الحرب الأوكرانية “درسٌ للعرب”
كتب – حامد بدر
ارسل إليَّ عبر البريد الإلكتروني ذلك الصديق الشغوف بمتابعة أخبار السياسة والعالم؛ ليدخل مباشرة في خطابه عن الحرب الروسية الاوكرانبية، وعن أجواء العملية العسكرية الروسية صَوب أُوكرانيا برا وجوا وبحرا، بعد خطاب تلفزيوني طالب فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الجيش الأوكراني بإلقاء أسلحته.
وأعرب صديقي المثقَّف جدًا عن قلقه حول التقارير الأوّلِّيَّة التي أعلنت سقوط ضحايا من المدنيين والجنود الأوكرانيين، وكذلك على جانب القوات الرُّوسِيَّة، متخوفًا من آثار ذلك على نظام عالمي جديد، وربما قيام حرب عالية ثالثة قادمة في الطريق إلى هذا العام المتصارع.
ثمَّ بدأ يخمّن حول حيثيات أو ما سيكون عليه الرد الأمريكي وعن تلك العقوبات التي بيد واشنطن وما أقدمت عليه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي خلال اليومين الماضيين ، متعهدة بإعلان حزمة جديدة من العقوبات الشديدة. فتسائل هل ورقة العقوبات يمتلك الغرب تساندها أوراق ضغط أخرى؟
واختتم بصدمته في النظام الغربي الهادئ، وشراهة أطراف القوى لصنع أحداث دموية، وأنَّ لهم أحلامًا تتخطى أحلام العرب في العودة لمستوى القوى الموازية، واصفًا تحركات الغرب عمومًا “بالقوّةِ الطاغية”.
كان من الذوق أن أردَّ عليه بخطاب يختلف في النوع والكيفية، فتخوفّاته اليؤوس حتَّمت عليّ الرد بخطاب القيمة، ولعلَّنا بل وهو المؤكَّد أن درس القيمة هو ما نحتاجه كشعوب وانظمة عربية لها ثُقلها بعد الاحداث الأخيرة..
قُلتُ:
عزيزي ..
هذا إن دلَّ على شيء دلّ على أننا عرب بالشهامة نحيا، وإن كنَّا اهل حرب فهم أهل تشريد، وإن كنَّا أهل قتال فهم أهل اغتصاب، وإن كنا أهل ثورة هم أهل الهرَج، وإن كنَّا أهل سلام فهم العبيد لا يعرفون معنى الإكرام، حكوماتهم لا تعرف من الإنسانية سوى عنوان، ونحن أهل الحب والسلام والعنفوان، عصبيَّتنَا لنجدة المظلوم، وعنجَهيَّتِهم لخلق المحروم
يصنعون القتل والذبح والترهيب، ثم يوْصِمُونَنَا بالإرهاب.
يشربون الدماء في كرنفالات السياسة، ونحن نضحي بها فداء غلق أسواق النخاسة.
نحن أبناء العز والتاريخ، وهم أبناء حداثة المحدثين كجائع لا يعرف طعم الزاد، فلمَّا امتلك هلك.
نحن عباد الله وهم ادَّعوا له الولد، سجودنا للربِّ وسجودهم تحت القصف لا يعني سوى التهويل والتخويف.
إن كان في شرعتنا ما يحرق دمائهم، فإنّها الرحمة التي أوصى بها الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلَّم، والتواضع الذي تحلّى به المسيح بن مريم، والشجاعة التي بُثت في قلب موسى بن عمران، ورباطة جأش في قلب الحسين بن علي، وشموخ عصر الرشد والرشادة “أبو بكر – عمر – عثمان – عليّ””.. نحن أمة استحقت السيادة، وشعب استحقَّ القيادة..
نحن شعوب وعبادٌ آمنوا بالله الواحد، فأخفقوا سبل المداراة، ولكننا أيضًا بشرٌ بدفوف الصدق النابض فينا لازالنا نعرف فرقًا نوعيًا بين الحلال والحرام .. الصحيح والعيب .. السليم والفاسد..
نحنُ شعوب عربية لا زالت لديها أدنى أنواع التمييز بين العداوة وكون من نحارب إنسانًا له الحق في هذه الحياة..
نحنُ شعوب الحرب، والسلام، والوفاق، والتعاون، والإيخاء.
نحن أبناء البلد، وعزَّة الآباء والاجداد، فينا سليل الأولياء والانبياء، أشداء على الأعداء رُحماء فيما بيننا.
ولكننا يا عزيزي .. قومٌ أصابنا بعضُ الرهق، أو كما قال حكامئنا كلاب الله في الأرض تعيد الشاردة منَّا سُجَّدًا تحت مظلَّة عزِّه الأكبر؛ ليرفع جِباهَنا هاماتًأ تنظر بعيون الجرأة والقوَّة في أعين الجباء التي لا تنام.
ذلك الطبيعي جدًا، وما تراه المنطقيّ جدًا، فهُم يجنون تركة الدماء التي أغرقونا فيها.
نحن شعوبٌ نقرا الدرس ولا نتعلَّم..
تحياتي،،