بعد موافقة مجلس الشيوخ: “بين المريض والطبيب” قانون المسؤولية الطبية”.. المشهد الصحي في مصر
"المساء نيوز" تنشر:
إعداد – د. حامد بدر
وافق مجلس الشيوخ نهائيًا في جلسته العامة اليوم على مشروع قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض، بعد نقاشات موسعة امتدت لفترة طويلة، بهدف تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وضمان حماية مقدمي الخدمات الطبية.
القانون يُعد نقلة نوعية في تنظيم العلاقة بين متلقي الخدمة الطبية ومقدميها، حيث يعالج قضايا محورية تتعلق بالمسؤولية الطبية والأخطاء المهنية، ويؤسس إطارًا متكاملًا لضمان حصول المرضى على حقوقهم وتعويضهم عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية، مع حماية العاملين في القطاع الصحي من الشكاوى الكيدية.
مضمون القانون وأهدافه
الأحكام العامة
جاء القانون في إطار شمولي، ليضع تعريفات دقيقة للمصطلحات الأساسية مثل “المهن الطبية”، “الخدمة الطبية”، و”الخطأ الطبي”. كما حدد نطاق المسؤولية الطبية وآليات تحديدها، واضعًا أسسًا واضحة تضمن الشفافية والعدالة.
المهن الطبية، وفقًا للقانون، تشمل الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة وأخصائيي العلاج الطبيعي والتمريض والفنيين الصحيين وغيرهم، على أن يزاولوا المهنة وفق التشريعات المرخصة. كما يوضح القانون أن المسؤولية الطبية تقع على كل خطأ ناتج عن تقديم الخدمة الطبية إذا تسبب في ضرر لمتلقي الخدمة.
ضمانات الحماية لمقدمي الخدمة
أحد أهم بنود القانون هو التأكيد على انتفاء المسؤولية الطبية في بعض الحالات، مثل المضاعفات الطبية المعروفة أو الضرر الناتج عن رفض المريض للعلاج أو عدم اتباعه للتعليمات الطبية. كما نص القانون على أن مقدم الخدمة لا يتحمل مسؤولية الضرر إذا كان قد اتبع الإجراءات الطبية وفقًا للأصول العلمية الثابتة.
التزامات وضوابط لمقدمي الخدمة
حدد القانون واجبات مقدمي الخدمات الطبية بوضوح، ومنها:
الالتزام بالأصول العلمية وتسجيل الحالات الطبية والسيرة المرضية.
تبصير المرضى بحالتهم والمضاعفات المحتملة، والحصول على موافقة مستنيرة قبل بدء العلاج.
متابعة حالة المرضى داخل المنشآت الطبية والتعاون مع الزملاء في تقديم الرعاية.
الإبلاغ عن الأمراض المعدية لحماية الصحة العامة.
في المقابل، يحظر القانون تجاوز حدود الترخيص الطبي، معالجة المرضى دون رضاهم (إلا في الحالات الطارئة)، أو الانقطاع عن علاج المريض دون التأكد من استقرار حالته. كما يشدد على سرية المعلومات الطبية، مع استثناءات محددة مثل الإبلاغ عن الجرائم أو الأمراض المعدية.
اللجان التنظيمية: حوكمة المسؤولية الطبية
اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض
يتضمن القانون تشكيل لجنة عليا للمسؤولية الطبية تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتضم خبراء من مختلف القطاعات الطبية والقانونية. تختص اللجنة بالنظر في الشكاوى ضد مقدمي الخدمة الطبية، اعتماد تقارير اللجان الفرعية، والتنسيق مع النقابات لإصدار أدلة إرشادية.
اللجان الفرعية
تشكل اللجان الفرعية من أعضاء المهن الطبية لفحص الشكاوى المتعلقة بالأخطاء الطبية. تقوم هذه اللجان بعقد اجتماعات مع مقدمي الشكاوى والمشكو بحقهم، وتصدر تقارير مفصلة عن مدى وقوع الخطأ الطبي وأسبابه.
تعويض المرضى وحماية مقدمي الخدمة
يتضمن القانون آليات واضحة للتعويض عن الأضرار الطبية، حيث يتم إنشاء صندوق تأمين حكومي يلتزم مقدمو الخدمة الطبية بالاشتراك فيه. هذا الصندوق يتولى تعويض المرضى أو ذويهم في حالة ثبوت الخطأ الطبي.
كما ينظم القانون إجراءات التسوية الودية بين الأطراف، حيث تشرف لجنة خاصة على هذه التسويات لضمان تحقيق العدالة دون اللجوء إلى القضاء. وإذا لم تنجح التسوية، تستكمل اللجان الفرعية أعمالها لحسم الشكوى.
إجراءات الشكاوى وآلية التنفيذ
يتيح القانون للمرضى أو ذويهم تقديم الشكاوى بشأن الأخطاء الطبية إلى اللجنة العليا أو مكاتبها في المحافظات. كما يمكن إنشاء موقع إلكتروني وخط ساخن لتلقي الشكاوى، بما يضمن سرعة وكفاءة التعامل معها.
تتولى اللجان الفرعية فحص الشكاوى وإعداد تقارير تتضمن مدى وقوع الخطأ الطبي وجسامته، مع تحديد نسبة المشاركة في الخطأ حال تعدد المسؤولين عنه.
سرية الإجراءات وضمان النزاهة
شدد القانون على سرية اجتماعات اللجان وإجراءاتها، ومنع إفشاء المعلومات أو استخدامها خارج إطار القانون. كما ألزم أعضاء اللجان بالتنحي عن إبداء الرأي حال وجود تضارب مصالح أو صلة قرابة بأي من الأطراف.
موعد التنفيذ وآليات التطبيق
يُنشر القانون في الجريدة الرسمية ويُعمل به بعد ستة أشهر من تاريخ النشر، بما يمنح الجهات المختصة الوقت الكافي لإصدار اللوائح التنفيذية اللازمة لتطبيقه.
نقلة نوعية في النظام الصحي المصري
يمثل قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض خطوة تاريخية في مسار تحسين الخدمات الصحية في مصر، حيث يحقق التوازن بين حقوق المرضى وضمان أمان مقدمي الخدمة الطبية.
بإقراره، يفتح القانون الباب أمام نظام صحي أكثر عدالة وشفافية، يعزز الثقة بين المرضى والأطباء، ويدفع القطاع الطبي نحو مزيد من التطور والالتزام بالممارسات الآمنة عالميًا.