الشارع السياسىمقالات واراء

القائد والجندي .. “حكاية مصر والمصريين


كتب : حامد بدر
«فقدتُ اليوم أبًا ومعلمًا وإنسانًا غيورًا على وطنه، كثيرًا ما تعلمت منه القدوة والتفاني في خدمة الوطن. إنه المشير محمد حسين طنطاوي الذي تصدى لأخطر ما واجهته مصر من صعاب في تاريخها المعاصر». هذه الجملة كانت نص نعي الرئيس عبد الفتاح السيسي –عبر صفحته الشخصية على موقع “فيس بوك” – لوداع رجل من رجالات الجيش الذي يكنون لهم التقدير وكامل التبجيل. فمن خلال هذه الكلمات يمكن أن نفهم ماهية المؤسسة العسكرية المصرية غير أنها مدرسة قتالية من طراز فريد، أن لها من التعاليم والأسس العليا ما يقدِّس قيمة الإنسان، وأن لديها نهجًا تربويًا تكشفه لنا الظروف والأحداث، وإن امتاز بالصرامة، إلا أن البشر هم البشر، وإن تغير محيطهم أو مجالهم.
في نفس الآونة كانت مصر تودع ابنها البار بطل حرب أكتوبر “صاحب الشفرة النوبية”، أحمد إدريس، الذي وافته المنية عن عمر ناهز 84 عامًا .. جندي كان مؤتمنًا على سر جيش باكمله، فقبل حرب 73، كانت فكرة تشفير الاتصالات اللاسلكية بين وحدات الجيش المصري وقيادته العامة عائقًا يقف أمام خداع العدو الإسرائيلي الذي كان كثيرًا ما ينجح بفك شفراتها ؛ لتتفرَّد العقلية المصري؛ ليكون “إدريس” صاحب فكرة هذه الشفرة، وتبادل الكلمات ذات الأصول النوبية بين الجنود، فتجلَّت ملامح وأسباب نصر الله العظيم.
إن مصر “دولة، ونظامًا، وشعبًا” طابعًا فريدًا، خليطًا يصعب تفسيره، ففي وقد الشدائد تكون صاحبة النيل والبحرين قوة شرسة، وعقلاً متفرّسًا، ففي ثورتها تجدها جذوة من نار ينقشع لها دامس الظلام، وفي شبابها تلقى الجندي والعامل، وفي وقارها تجد العالم والأستاذ، وفي نضوجها تجد شيخًا حكيمًا يدين لله ويحب لله، ماكرًا له من الأساليب ما يتعجب له أهل الحيل والدواهي. هذا البلدُ العظيم الذي لطالما ينضح كل ساعة بما يحير العالم، فيبقى أنشودةً في أفواه الذين يحلمون بغدٍ أجمل، وضرخة من عذاب في حلْقِ كلِّ معتدٍ أثيم.
فقدنا وفقدت مصر وكسب التاريخ سطرًا جديدًا يكتبه في سجل البطولات؛ ليضف من المآثر العُظمى سطرًا جديدًا من نور يضيء لنا وللأجيال القادمة السبل ويكشف معالم الطريق .. طريق المستقبل، فهنيئًا له المكسب ومباركٌ له المنال.
أطفأت مصر سراجًا من سُرُج الدنيا؛ لتضيء عِوَضًا عنها أنجُمًا في السماء تنير لنا البصائر وتبث فينا جميلُ الأمل، وتبقى رُجمًا في عقل كل غادر ينتوي لبلدنا الحبيب شرًا.
وفي ذكر جميل الأمثال يطول المجال ويطيبُ الحديث، لكن ما يُوفَّاه المُجَاهِدُون في دارهم خيرٌ من ألف كلمة نكتبها في دارنا.. فسلام ورحمة على روحيهما وأرواحٍ طاهرة بذلت ما لديها من غالٍ ونفيس وكانت لديهم الروح أهون.
فاللهم نصرك .. وحفظ الله الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: