مقالات واراء

حي علي الكفاح ..حي علي العمل

بقلم: حامد بدر
يجري العالم من حولنا يسرعة هائلة، ويظهر جليًا للخبير ومتواضع الفهم ما يطرا على العالم من تحولات وتغيرات جديرة نجعل من صيرورة الأمور نحو التقنية والواقع الافتراضي أمر جاد وخطيم يستحق التطوير العملي والعقلي لمواكبة هذا الفرس الجامح والإمساك بسرج الحكمة الذي سيقوده نحو الطريق المعتدل والرشيد.
سعى الناس منذ بداية الخليقة إلى الرفاهة وتحقيق أجود الاساليب لكسب محوري الحياة “المسافة والزمن”، فروَّضوا الدواب بعدما استأنسوها، واخترعوا العجلات، وطوروا من استخدام اللغة، وبنوا المدن والمدائن والحضارات، وطوروا الوسائل والطرق من أجل إكمال قصة الكون الذي نعيش فيه. وكي تتم معالم وربوع هذه القصة بدأ العالم يتجه إلى الواقع الافتراضي واستغلاله، فلا ننكر المزايا التي كسبناها واستفدنا منها على المناحي المختلفة، كما لا ننكر ما جنيناه من سلبيات كثيرة، إلا أن المصلحة العليا للأمم تتطلب السعى نحو التكامل بين محاسن المستجدات وروعة ما أنتجه الماضي العريق.
في الآونة الآخيرة، بدا الواقع الافتراضي مسيطرًا، حتى أنه تجركت لأجله الحكومات، وانعقدت المجالس الأممية الأقليمية والعالمية؛ لتفرض مسماها على حياتنا دون أدنى فرض أو غصب، فبإرادتنا التامة كان الواقع الافتراضي محورًا يتخذ من حياتنا وظيفة كبرى تتجلى فيه خططه وأهدافه. فتخطى مراحل التسلية وقضاء اوقات الفراغ نحو جهود يتم ممارستها على شتى الأصعدة والمجالات طبقت المؤسسات في هذا الواقع أساليبها وتمكنت من تحقيق مآرب كثيرة، لا تقل مكتسباتها بل ربما تزيد.
ففي المجالات الاقتصادية – على سبيل المثال لا الحصر – كانت البنوك قد استغلت هذه الميِّزة، فوفرت الكثير من الجهود والوقت الذي كان يٌيستغرق في ادخار الأموال؛ لتصبح مثل هذه المعاملات غاية في اليسر والسهولة، وعلى المجال العلمي والتعليمي، فلقد صار العالم منفتحًا على مستوى الهيئات والمؤسسات التعليمية والجامعية، كما زالت الحدود التي كانت تحدّ من انتشار الثقافة وانتقالها، فصار الحراك الثقافي والعلمي حالة من الرواج والتدفق لا تقف بوجهها ذات العقبات والمحاذير في الماضي. حتى أنه في المجال العسكري صار هناك ما يُدعى بـ “محاكاة التدريب العسكري”، من خلال خلق بيئة افتراضية من المنشئات التعليمية والتدريبية للعسكريين، فرفرت الوقت والجهد والمال، وأهم من ذلك خسارة أرواح بشرية، وينتشر هذا النوع من التدريب في الولايات المتحدة والصين بشكل كبير.
لكن كما قيل “تأتي الرياح دومًا بما لا تشتهي الأنفس”، فذات التطور الذي كسبناه على الواقع الافتراضي جنينا معه بعض مظاهر البطالة، واستسهال الكسب، واللهث خلف الربح السريع، فغابت الجهود العُظمى واستدبناها بنتاجات وأرباح سريعة. فقد يبدو هذا جليًا مثلاً في مجالات كثيرة كمجالات الفن والأدب.الذي صار لا يصل بنفس كفاءة الماضي، كما ظهر مع الواقع الافتراضي عمليات التداول الوهمي وعملة “البكوين”، الذي أفردنا له تقريًا كاملاً على هذا الموقع بعنوان “البيتكوين .. وفضيلة العمل”، والذي حاولنا إبراز مخاطره على قيمة الكسب والربح، وقيمًا اكثر أكثر أهمية في بناء الأمم ومواصلة الحياة الطبيعية.
وعلى مستوى البطالة، فقد بلغ عدد الأفراد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية 14.3 مليون، مسجلة بذلك أعلى مستوى بطالة في العالم، لا سيما بين النساء والشباب، بحسب تقرير مشترك للإسكوا ومنظمة العمل الدولية. وفي تقرير، منشور في أغسطس الماضي من العام 2021 عن الهيئة العامة للأمم المتحدة، بارتفاع نسبة البطالة داخل المنطقة العربية إلى 12.5%، أعلاها في فلسطين (31%) ثمّ ليبيا (22%) وتونس والأردن (21%). وبحسب ذات التقرير فإن “عدد الأفراد العاملين في قطاعات حددت بأنها الأكثر عرضة للمخاطر، كالصناعة والضيافة والعقارات والأعمال والأنشطة الإدارية، يبلغ 39.8 مليون شخص يواجهون خطر التسريح أو تخفيض الأجر و/أو ساعات العمل، خاصة بعد ما سببته جائحة كورونا”.
والسؤال البائس هنا .. هل نترك الواقع الافتراضي ؟
بالطبع الإجابة لا، لكن – على أقل تقدير – يجب أن يعمل الواقع الافتراضي بالتوازي مع الأعمال التقليدية، وليس المقصود بالطبع التقليدية هي العودة إلى العصر الحجري، بقدر أن تكون هناك معقولية في الاعتماد على الضيف الجديد، فلا يندثر دوره ولا يتسفحل اثره، فالهوينة الهوينة في تغذية هذا الوحش، ومحاولة الاعتماد على الكفاءات العضلية، والجهد البدني.
ومن هذه المنصة يتوجب على النظم، الكيانات، والإدارات أن تدعوا رواد الأعمال وأصحاب المصالح العامة والخاصة أن يتوجهوا لخدمة مجتمعاتهم، بفكر جديد يدعِّم قيمة العمل على أرض الواقع كي يعمل كتفًا بكتف مع الواقع الافتراضي، فيكون الأول جذرًا للثاني، ويظل الثاني ذراعًا تقنيًا ماهرًا في تنفيذ أغراض ومهام الأوَّل.
ولتكن دعوة تستجمع الطاقات وتجدد الآمال ” حي على الكفاح .. حي على العمل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: