مقالات واراء

بعد نكسة 67 .. لماذا يعشقون عبد الناصر؟

حامد بدر
بعيدًا عن الأساباب الداعية والخفايا التي أدت إلى النكسة التي لحقت بمصر فجر الخامس من يونيو عام 1967، والتي أدت إلى تدمير الغطاء الجوي لمصر واحتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.. وبعيدًا عما تشوب المرحلة الناصرية من أخطاء يندد بها أعداء الزعيم الراحل لدرجة كراهية الشخص نفسه، ويدافع عنها محبيه لدرجة مناجاته والهيام به، ويتجنب الحديث عنها آخرون من باب “وانا مالي”. إلا أن جمال عبد الناصر – دون الخوض في جنبات مرحلة حكمه – لم يزل في جبين مصر كشامة الحسناء وإن ترك أثرًا في لين وجنتيها – إلا أنها توحي لك بعظمة وعزة، في وقت تنقلب فيه شتى الأوضاع السياسية، وتخرج السياسة عما يألفه المواطن جراء الأحداث العالمية الكبرى.
إن في جمال عبد الناصر دروسًا لأولي النهى، فالخروج من الأزمة، وطرد الاحتلال، وتأميم القناة لصالح البلاد، وتنفيذ ما نادى به مفكرو مصر العظام من ضرورة قانون للإصلاح الزراعي، ووقوف مصر بـ “عينها الحمراء” للعالم، لهو الفائدة التي يمكن أن نخرج بها، ولهو الوعظ الوطني الأسمى الذي يمكن أن نتركه ميراثًا للأبناء وأبنائهم.

“1952 – 1967”
صحيح أن مصر خرجت جراء ثورة يوليو 1952 “أو كما يسميها البعض انقلاب يوليو” – ولا حرج في ذلك اصطلاحًا فكلاهما شكلين غير شرعيين من أشكل انتقال السلطة – ، من حالة استقرار إلى حالة الحرب، إلا أن هذه الحالة من عدم الاستقرار أيقظت مفاهيم حركات التحرر العربي، وحق المواطن في لقمة العيش والتعليم المجاني، وشعور المواطن بقضايا أمته. أليس عبد الناصر هو الذي تصدى لـ “ماما أمريكا”: إذا وجدتم أن أمريكا راضية عني .. فاعلموا أني أسير فى الطريق الخطأ، أليس اسم عبد الناصر لم يزل ترتجُ له المحافل الدولية، أليس ذكراه تؤرق عيون جبناء يضربون المسجد الأقصى..؟.
وبرغم مساوء هزيمة يونيو إلا أن في العديد من الأقطار العربية لم تزل صور الزعيم الراحل معلقة على جدران بعض البيوت، لم يزل يتبع نهجه وسيرته الكثير من الشباب والآباء داخل مصر وخارجها، ولم تزل حقبة حكمه مسار ومثار جدل ودراسات أكاديمية، وتاريخية، وتخصصية مختلفة، تنبع من شغف الباحثين والقراء عنه، وعن سيرته، كما تنبع من تفهم عقلي وعاطفي لجذور الأزمة وما لحق بالامة المصرية كلها، لا لشخص بعينه.
لقد تحولت شخصية عبد الناصر إلى شخصية الأب الروحي الذي تناجيه الأجيال التي عانت ويلات الفساد المصيبة للمرحلتين الساداتية وآخر عهد مبارك، إلا أن ذكراه سلوى لكل من عانى ويعاني منها .. لقد تحولت شخصيته إلى ملهم روحي لدى قطاع كبير من المجتمعات على المستوى الداخل والخارج، حتى تملكت قلوب رافضيه .. لقد تحولت شخصيته إلى طبول حرب في القلوب تنذر أعداء الأمة العربية بأسرها ..
إن جمال عبد الناصر حالة فريدة من نوعها – وإن اختلف الناس – يناجيها الضعفاء، ويخشاها الأشاوس من أهل الباطل والشر.
وختامًا تحضرني كلمات من قصيدة “الهرم الرابع” للرائع نزار قباني:
“موجودٌ في عرقِ العمّالِ..
وفي أسوانَ.. وفي سينا..
مكتوبٌ فوقَ بنادقنا..
مكتوبٌ فوقَ تحدينا..
السيّدُ نامَ.. وإن رجعتْ
أسرابُ الطيرِ.. سيأتينا..
ما زال هنا عبد الناصر..
فلا تيأسوا فالنكسة الحقيقية لم تكن، ما دامت الذكرى ناقوس يدق في الوجدانات اليقظة لا يهدأ حراكه ولا يسمح للعيون بالغفلة .. فعبد الناصر فكرة لا تموت، بل تحيا في قلوب النابغين والراشدين، والمناهضين، والمجاهدين، والعمال، والفلاحين، وحتى اليائسين أملاً، وكذلك ذات الذكرى أرق يقلق منام كل خائن أو معتدٍ .
ودمتم،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: