اخبار المحافظاتمقالات القراء

جدو مرجان”… مسرحية غنائية للأطفال في موسم الحكاوي

د: مروه ماجد السواح

مع دخول فصل الصيف، وانتهاء الأطفال من المذاكرة والامتحانات، قررت أن استثمر وقت فراغ ابنتي “مودة”، ذات السبع سنوات، بما يثري مهاراتها الذهنية ويحفز قدراتها الحركية. ولأنها تحب الاستماع للقصص والحكايات، وسبق أن شاهدت عروضًا مسرحية عديدة للأطفال، تساءلت “ماذا لو أصبحت مودة جزء من حكاية تروى على خشبة المسرح؟”.

ولإنني أؤمن بأهمية المسرح وقيمته في تنشئة الأطفال، اصطحبت مودة إلى قصر الثقافة بالمنصورة، وهناك قابلت المخرج الكبير رائد المسرح الأستاذ/ أحمد عبد الجليل، ورحب بها وضمها لفريق مسرحية “جدو مرجان”، التي من المقرر أن ينطلق عرضها الأول في الثامن من شهر يونيو، على مسرح الثالث والعشرين من يوليو بمدينة المحلة. ومسرح الطفل، من وجهة نظري، هو خير معلم للأخلاق ومقوّم للسلوك، وأنسب وسيلة لتقريب القصص والروايات إلى أذهانهم ووجدانهم. وله دور فعال ومؤثر في إعمال حواس الطفل، وتعزيز تركيزه، وتنمية حصيلته اللغوية، وتطوير مهاراته العقلية والعاطفية والاجتماعية. فضلًا عن كونه يقدم عالم مليء بالمتعة والإبهار، ينزع منه الابتذال والإسفاف.

وفي “جدو مرجان” يلتف الأحفاد الصغار حول جدهم، يسألونه أن يلعب معهم، فيستنكر عليهم ألعابهم الإلكترونية ورسومهم الكرتونية الدخيلة على ثقافتنا المصرية والعربية، ويوضح لهم كيف كان الأطفال في الماضي يبدعون في قضاء أوقات فراغهم بألعاب جماعية مسلية ومفيدة، على عكس جيلهم الحالي، جيل الإنترنت والذكاء الاصطناعي، الذي غدى متوحدًا مدمنًا؛ بسبب طبيعة الألعاب التي تدفعهم للعزلة والعنف والسلبية. فتعجب الأحفاد الخمسة “شهد، همس، ملك، مؤمن، إياد”، وتساءلوا كيف كان الأطفال يلعبون ويمرحون رغم غياب أجهزة وي وبلاي ستيشن؟.
ولهذا، قرر الجد أن يحكي لهم حكايتان كانتا من أشهر أوبريتات الإذاعة المصرية، هما: تاج الجزيرة “السلطانية”، والدندورمة، ليجلس أحفاده من حوله في فرح ولهفة، ويستمعوا للحكايا في تجسيد رائع، مروي بالصورة والموسيقى، والبهجة والألوان.

يبدأ الجد مرجان أولًا بحكاية السلطانية، التي يجسدها الفنان أحمد فوزي في دور الإسكافي مرزوق، والفنان مخلص في دور الخياط، والطالبة نورهان عن دور زوجة مرزوق، إلى جانب عدد من الأطفال الموهوبين يمثلون أبناء مرزوق، وحاشية الفنان محمد خليل زعيم الجزيرة.

الحكاية، التي تعد إرثًا إذاعيًا ثمينًا، تُجسد اليوم لأطفال الألفية الثانية في دراما وحبكة واستعراضات متناغمة. وتعرض قصة الإسكافي الذي تكاثرت عليه الديون وهاجمه الديانة فهرب تاركًا زوجته وأبنائه، ولم يكن في يده إلا سلطانية، ولما وصل إلى شاطئ البحر أبحر مع طاقم سفينة مجهولة، لكنها تحطمت وغرقت في عرض البحر، وكان هو الناجي الوحيد والسلطانية فوق رأسه. وبعدها وجد مرزوق نفسه أسيرًا لدى زعيم جزيرة الهمج، ولكي ينجو من قبضتهم، قدم السلطانية للزعيم، ليضعها الأخير على رأسه ويعتبرها تاج الجزيرة العظيم، وتقديرًا لمحبة مرزوق، أغدق الزعيم عليه بالهدايا النفيسة والجواهر الثمينة.
ولما عاد مرزوق إلى أسرته محملاً بالهدايا، وحكى القصة لمحمد الخياط الطماع، استشاط غيظًا وجشعًا، فقرر أن يبيع كل ما يملك، واشترى هدايا كثيرة لزعيم الجزيرة، فسافر وقابله، إلا أن زعيم الجزيرة لم يجد ما يكافئه به إلا أن خلع عليه تاجه، الذي هو السلطانية!!

وبعد أن فرغ الجد مرجان من الحدوتة، ألّح عليه الأحفاد بأن يحكي لهم حكاية أخرى، كون “السلطانية” نالت إعجابهم واستحسانهم. فحكى لهم عن “الدندورمة” في مشاهد فنية تحمل في طياتها رسائل تعليمية وتربوية، بأداء سلس وبسيط، وحوار تفاعلي كوميدي، أدته الطالبة “لوجين أحمد” في دور زكية، البنت التي يتصارع على حبها بائع الدندورمة “هاني لاشين” وصبي القهوة “أحمد عبد الوكيل”، كما يتصارع والديها بشأن زواجها إما من رجل ثري وغني كما ترى أمها “هانيا”، أو ببائع الدندورمة الشهم الطيب كما يرغب  والدها.

ويتخلل الحوار الدرامي والأغاني فواصل مرحة وخفيفة لاستعراضات البهلوانات “عمرو حسن، مريم، تسنيم، مالك”، فتضفي على العرض مزيدًا من الفرح والمرح والبهجة والسرور، وتشجع أطفال الصالة “مودة، رقية، ساندي، حبيبة، مايان” والحاضرين من الجمهور على التفاعل مع العرض المسرحي.

جدو مرجان مسرحية تعلم الطفل فن تذوق الحياة، وتستثير وعيه الفطري على استكشاف أوجه الصراع الدائم بين قوى الخير والشر، ليدركوا أن الخير والحب دائمًا ما ينتصران في النهاية.

ولكن… خلال أيام “البروفات” التي حضرتها، لمست سلبيات كثيرة بشأن قصر الثقافة بالمنصورة، بداية من تراجع دوره، وغلق مسرحه الكبير والمهم، والإهمال الكارثي للمبنى من غرف ومرافق، وافتقاره لأبسط الأجهزة والمعدات كالمراوح والإضاءة والكراسي! علاوة عن قلة الدعم المقدم، سواء أكان دعم مالي تقدمه الجهات المعنية به، أو دعم معنوي من قبل أهالي مدينة المنصورة الممثل في تشجيع أبنائهم على الالتحاق به.

وهنا، أدعو كل مسؤول أو أسرة أو هاوٍ أو محترف، أن يحرص على إعادة الروح لهذا المسرح الذي لا يحتضنه  سوى النيل فقط. علينا جميعًا أن نتكاتف، ونزيل الأتربة عن عوارضه الخشبية، ونشعل أضوائه، ونفتح ستاره المنسدل دومًا، ونسوّق للعروض في مختلف المنصات الإعلامية، لتدب فيه الحياة من جديد، ويعود لأداء مهامه الثقافية والخدمية التي تغرس الهوية المصرية، وترتقي بالذوق العام، وتشكل درعًا يحمي أطفالنا من الغزو الفكري والثقافي الغربي الممنهج.

يذكر أن العمل من إخراج أحمد عبد الجليل، وتأليف أيمن النمر، وموسيقى وألحان إيهاب حمدي، ومصمم الاستعراضات خالد النموري، وديكور محمد فتحي، وجرافيك سامح الجميل. إلى جانب هاني لاشين ومحمد عبد الجواد مخرجان منفذان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى