“حلا / تامر”: ماذا لو كنا في العصور الوسطى؟
حامد بدر
كثيرًا ما انتابني الشعور بالاشمئزاز حينما كنت أقرأ عن الظلم الذي تعرَّضَ له البشر في العصور الوسطي في أوروبا، والذي يُعرف عنه كثيرًا بإساءة استخدام السلطة تجاه البشر والمخطئين وتعريضهم لأسالبيب أكثر سادية، لكنني – وبغض النظر عن أن هناك تعارض حول هذه المعلومة – أكتشف كل يوم أننا وفي بلادنا العربية والتي تتبنى المناهج الدينية الوسطية، نمتلك أساليب أكثر قسوة مما ينبغي، فتمارسها ضد النفوس، والتي تظهر ما إن يُخطئ أحدنا اويقع في ذنب ما، حتى يتجوّل الأفراد والناشطونعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إلى نقاد لاذعين، أو وُعّاظ متشددين، وكلاهما “جلاد” يسرق من نفس الضحية أجزاءًا من الكرامة والاحترام والسمعة، وربما تصل إلى التحريض ضده وتحريك الرأي العام تجاهه بالسلب.
وللأسف تتجسد مثل هذه المشاهد السالفة في الأزمة التي أثارتها الفنانة “حلا شيحة”، خلال هذه الفترة، والتي كانت أعلنت تبرؤها من مشاهدها السنيمائية التي أدتها بعد نحو ثلاث سنوات على عودتها إلى الفن والذي سبقه اعتزال دام عقد من الزمن عقب ارتداء النقاب، وكذللك الفنان تامر حسنى الذي تتناوله الانتقاءات ويلاحقه تصريح قديم خلال استضافته بإحدى البرامج “مش عايز أموت وأنا مطرب”. فأول من يتعرض إلى هذه الهمجية التي يتم تنظيمها – للاسف – عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بحرفية مُتقنة هم الفنانون والمشاهير وغيرهم من أصحاب الشأن، إذ نجد أن زلَّاتهم أو أخظائهم تحت بقعة الضوء، فلا ترحمهم الألسنة اللازعة، ولا تترك لهم الألسنة الأخرى من المدافعين عنهم أن تكن لهم أحقية الرد المجتمعي، ولا أقول الإعلامي. ومن ثمَّ يضطرون إما لمجابهة المنتقدين بكثير من التصريحات والتظاهر بقبول التجريح في نفوسهم وربما ذويهم، أو تبنِّي مواقف أكثر تعصبًا وتعسُّفية؛ من أجل الدفاع عن هذه الأخطاء، والتعايش معها.
نحن هنا لا نتبنّى موقفًا ضد طرف، ولا نودُّ شخصنة الأزمة، وإنما على هذا النحو نجد أن المجتمع يتحول إلى شيطان عن طريق بعض الذين يزعمون أنهم وكلاؤه، فيبدو مشهد الهمجية متصدرًا؛ ليتبدد أثر ضوء الحكمة التي تحاول النفوس الهادئة بثها خلال التعامل مع القضية، حينها ربما يشعر الفنان بأنه افتقد آدميته، فيصير مجبرًا على تفسير حالته، إما بازدواجية في الىراء أو الانعزال التام عن الواقع.
كل ما سبق ربما يمكن الأحذ والرد والتعديل فيه، لكن الأزموية تظل في تشويه صورة الفن والفنان في عقلية الأجيال، فتقترن صفة الفنان بأقل الصور مناسبة داخل المجتمع، وتزيد من نسبة عدم تقبُّله، وحتى إن تقبَّله فإنه ينظر إلى حياته على أنها حياة الجهنّميين الذين لا تُقبَلُ لهم شفاعة ولا توبة، فينقلب صاحب هذه المهنة إلى إما متوارٍ عن الناس أو مدافع عن الخطأ.
ولهذا فينطرح سؤالاً استنكاريًا: “ماذا لو كنا في العصور الوُسطى؟”، ربما كنا سنتقبل التشهير والتوبيخ على اعتبار أن القهر كان قانونًا، لكننا للأسف نعايش عصور الحداثة والتقدُّم التي نتشارك فيها جميعا ونعايش قدْرًا من الحرية المسموحة فيه، فصرنا نتفقّد فيها الأصوات العاقلة في طرقات “التريند” الذي لا يرحم.
يا سادة .. الفنان إنسان له إنجازاته في كتاب حياته وإخفاقات أخرى، قد نتفهَّم ومن المؤكَّد نتفهَّم أن حياة الفنان تحفُّها الكثير من المخاطر على قيمه ومعتقده فهو بالطبع ليس شيخًا ولا قديسًا، لكننا لا بد وأن نتفهم أن للفنان حق في أن يبنّي الأفكار الدينية والقيمية المختلفة غير الخطرة حتى وإن بدت بعيدة عن توجهاتنا، فالفنان بشر من حقه رفاهية أن يخطئ ويصيب.