تكنولوجيا

البيتكوين .. وفضيلة العمل

بقلم . حامد بدر

فضيلة العمل التي هي من أجمل ما ميز بن آدم، هي التي تجعله هي التي تبني قيمته في هذه الحياة، فلا معنى لوجود من غير حركة، وتعتبر القوانين الفيزيائة أن الحركة تغيّر موضع الجسم من مكان إلى آخر، وأن ما سوى ذلك هو عدم تلك الصورة.

لكن يبدو للساعين خلف جني عملة البيتكوين تلك العملة المشفرة التي ظهرت عام 2008 لتصبح في متناول الاستخدام عام 2009 –  لهم رأي آخر. فمع تسارع وتزايد التقارير والمقالات حول إمكانية استغلال هذه العملة في مجال الاستثمار أو الاستفاد منها، يلتفت العديد من الشباب إلى بعض المحتويات الدعائية التي تروج لهذا الضيف الجديد في سوق العملات الرقمية.

في ظاهرة مفاجئة منذ يومين ارتفعت عملةالبيتكوينفي التعاملاتالصباحية، حيث صعدت العملة الأكثر شهرة في العالم فوق مستوى 60 ألفدولار، وذلك للمرة الأولى منذ 16 مارس الماضي، بعدما كانت قيمتها لا تتجاوز 0,003 سنت للعملة الواحدة، فذلك الفارق الكبير يدعونا للتأمل.

بداية إليكم هذه القصة التي نتابعها سويًا خلال مضمون ينتشر عبر الإنترنتحتى صار يظهر كمحتوى إعلاني يتصدر كبرى المواقع العالمية، عن حياة الشاب الذي تغيرت حياته بمقدار 180 درجة، وذلك الآخر الذي صار يحصل الملايين في سن العشرين، والعديد من القصص غريبة المصدر التي تحكي عن أموال تطير كالعصافير؛ لتحط في جيوب هؤالاء المستثمرون الصغار، وكيف استطاعوا أن يقودوا السيارات الفارهة، ويرتدون ساعات اليد الفخمة، ويقتنون أغلى الهواتف.. وغيرها الكثير من القصص التي تداعب أطماع  النفوس ورغبتها غب تحصيل المزيد.

بيد أن بعض الشباب يسعون إلى الربح السريع فتأتي صورة جديدة من التداول عبر الإنترنت أيًا كان شكل هذا التداول تجعله ينغمس في شكل جديد من أشكال المكوث أمام شبكة الإنترنت لخلق أسلوب سهل وسريع لتحصيل مكاسب ضخمة، كما يُروَّج لها. وهنا لا نتفاجا بقلة الشباب العاملين،وازدياد معدل البطالة، وبالتالي نشوء ظواهر سلبية جديدة ربما لن تخلوا من الجرائم أو ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، وهذا ما نحن في غنى عنه داخل المجتمعات.

ناهيك عما تفتقر إليه هذه العملة من تنظيم ملائم، وأنه لا يمكن الوثوق فيالخوادم المستعملة خلال بورصتها الخاصة، أو أنها تفرض رسوم وقيود حولالتمويل والسحب من حسابك بها، بينما قد تستغرق الحسابات نفسها أيامالتحصل على هذه الأرصدة، إلا أنها ستجعل من معدل الحركة اليومي للفرد أقل بكثير مما يجب، فربما مكث الأشهر باحثًا عن فرصة واحدة للتحصيل أو جني المزيد من المال مما ستترتب عليه عوامل أشد خطرًا.

إن أول ما يمكن أن نخسره كمجتمع هو ظاهرة الشاب الذي يعمل .. الذي يبني، وهي التي حتمًا ستزيد من رصيد البطالة والعمالة اللا منتظمة من الأساس؛ لتكون صيرورة الأمور إلى مزيد من المعاناة الاقتصادية، كما يقول خبراء الاقتصاد والبوصة.

من ناحية أخرى لا نجد قيمًا دينية أو إيديولوجية ستتحسن مع ظاهرة البتكوين.

إن العملة الجديدة، ربما تدمر الإطار المفاهيمي للشباب عن قيمة الكسب والربح وقيمة أعلى منهما هي السعي تلك الفضيلة التي نلجأ إليها لمواصلة الحياة، وبخاصة مع فترة تفشي جائحة الكورونا (covid – 19 التي نلجأ بين الحين والآخر إلى فرض حظر منزلي واتخاذ تدابير تمنعنا من مواصلة الحياة الطبيعية. فلربما عمل بسيط يخرج لأجله الشاب صباحًا قد يحقق منه مكاسب “ما فوق المادية”، كاكتساب المهارات، والتواصل المباشر، وتطوير الجهد الملموس والجاد .. وهنا تكمن الفضيلة .. فضيلة العمل.

وختامًا إن المجتمع العالمي ،وليس العربي فحسب، قد يواجه بطالة عارمة ربما تؤدي بالبعض إلى ما يُعرف مؤخرًا بالتقاعد المبكر Early retirement، وهي الظاهرة الأسوأ على الإطلاق، فقبل سنوات قليلة انتشرت في الولايات المتحدة حركة فاير والمشتقة حروفها من fire movement to live frugally and retire decades early، والتي يدعوا أنصارها للتقاعد قبل سن الأربعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى