مقالات واراء

الاعتزال سيد الأخلاق

بقلم : حامد بدر
أثار خبر اعتزال الفنانة آمال ماهر الغناء، خلال الفترة الماضية، حالة كبيرة من الجدل داخل الوسط من أهل الفن وخارجه من جماهيرها، دون أن تكشف عن الأسباب الدافعة التي جعلتها تتخذ مثل هذا القرار، غير أن أوضحت مصادر أن السبب الحقيقي والخفي هو مرورها بأزمة نفسية  سيئة في الأيام الأخيرة، ولربما كان هذا الأجدى لها. في الواقع ربما يكون الحدث مثله مثل أي حدث آخر، إلا أن ما يتبلور اليوم على الساحة المجتمعية فكرة الاعتزال.. وسؤال غاية في الاهمية يطرأ على العقول:
هل الاعتزال حل يمكن أن نلجأ له؟
الحقيقة إن الاعتزال – لغةً – كما تقول المعاجم – يعني التنحي والابتعاد، يحوي في مكنونه كمعنى التفرد والرهبانية، بمعنى الخروج من حالات الجدل،، والإثارة، والصراع، والغضب، والدافعة للخلاف الشديد الذي قد يودي بالعداوة،ة إلى كونه حالة من يمكن تفسيره أنه السمة والارتفاع عما قد يحيط بالمرأ.
فرمبا صار الاعتزال نهجًا يمكن أن تلجأ إليه حين الضعف وحين البأس، وساعة إن أصبت أو كنت مخطئًا، وفي كتير من الحالات. فإن اعتزلت وأنت ضعيف ربما كانت هناك الفرصة لاستعادة القوة، وإن كان العكس فربما تحول بأسك – قوتك – إلى عبد تسيطر عليه فلا تطغى، كما أنك لو كنت على حق تهدا النفوس ويستمع إليك القوم فتفلح، وحين الخطأ تراجع النفس فتعدل عما قمت به “فلا تأخذك العزة بالإثم”.
إن الاعتزال في المعنى الأصلح، دون الغلو في المصطلح نفسه، ربما قادك إلى النور، إلى طريق تسمو به فترجو المحبة وتجد طرق وطرائق الحياة، فالاعتزال الصحي -لذي تقيده أنت بفترة زمنية محددة تعود بعدها بعد فترة استرخاء – نعمة، دون العُزلة التي تُفرضُ عليك فتودي بك إلى المرض نفسًا وبدنًا، هو اعتزال ممدوح، فلا ضلَّ من اعتزل وهو على حق، وكما جاء الهدي النبوي: “أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا”.
ولا يعني هذا الاعتزال ذاك المعني السلبي الذي يراه البعض في أنه اللا عودة، ولكنه ربما كان سبيلا إلى العقل، فاعتزال الخوض في الأعراض عفة، واعتزال الشبهات حكمة، واعتزال الذنوب توبة، واعتزال صديق السوء منجاة، واعتزال الجهد عند الكبر وترك الفرص للكفاءات أعظم بكثير من خسارة عروش القمة حال العجز أمام المستحدثات فتكون الهَيْبَة.. وقس على هذا الكثير.
إن في التاريخ الإسلامي فئة اسمها “المعتزلة” التي لولا اعتزال قائدها، لكان الخلاف يدب في أركان العقيدة، وكم من معتزل في التاريخ اصاب، كاعتزال عبد الله بن عمر بن الخطاب تلك فتنة التي وقعت بين الإمام علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكذلك اعتزاله القضاء، وكذلك اعتزال الكثير للحياة السياسية كالجنرال “شارل ديغول” أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة، بعدما لم توافق نسبة كبيرة من الناخبين على تطبيق اللامركزية في البلاد، وغيرهم ممن آثروا الاعتزال على الخوض في ما لم يرُق لديهم ولا لأفكارهم.
اعتزل ما يؤذيك .. أروع حكمة يمكن أن تصبو إليها في هذا الزمن، اعتزل جدالاً لايفيد، اعتزل رفيقًا خبيثًا ولا تقم بدور المصلح ما لم تكن أهلاً لذلك، اعتزل مهنة ترهق بدنك بلا طائل او هدف ولا تقم بدور المناضل، اعتزل أستاذا لا يعلمك وطالبًا غير أهل للطلب، اعتزل عِشْقًا لا يرحمك ولا تقم بدور الضحية، اعتزل فنًا أو أداءًا هابطًا ولا تماري فيه السفهاء، اعتزل معارضيك إن تجاوزوا، فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ..
اعتزل ما لم يجديك الاختلاط .. اعتزل حتى تستقر .. ثم عاود وكافح ما شئت.
اعتزل ما يؤذيك .. إذا كانت الحكمة الفلسفية القديمة الحِلم سيد الأخلاق، قد سادت وأثبتت جدواها وفَعاليتها في الصبر على إساءات الناس، فليكن الشعار الأحدث الاعتزال سيد الأخلاق ..
ودُمْتُم،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى