اخبار المحافظاتمقالات القراءمقالات واراء

حامد بدر يكتب ..الحب يذبح احياناً


حامد بدر
تابعنا ولازلنا نتابع هذه الأيام قضية ذبح “نيرة أشرف” الطالبة بكلية الآداب في جامعة المنصورة، والتي لقت حتفها على يد زميل لها بذات القسم، والتي أوردت التحقيقات أن السبب خلافات نتيجة رفض المجني عليها الارتباط به، رغم إصراره.
أثارت هذه الجريمة غضبنا جميعًا، كما تثير الكثير من الجرائم، ولكنها حدثت امام أسوار الجامعة.. الجانمعة التي هي محراب من محاريب العلم، ومأمن للطالب من غيابات الجهل، ومحور تنوير العقول وإخراجها من دائرة الظلاميات المغلقة إلى فسيح أنوار الله. لقد تحوَّل طالب جامعي في فينة واحدة إلى قاتل بلا رحمة ولا شفقة، لم يكن في ضميره خوف حينها خوف من الله أو خوف على أهله أو على قلبه الذي تحجَّر فلم تصبه رجعة إلى قدسية أو قيمة..
للأسف لم يستطع العلم أن يؤثر في ثقافة الجاني، بل جعلته يسلُك سلوكًا، قد يأبى السوقة وأبناء السبيل الضائع أن يسلكوه، قد تأبى حتَّى ما يمكن أن نُسميه “شهامة ابن البلد” في ان يتورَّع أن يصيب أنثى .. أين ذهبت هذه الأخلاق؟
قرأت يومًا ما عن أغنية “لاتكذبي” التي كانت محور الفيلم العربي القديم الشموع السوداء، ذلك الفيلم الذي لعبا دورا البطولة فيه الفنان الراحل “صالح سليم”، والفنانة “نجاة الصغيرة” ..
لتلك الأغنية قصة قديم، كان الكاتب كامل الشناوى مؤلف الأغنية قد هام حبًا بالمطربة نجاة الصغيرة التي لم تكن تبادله ذات المشاعر، على الرغم ما كان يكنَّهُ لها من عشق في قلبه. وذات يوم زار الشاعر مكتب الكاتب الصحفى مصطفى أمين والذي كانت تربطهما علاقة صداقة وهو في حالة نفسية سيئة فكتب هذه الكلمات:
“لا تكذبي إني رأيتكما معا
ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى
من عين كاذبة فأنكر وأدعى
إني رأيتكما.. إني سمعتكما..
عيناك في عينيه.. في شفتيه.. في كفيه.. في قدميه
ويداك ضارعتان.. ترتعشان من لهف عليه”
وبعد أن أنتهى منها اتصل بالفنانة نجاة والقى عليها ما سطر، وكأنه يعاتبها على عدم اكتراثها لهذه المشاعر الجمَّة والراقية التي كان يدخرها لأجلها، وتفضيلها لغيره؛ لترد بكل هدوء: “كويسة أوى تنفع أغنية لازم أغنيها”. .
وافق “الشناوي” على الفور؛ لتغنيها “نجاة” بكل صدق ووعي لما هو مكتوب، بألحان الموسيقار الراحل “محمد عبد الوهاب”، والتي لاقت استحسان الجمهور، والتي استطاع بها الكاتب ان ينفِّس بها عن غضبه، فاستدعى الفطرة العاطفية واللغوية فأبدع قصيدةً، موزونة البحر، محكومة القوافي، رصينة السجع.
أنظر .. هكذا كان الحب إذا اندلعت جذوته في القلوب وأخذ من الوجدان ما أخذ .. هكذا كان الحب حين يسيطر على الإنسان يخلق منه الموهوب.
يقول بعضهم ومن الحب ما قتل.. فهل كان ذلك حبًّا، أم كان هوى حُذِفُت منه نون الهوان، فانقلب بصاحبه مجرمًا مطلوبًا للقصاص، أم أنَّها رغبةُ امتلاك دفينة دفعت بصاحبها نحو مصاف المجرمين والجُناة، فارتكب أبشع جريمة على وجه الأرض “القتل”؟
ولكن اعذرونا .. في هذه الحالة لن نقول ومن الحب ما قتل، ولا حتى الهوى ولا الجنون، فبعض المجانين انقلبوا مجاذيب فحيت قلوبهم في ملكوت الله وحوت ولهًا إلى أعالي الجنان، ونجوا بقلوبهم البيضاء، فباتوا ربَّايين معروفون في أهل السماء، لا قتلةً ولا مجرمين.
إن الدرس المستفاد يعدو كونه مجرّد جريمة قتل، إنما هي الفطرة السليمة التي ذبحها التهوُّر، فدفعت ببشر لأن يتجرَّد من إنسانيته فيسفك دماءً بريئة ..
وأخيرًا، لا سلامة في عقول لم يغير العلم في طباعها، ولا سلامة في قلوبٍ لم ينر الحب ربوع أركانها، فسارت بقوى الله ومحبَّة الخلق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: