الڤلانتين في عيون قاطني الميكروباص بعد الشيفت المسائي
بقلم : تامر عمر
بعد يوم طويل تناثروا يترنحون مستندي الرؤوس على زجاج شبابيكم المزركشة بقطرات الأمل.. قطرات المطر، الطريق يكاد يكون خاليًا.. ولكنها الإشارة، إشارة المرور أطلقت صافرتها معلنة لحظة الجمود.
أخرج كل من أصبح ليلهم نهارًا ونهارهم لا يعلمون عنه شيئًا هواتفهم وانطلقوا بين مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقعد الخلفي زفر أحدهم وأغلق هاتفه بعدما احمرت مُقلتاه من فرط الاحمرار المندفع عبر شاشته من ورود.. هدايا.. وقلوب لا يعلم أحدًا مدى صدقها من سهولة استخدامها.
دار يومه المقلوب في عينيه المغلقتين.. منذ لحظة وصوله لعمله وقت خروج زملائه.. باقات الورود تزين المبنى الداخلي.. مكالمته الأخيرة مع حبيبته التي بتوها خرجت من عملها – في أقصى اتجاه عنه – وهو يعلن أسفه لعامه الثالث على التوالي لعدم قضاء اليوم معها، وتساءل فور انتهاءه من المحادثة.. ما جدوى كل الورود والوعود والشعارات التي لا تضع على عاتقه سوى المزيد من اللوم وهو وأمثاله الذين لا يستطيعون مجاراة هذا الصخب؟.. لقد حددوا للحب يومًا ومن يتخلف عنه أصبح في خانة خائني الحروب، من هُم؟.. هُم يا صديقي.. ألا تعلمهم؟.
وما أن دلف إلى مكانه المخصص لعمله حتى سمع صوت رسالة تنبيهية من هاتفه.. إشعار جديد.. مِن مَن؟.. من حبيبته مع إيقاف التنفيذ بالطبع.. ظننت ذلك مفهومًا، فقرأ نَصه..
“قالوا أن الحب بلا قوانين أو قيود، ولكن لم يكملوا الجملة ويقولوا لمن؟.”
لمن؟.. رددها بينه وبين نفسه دون أن يصل لرد.. ظننته سهلًا ولكنه لم يعرف.. أو سيخمن لاحقًا.
واستقبل اتصاله الأول.. لم أقُل لكم وظيفته؟.. إنه موظف كول سنتر من المجبرين على التعامل مع سخافات البعض دون سبب يستحق ذلك سوى الراتب الشهري الذي يسعى أن يحوش منه حتى يحضر هدية في عيد الحب القادم إذا تسنى له ذلك حتى لا يقولوا عنه أنه لا يعرف الحب.. ظنت ذلك واضحاً.
• مساء الخير.. حبيب في خدمتكم.. كيف لي أن أساعدك؟
- لقد تأخر إرسال بوكيه الورود إلى حبيبتي؟.. أين مندوبكم الآن؟.. لا بد أن يصل في خلال دقائق.
كان (حبيب) ينظم إهداءات الأحباء وإرسال الورود في يوم لم تنبت فيه وردته، قضى أغلب يومه هكذا.. حتى لعن نفسه، وأعلن أنه لن يكمل هكذا.. سواء عمله أو حبه.. أو حاله.
مكالمة أخري..
• سيدي هل لي أن أساعدك؟، قالها وزفر كقطار يدنو من محطته.
- مساعدة!!.. لقد وقعت في كارثة بسببكم.. اللعنة عليكم.. اللعنة.
وبعد دقيقتين أخرج (حبيب) ورقة واستمر يكتب ويقطع ويرمي.. يكتب ويقطع ويرمي.. حتى أحدث كومة من التلال المكومة من الأوراق.. وبعد ساعات خط استقالته ورحل وهو يتساءل، كيف جرؤ كل هؤلاء على الاتفاق ضدي بهذا الشكل؟.. هل من يعملون بالشيفت المسائي في عيد الحب مستباحون هكذا؟
صخب.. صخب.. صخب، وأفاق على ارتطام رأسه بزجاجه المجاور في مقعده الأخير وفتحت الإشارة لينطلق الميكروباص برواده من جديد.. وتنهد (حبيب) وهو يجوب جيبه بكفه ليخرج الأجرة ليصطدم بشيء ما.. ألم أقدمها؟.
إنها الاستقالة يا سيدي.. النشاط المتكرر له هو كتابة استقالته ودفنها في قعر جيبه.. هواية في زمن لم يعد يسمح له فيه الوقت بهوايات ولا أساسيات ولا مشاركة الأحباء لحظات تخلد.. هل يتوقع أن يترك عمله من أجل هذه التفاهات؟.. لو ترك الجميع وظائفهم بسبب سخافات البشر لأصبحت البطالة هي المأوى.. ولكنه قرر أن يسعى ألا يكون من أصحاب الشيفت المسائي الذين يعمل أحبائهم بالشيفت الصباحي في مكان بعيد؟، ربما وقتها توقف عن تهوره في كتابة استقالته بشكل دوري.. ربما.
هذا ما سيعرفه في العام القادم.