، باعتقاد أنَّ بلوغ الغاية يمنع أن أكون بشرًا سويًّا.
لقد صعَد الرسول صلوات الله وسلامه عليه في رحلة الإسراء والمعراج وبلغ ما بلغ، فعاد بين الناس يكلِّم الصغير، ويخسِفُ النعل، ويساعد أهله في البيت، ولا ينهر الخادم، ويقْبَل الهدية، ويأكل مع اصحابه، ويقضي حاجة الناس، ويبكي لأجل أمته، وهكذا تكتملُ سيرته وأمَّتُه على طريقه يبتغون رِضاه.
الأوجبُ على قيادتنا ومسؤولينا أن ينظروا إلى شبابنا ونشئنا، فإنَّه لا غاية ولا حُلم أن تقابل مسؤول أو شخصية مرموقة أو فنان بقدر أن تبني واقعًا عسانا نفرح يومًا أو نعيد امجادنا..
الأوجبُ على وُلاة أمورنا وأصحاب الحيثية والشأن أن يتوجَّهُوا نحوَ ضمائر شبابِنَا، ويتواضعوا لأحلامهم الأصيلة في مجتمعٍ يفهمهم ويتعامل مع طموحاتهم الحقيقية، ولا يُنْظر إليهم من ضيِّق الرؤى، وأن تكون خطواتنا أوسع في إعطاء الفُرصة الحقيقية لديهم؛ ليُثبِتوا مسؤوليتهم. لقدْ آن الأوان أن تتخذ الحكومات والقيادات إجراءات خارج حدود الواقع، وأن نُبدع خارج ما يؤطره أصحاب القوى لنا.
في سياق منفصل، يقول أحدهم لا تصدِّق أن “الإسراء والمعراج ” حقيقة؛ ليبقى المشهد شبابُ حائر بين صلابة التشريعات من جهة، ودُعاة التنوير من أخرى، وثالثهم اصحاب الأمزجة الرَّائقة، ورابعة واقعهم الذي لا نغزوه حقّ الغزو.
شبابُنّا أمانة.