بقلم رئيس التحريرتحقيقات صحفيه

رعب بريطانى من حظر الإخوان

189170تحقيق محمد عبدالله

كل الطرق تؤشر إلى انتهاء التحقيقات فى بريطانيا بشأن أنشطة الإخوان على أراضيها، إلى عدم حظر التنظيم، فى مقابل الاكتفاء بالتضييق على تحركاتهم وفاعلياتهم..

لندن لن تصدر أى قرار بحظر التنظيم فى أراضيها وستكتفى بالتضييق على أنشطته فقط
الحكومة البريطانية تخشى خسارة سيطرة الإخوان على مساجد لندن وسقوطها فى قبضة المتشددين
الجماعة تبتز لندن بعلاقته مع القاعدة.. وقادة التنظيم الدولى يهددون بريطانيا بحرب مفتوحة

تسريبات متتابعة، وشبه متطابقة، تخرج من حين إلى آخر عبر وسطاء أو مصادر مقربة من رئاسة مجلس الوزراء البريطانى، تقطع بأن التحقيقات التى بدأت برئاسة سفير لندن بالرياض، سير جون جنكنز، منذ إبريل الماضى، انتهت بالفعل بالإشارة إلى أن الأمر يتعلق بمجرد “تورط” الجماعة مع كيانات متطرفة ومتشددة فى بقاع شتى من العالم، بما يستدعى فقط التضيق على التنظيم وعلى كوادره، وعلى بعض مشروعاته، ومنع استقبال مزيد من أفراده على أراضى المملكة المتحدة، وحسب.

نتائج التقرير على هذا النحو، فضلًا عن الأسباب المجهولة عن تأخر صدوره المبالغ فيه، باستثناء ما يثار عن أن لندن تحاول التوازن، بحيث لا تغضب حلفاءها الرئيسيين فى الشرق الأوسط: السعودية، والإمارات، ومصر، فضلًا عن جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى، إنما تعكس رغبة ما لدى بريطانيا، ورئيس وزرائها، جيمس كاميرون، لتنحية القضية برمتها جانبًا، بينما تذهب بعض التقديرات “الخبيثة سياسيًا”، إلى أن المسؤولين فى المملكة المتحدة، يفضلون “قرص ودن التنظيم” بالتضييق على أنشطته فقط، مع الاحتفاظ بكل تفاصيل ومعلومات ودقائق تكشف جرائم، أو ما يمكن أن يرتقى لجرائم، تخص الجماعة، من أجل ابتزازها بها وقتما تشاء، وكذا مساومة اللاعبين الأساسيين فى الشرق الأوسط بالملف ذاته..

وبعيدًا عن التحليلات والتخمينات المرتكنة لنظرية المؤامرة بشأن نوايا بريطانيا تجاه حلفاء الشرق الأوسط، أو بالنسبة لتعاطيها مع الإخوان، فإن السؤال الكبير يبقى مطروحًا: ما الأهمية التى يحظى بها التنظيم فى لندن، لدرجة أن الأخيرة لا تريد إغضابه لصالح الرياض وأبو ظبى والقاهرة، حتى ولو ضحت بملفات أمنية واقتصادية حساسة مع تلك البلدان؟.. إجابة السؤال لا يمكن قصرها فقط على كل ما يمكن أن يقال عن الدور التاريخى لـ”MI6″ فى تأسيس التنظيم، ولا عن العلاقات الوطيدة والبراجماتية المتبادلة بينه ولندن، طيلة عقود طويلة، المسألة تبدو أكثر تعقيدًا على نحو ما.

لا يجب أن ينسى أحد، أن بريطانيا، وعلى خلفية سهولة الإقامة واللجوء السياسى فيها، بدت وكرًا آمنًا للعديد من الأسماء الجهادية والمتطرفة المهمة، وخاصة لأولئك الذين ساعدوا التحالف الأنجلوأمريكى فى الحرب الأفغانية ضد السوفييت، وعليه تبقى لندن حريصة على علاقات مميزة مع الإخوان على وجه التحديد، من أجل ضبط العلاقة مع المتشددين والأصوليين الذين يقيمون على أراضيها.

البريطانيون وعلى نحو ما يرون أنفسهم ممتنين أو ربما مدينين للجماعة، حيث ساعدت الأخيرة مثلًا بخدمات كبرى فى مناهضة الشيوعية والنفوذ الشرقى (الأوربى/ روسيا والاتحاد السوفيتى السابق)، فى أفغانستان والشيشان، وحتى كوسوفو والبوسنة، ناهيك عن الدور الذى لعبه التنظيم من خلال منظماته وجمعياته الخيرية وكوادره النشطة فى عاصمة الضباب، من أجل كشف ملابسات ومنفذى جريمة استهداف مترو لندن فى العام 2005، من جانب القاعدة.

حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ”المساء نيوز ، فإن لندن تخشى أن تمثل أى إدانة من جانبها للإخوان، خسارة للخدمات الأمنية التى يقدمونها لها، عبر إتاحة المجال لاستغلال الروابط بين التنظيم وتنظيمات الجهاد العالمى، كالقاعدة، إضافة إلى أن السلطات البريطانية طالما بدت مطمئنة فى ظل سيطرة الجماعة على كثير من النوافذ الدينية الإسلامية فى بلادها، ومن ثم إعادة طرح أفكار معتدلة على نحو ما بين صفوف المسلمين البريطانيين تناهض التشدد والجهاديين..

وفق معلومات قيمة، بعضها حمل كود السرية وأقصى درجات الخطورة، تضمنها كتاب المؤلف البريطانى، مارك كيرتس، المعروف بعنوان “الشؤون السرية”، فإن هناك عدة أسباب لحرص لندن على علاقات جيدة تعاونية، مع الأصوليين، ومن بينهم الإخوان، لعل أهمها أن أجهزة الاستخبارات البريطانية كانت مقتنعة، بأن استضافة تشكيلة من المجموعات المتشددة فى لندن مفيدة لتعزيز سياسة فرِّق تسد القديمة للندن، فالأنشطة الإرهابية يمكنها أن تثير التوترات وتضع ضغوطاً على الدول بتقويض قياداتها أو تفريق الدول عن بعضها، وهى وظائف اعتبرتها لندن ضرورية فى أوقات معينة فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.. وبالتالى فالداعية أبو حمزة المصرى، الذى رفضت بريطانيا تسليمه للقاهرة، ووفرت له كل الدعم والحماية على أرضها، حصلت منه مثلًا على معلومات عن أنشطة الجماعات المتطرفة التى ترتاد مسجد “فنسيرى بارك” فى لندن، حيث كان أبو حمزة إماماً له لسنوات.

كذلك فلندن اعتبرت، كما يقول كورتيس، وجود قادة الجماعات على أراضيها “بوليصة تأمين” فى حال سقوط الأنظمة الهشة فى المنطقة، كما حدث بعد الربيع العربى، اعتقادًا منها أن هؤلاء قد يكونون قادة المستقبل هناك، فضلًا عن أن وجود تلك الجماعات فى لندن “مكَّن المخابرات البريطانية من التجسس على أنشطتها، واكتساب شكل من قوة التأثير على السياسات الداخلية لبلدانها الأصلية”، كما ساعدت الجماعات فى الإبقاء على منطقة الشرق الأوسط مقسمة وضعيفة بشكل يمكن الغرب من استنزاف ثرواتها دون معارضة تذكر من القوى الوطنية، قبل أن يقطع المؤلف بأن “الإخوان طائفة ماسونية سرية، نشأت بدعم من رواد المخابرات البريطانية، من أمثال تى إى لورنس وبرتراند راسل وسانت جون فيلبى، بهدف الإبقاء على منطقة الشرق الأوسط متخلفة حتى يتمكنوا من نهب مواردها من النفط”..

ضرب الإخوان إذن قد يؤدى إلى ضربات انتقامية طائشة من جانبهم تجاه لندن، على غرار ما حدث مثلًا فى باريك صباح الأبعاء “مذبحة شارلى إبدو”.. قادة التنظيم الدولى نفسه، وعلى غرار تهديدات محمد البلتاجى وصفوت حجازى، لوحوا بذلك دون مواربة.. إبراهيم منير قال صراحة تعليقًا على التحقيقات البريطانية حول أنشطة الجماعة نصًا: “حظر الجماعة فى المملكة المتحدة سيزيد من احتمال تعرضها لهجمات إرهابية”.. وتابع: “إذا أقرت الحكومة البريطانية حظر الجماعة، فإن هذا سيدفع كثيرين فى المجتمعات الإسلامية إلى الاعتقاد بأن قيم الإخوان السلمية لم تنجح، وأنهم يوصفون بأنهم جماعة إرهابية، وهو ما يفتح الباب أمام الاحتمالات كافة (بما فيها العنف)”..

كوادر الجماعة عادت إلى لعبة التهديد والوعيد، لكن هذه المرة تجاه مجتمعات ومسؤولين وشعوب لديها هلع يكاد يكون فطرى من كل ما يرتبط بالإسلام.. التأثير سيكون مباشر وقوى بلا شك.

من المعوقات التى تضرب احتمالية أن “تبيع” لندن الإخوان فى مقتل أيضًا، أن كثيرين من كوادر التنظيم، الذين يثار حولهم شبهات، مواطنين يحملون جوازات سفر بريطانية، وبالتالى فمسألة حظرهم تبدو صعبة، طالما لم يخرقوا القوانين الداخلية للمملكة المتحدة، ومن ثم فإن كل ما يمكن أن تفعله عاصمة الضباب، أنها ربما تمنع قبول عناصر جديدة تنتمى للجماعة، أو لحلفائها على أراضيها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: