حينما صرخَ الشيطان!
كتب – حامد بدر
أرسل إليَّ صديقي عبر التراسل الفوري “كتابةً” : عزيزي حامد هل يسمع الأصمَّ وسوسة الشيطان؟”.
كما العادة لا تخلو أسئلة صديقي من بعض التفلسف ونقاط تثير وجهات النظر، أغلقتُ الرسالة وفتحتها سريعًا؛ لأكتب ما دار بخاطري وبخاطر كل متسائل:
“وهل للوسواس صوت تقع ماديته الحسية سماعًا، كما نسوس الأفكار نحن لبعضنا البعض – حكومات وشعوب- عبر الوسيلة الاتصالية؟
مسألة فيها نظر..
لكن الحالة لا يمكن الحكم عليها بمجرَّد الإجابة على سؤال واحد، بل إنه تساولٌ يضم في كل فرع من أفرعه الهامة نقطة بارزة، لا تنفصل بنفسها عن الاخرى. فللإيجاز لا التفصيل يمكننا أن نضع التساؤل الآتي:
ما الوسوسة؟،وأصل كلامها ومعناها؟ كيف تكون؟ وهل لوقعها المادي إن كانت لها هذا الوقع تأثير حسِّي على المسامع؟ وهل هناك ثمت فرق بين الأصم ومن هو متمع بحاسة السمع في تلقِّي واستجابة لتلك الوسوسة؟
لكن سؤالاً ربما ينطرحُ فُجاءةً يا “عزيزي” هل يبذل الشيطان كل هذه الهمَّة والمجهودات من اجل إيصال رسائله الخبيثة للأصمِّ؟
لعلَّ فكرة أخرى تنطرحُ من ذوات غير ذات المسألة المعروضة على هذا الشيخ، ألا وهي أساليب الشيطان، ودراسة كافة حيله، وتفنيد خبائثه على محمل من التفحُّص. أعتقدُ أن الشيطان لا زال في عجب من أسئلة تجتث من القيم ما تربطه بأطروحات ربما لا نستفيد منها على واقعنا العملي اليومي البسيط جدًا..
إن المهام اليومية التي يتبعها الشيطان، لا تخرج عادة عن كونها مهامًا شيطانية اعتيادية، فهاهُم ضِعافُ النفوس يتهافتون حيارى من أجل ملذّاتهم اللحظية، وها هو يائس من كون الخطيئة حتى تحقق له مبتغاه. لكن هناك هذا الصيد الثمين رجل ضعيف أثقله الحِمل فخرج متأوِّهًا غير مسرور يجاهد ذاته ويصارع نفسه، وهنا تتحرك شهوات إبليس الرَّجيم يستلُّ من جُعبته الوساوس ينفث، ويهمز، ويلمز، وتكون معاركه في هذه الحالة بين النصر المؤقت والخسران.
يخرج إلى السوق فيدفع بالكراهية بين متجاورين بالبضائع، فلربما خرج أحدهمعن ملَّتِه بسب الذات الإلهية، فيخسر الاخ أخاه، أو ذلك البعيد المتجهِّم الذي حلَّ ضيفًا – هنا – يبتاع بعض الأمتعة فيقسمُ أنَّ ثمن البضاعة أقل بكثير في أوِّل السوق عن آخره، فيحلفُ الآخر بكل المقدّسات أنه لمن الصادقين، فتسير تجارة خاسرة بين حلَّافٍ مَهين وآخر، أو ربما ظفِرَ بطلاق أحدهما لزوجته بعد حلفِف كذبًا وافتراءًا، يقف متحسِّرًا على المساجد ومن داوم على زيارتها، يقف خائفًا من ترانيم بكنيسة العذراء صبيحة أحد.
سيكملُ مسيرة يومه..
سيذهبٌ إلى بيوتنا جميعًا يتقصّى أنباء العبادات، ليرى ظلاميات ونورانيات على وُجوهنا، لربما وجد فيها ما يشفي غليل يأسه من رحمة الله.
سيخرج وقد ضجّ بما أُمليَ على حواسِّنا التفاعلية والجماهيرية “الإنترنت والتليفزيون والمحطات الموجَّهة وصحف عالمية وإقليمي” من أخبار الموضة والفنّ والسياسة والحروب العربية العربية لا الحروب التي تحملُ القضايا القومية، والقتل البشع للأبناء والآباء، سيخرجُ وقد ضجَّ بأخبار الصراعات ، والإرهاب ،والأوبئة، وأخبار لا تحمل الصدقية ولا المصداقية الكاملة، وشرور أخرى صارت تنافس عرش إبليسيته الهَلُوك.
نعم .. سيخرجُ وقد ضجَّ من آفاتٍ تقاتلُنَا وتقتلُنَا ونحن لها مُخلِصون إخلاص العامل على مكينته في مصنع لا تنقطع الأشغالُ فيه، أرباحه لآخرين ليس له، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
لكن الأصمّ لم يزل في نعيم، ربما لا يسمعُ بتلك التراهات التي يثرثر بها الأصحَّاء، فيكون في هذا الموكب الذي يزفُّ الخيبة غير منتبه أو آبه بما يحدُث، ولا يعلم سوى أن له مُبتغى يخصُّه هو”.
صدقني يا “عزيزي” ما وقَعَ عجبًا في هذه المسالة التي اقتربت منَّا حد السفه وبعدَت عنَّا حد المنطق المطلوب، أنّك “لن تُسمِعَ الصمَّ الدُعاء” فهل ستُسمعهم الوسوسة، التي حار فيها الشيطان وصرخ : “ارحمووووني”؟