تحقيقات صحفيه

انفراد ابراهيم البسيونى يفتح الملف الشائك.. النيران الصديقة لرجال السلطة تصنع أساطير الإخوان

133016صدق أو لا تصدق، جماعة الإخوان المتعثرة تنظيميًا، الملاحقة أمنيًا، المنبوذة شعبيًا، وأخيرًا المحظورة قضائيًا، لا تزال على قيد الحياة رغم كل أخطائها وخطايا قادتها، ورغم كل ألوان الإرهاب والعنف والتحريض التي تورطت فيها في الكواليس والعلن منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، بينما كلمة السر في الأمر برمته تكمن في جوائز وهدايا السلطة المجانية، والتي تمنحها لأبناء حسن البنا من حين لآخر، سيان تم ذلك عمدًا أو جهًلا، ففي النهاية لا فارق كبير في النتيجة.

محافظ البحر الأحمر يحرق 36 كتابًا

إخوانيًا بدلًا من الرد عليها وتفنيدها

بأعمال مضادة

نوافذ الجماعة الإعلامية والإلكترونية

تروج للحادثة خارجيًا على أنهم مقموعين

فكريًا

تعليق الفشل الحكومي على

«شماعة الإخوان» فقط يصنع قوة زائفة

لتنظيم ميت

 

العجز المريع من جانب مؤسسات الدولة وحكومتها، في ملفات حيوية تمس حياة المصريين اليومية، وفي مقدمتها أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فضلًا عن جنون الأسعار المتصاعد، وحالة الجشع التي انتابت بعض القطاعات، على خلفية رفع الدعم عن البنزين والسولار، إنما يخصم بلا شك من رصيد السلطة لدى الناس، فيما يصب تلقائيًا وبالضرورة في ميزان الإخوان، على اعتبار أن شرائح عدة من المصريين الذين انتفضوا ضد الجماعة في 30 يونيو 2013، خرجت بالأساس اعتراضًا على ما تجسد أمامها من ارتباك وتعثر وبلادة وعدم دراية بأصول الإدارة والحكم من جانب الرئيس الأسبق ونظامه وأهله وعشيرته.

قد يرى البعض أن للأسباب التي دفعت الغضب الجماهيري للانفجار في وجه الإخوان، مبررات منطقية للاشتعال مجددًا في العهد الجديد.

الكارثة الأكبر أن لجوء أهل السلطة الحالية، لتعليق كل فشل على شماعة الإخوان وإرهابهم وعنفهم، وخاصة حين يرتبط الموضوع بعجز حكومي عن حل أزمات خدمية، كتفشي الظلام والعتمة في بر مصر، لا يعنى إلا إصرارًا على صناعة أساطير لجماعة الإرشاد، عبر التضحيم من قدراتها وقوتها وتأثيرها، فيما تتشكل قناعة مضادة بضعف النظام القائم.

الدولة تصنع هنا، بوعي أو بغير وعي، من تنظيم دخل عصر الشتات، ما بين السجن والمنفى الاختياري، فزاعة جديدة، بينما عصر الفزاعات قد ولى رسميًا مع رياح 25 يناير. صحيح أن الإخوان يخربون، لكنها ليسوا خارقين أو من فئة السحر حتى يصنعون كل تلك الأزمات والمشاكل بمفردهم.. العقلانية والموضوعية تحتم رسم صورة حقيقية للعدو، دونما أي تضخيم أو مبالغة، حتى لا يكون المردود عكسيًا او سلبيًا.

الشماعة الإخوانية تتحول لمأساة، حين تُستدعى في قضايا أمنية. فكم من مرة اتهم المتحدث الرسمي للداخلية الجماعة وكوادرها، بالوقوف وراء عمل إرهابي ما، بعد دقائق معدودة من وقوعه، في استباق غير مريح للتحقيقات وسير العدالة.. المتحدث العسكري وقع في ذلك الفخ على نحو أقل كثيرًا.. المحصلة الأخيرة تشكيك في غير محله في عدالة ومصداقية السلطة، في مقابل منح عدوها مظلومية وطوق نجاة لا يستحقهما.

ما لا يجب أن يغيب عن الجميع في خضم المعركة، أن الإخوان خصم عنيد، يجيد تسويق مواقفه ووجهة نظره دوليًا، وكذا لدى شرائح عدة متدينة وغير مسيسة في الداخل.. الجماعة تغسل يدها من الدماء والتحريض وخطط حرق البلد بسياسة اللعب على الأخطاء الساذجة للمنافس (النظام)، والأخير لا يكذب خبرًا، ويومًا بعد آخر يزيد من حرجه الخارجي بإجراءات مستفزة وطفولية في كثير من الأحيان.

الجائزة الرسمية الأخيرة جاءت للإخوان من محافظة البحر الأحمر.. وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة كافة، وكذا تلك المنتشرة في فضاء الإنترنت، تداولت خلال الساعات القليلة الماضية، خبرًا بدت طريقة صياغته شبه واحدة، وتنطوي على كثير من التفاخر والزهو الأعمى، ما يؤشر إلى أن مصدره واحد، وهو نفسه من قام بكتابته وتعميمه على هذا النحو الاحتفالي.

الخبر الكارثي يقول، إنه تم حرق 36 كتابًا إخوانيًا عثروا عليها داخل مكتبة مصر العامة بالبحر الأحمر، بدعوى أنها تحمل الفكر المتطرف والفكر الإخوانى، وتدعو لتطبيق نظريات الرئيس التركى رجب أردوغان، فيما تم إعدام الكتب بالمدفن الصحى جنوب مدينة الغردقة، تنفيذاً لتعليمات اللواء أحمد عبد الله محافظ البحر الأحمر؟!!.

بالقطع علامتا الاستفهام والتعجب السابقتان لم تكنا في متن الخبر الفضيحة، والذي أكمل تفاصيله المخزية، بالإشارة إلى أن سكرتير عام محافظة البحر الأحمر، اللواء سعد الدين أمين، كان قد كلف لجنة من ديوان عام المحافظة للجرد المالى ودفاتر العهدة داخل المكتبة، وعندها لوحظ أن هناك بعض الكتب تحمل في طياتها فكرًا إخوانيًا، ومن ثم كتب تقريرًا عنها، ترتب عليه قيام المحافظ بتشكيل لجنة أخرى لحصرها، وكان من بينها كتب (الإخوان المسلمين فى الحكم فرصة العمر)، و(قصة أردوغان)، و(الإخوان المسلمين فى الميزان الحق)، و(الإخوان المسلمين وحكم مصر)، و(مصرى فى تنظيم القاعدة.. المستشار الإعلامى لبن لادن)، و(الإخوان المسلمين سنوات ما قبل الثورة) وغيرها.

من الكتب التى عثرت عليها لجنة الحصر، وأثارت جدلاُ وفق الخبر المتداول، نظرًا لاشتمالها على فصل بعنوان (حسن البنا قرآن يمشى على الأرض)، كان كتاب (الدعوة والداعية.. حقيقة الجماعة)، إضافة إلى كتب (مذكرات حسن البنا)، و(قضية الإخوان المسلمين عام 1995.. الملف الوثائقى الكامل)، و(حسن الترابى)، و(السياسة فى الإسلام)، و(الإسلام على الطريقة الأمريكية)، و(ماذا يحدث فى عصر الخلافة)، و(طالبان جند الله فى المعركة الغلط)، و(ماذا لو حكم الإخوان).. وبعد حصر تلك الكتب البالغ عددها 36، أعلن محافظ البحر الأحمر إعدامها بالحرق، لأنها، وفق بيانه، تدعو لفكر الإخوان المتطرف.

بينما تم تبرير الفعلة العجيبة، بأن قرار المحافظ جاء فى ظل استمرار أعمال العنف والتخريب التى تقوم بها جماعة الإخوان الإرهابية، وكذلك لمواجهة الفكر التكفيرى لكتب الجماعة التى تنتشر فى المكتبات العامة والخاصة بالمحافظة، قبل أن يتم دعوة وزير الثقافة بسرعة التحرك لحظر مثل تلك الأعمال، وحرقها فورًأ من جميع المكاتب، على مستوى الجمهورية، لأن وجودها بالمكتبات العامة، كارثة بكل المقاييس على فكر أطفالنا، وشبابنا.

فيما لم ينس الخبر الإشارة إلى أن مصدرًا أمنيًا رفيع المستوى، قال إنه فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، كان الإخوان المسلمين يدخلون تلك الكتب إلى المكتبات العامة لتبقى دائماً أمام أعين المترددين عليها، ولينمو فكرهم بين الشباب بطريقة مباشرة.

ما كل هذا العبث؟.. مصر الذي رفض أزهرها قبل قرابة القرن، مصادرت كتب تبوح وتجهر بالإلحاد، وقرر مجابهتها بكتب أخرى ترد عليها، تحت شعار أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، هي نفسها التي يلجأ سؤولوها في عصر الثورات للحلول الأمنية في مواجهة الخصوم، تلك الحلول التي تستخدمها جماعة الإخوان جيدًا لذرف دموع التماسيح في الغرب، ومن ثم تمثيل دور الضحية ببراعة، والفضل كله لرجال بالسلطة يتملقون قادتها الاعلى على حساب صورة البلد خارجيًا. نوافذ الجماعة الإعلامية والإلكترونية تروج الآن للحادثة خارجيًا على أن الجماعة مقموعة فكريًا.. تنظيم السمع والطاعة العمياء، تنظيم إذلال الرجال وكسر إرادتهم، تنظيم التفتيش في النوايا، يتحدث الآن عن القمع الفكري.. تلك هي النكتة (المرة).

لو أن التنظيم أنفق ملايين ملايين الدولارت، لتثبيت صورة المظلوم المطارد من دولة ممستبدة، تؤرقها بضعة كتابات في مكتبة عامة، ما حقق مراده على النحو الذي تم بفضل محافظ البحر الأحمر.. مصر تُأكل من رجالها.

محافظ البحر الأحمر، لجأ إلى الحل السهل.. إلى اليد الحديدة.. في موضوع لا يحتمل العنف المادي.. بدلًا من أن يشكل لجنة لتأليف كتب وأعمال ترد على الأفكار الإرهابية والمغلوطة والمتعصبة والرجعية للإخوان، وتفندها وتنتقدها، كون فرقة إعدام لبضعة كتب.. الرجل أصبح سبب شهرة بعضها بسبب فعلته.

إن جائزة محافظ البحر الأحمر، ليست الوحيدة التي تمنح قبلة الحياة للجسد الإخواني شبه الميت، وهي أيضًا ليست الوحيدة التي تتيح لقادته فرصًا ذهبية للتغطية على خطاياه والتشكيك في نزاهة السلطة القائمة، بل ولإثارة رعب شرائح من المصريين من غير المنتمين لتيارات الإسلام السياسي من إمكانية أن يطالها قمعًا من جانب النظام الحاكم.

إذ أن هناك أيضًا قتل كوادر الجماعة وحلفائهم والمتعاطفين معهم، وبعضهم قد يكون متورطًا في جرائم، بطريقة عشوائية، في أحداث الحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس وغيرها، وفي الفض الموتور لرابعة، فضلًا عن فضيحة سيارة الترحيلات، التي سقط قتل فيها نحو 38 إخوانيًا بطريقة غير إنسانية، وكذا قاضي إعدامات الإخوان الشهير، في مقابل ما تردد عن بكاء قاضي محاكمة مبارك تأثرًا ببكاء أحد رجال الداخلية المتهمين بقتل الثوار، علاوة على الفشل الحكومي في حل أزمات الكهرباء والوقود والدعم، والارتبك السياسي، ناهيك عن حساسية تولي أحد رجال الجيش قيادة البلاد، بكل ما قد يحمله ذلك، من وجهة نظر الجماعة وحلفائها، من تثبيت لمزاعم الانقلاب العسكري في 30 يونيو، بل وحتى الحكم النهائي بعودة أعضاء الحزب الوطني المنحل للحياة البرلمانية والسياسية، ومن قبله تصدر متملقي الحكام للمشهد تحت لافتة العداء للتنظيم.. كل تلك الأمور تمد في عمر الأخير سنوات وسنوات، رغم أنه كان قد سحق وانهار تمامًا بعد 30 يونيو 2013.

إن منح رئيس مجلس الدولة السابق، المستشار فريد تناغو، وسام الجمهورية بعد أقل من 24 ساعة فقط، من حكمه بحل حزب الحرية والعدالة الإخواني، إجراء تغيب عنه الفطنة والكياسة، فيا يبدو أرضًا خصبة للإخوان، للمزايدة والتلفيق والكذب والبكاء الزائف، في محاولة للتأكيد على أن حل ذراعهم السياسية، تم بحكم قضائي مسيس. الدولة من حقها تكريم رموز العدالة في نهاية رحلة خدمتهم، غير أن التوقيت مثير لشبهات الجميع في حل منها.

إذن، الدولة المصرية لم تعد تواجه خطر الإخوان وحسب الآن، ولكنها باتت في مرمى النيران الصديقة، نيران نفر من أبنائها.. ممن يتسببون بتصرفاتهم في هدر الإرادة الشعبية الكارهة للإخوان.. رجال في السلطة باتوا سر بلائها.. ومثار مخاوف وريبة بالنسبة لكثيرين ليس منتمين للتيارات الإسلامية.. فرفقًا بالناس.. وكفانا نفخًا وإحياءً في جماعة فاشية لحد الثمالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى