مقالات واراء

إلا ما تقودنا المنصات الإلكترونية؟

توجيه المحتوى

كتب : حامد بدر
توقفنا في المقال السابق عند أهداف المنصات الرقمية حيال الأزمات والتي تضم أربعة استراتيجيات تحققها والمتمثلة في بناء المعرفة، والتوجيه، فالتحصين، ومن ثمَّ التمكين.
لكن رأسمال المعلومات، والتي تمتلكه المنصات الرقمية لا يقف دوره نحو هذا فقط، إذ أن معيار آخر يدخل في تحقيق هذه الأهداف، هي المصداقية التي تحققها صاحبه المعلومة او المنظمة التي تنشر هذه المعلوماتوكيف تتمكن من كسب الرأي والتأييد، بل إن الارتياد ذاته لهذ المنصات تصل بحد المصداقية إلى درجة تمتد من جيل لآخر. مثلاً إن مستخدمي التواصل الاجتماعي اليوم ممن أعمارهم أقل من 20 عامًا أو تزيد قليلاً، ربما سنجد لديهم بعض القناعات العنيدة، ربما سنجد ان منصات إلكرونية أخرى مثل “تيك توك” قد أخذت بعقولهم وأبحرت نحو المزيد من الرقص وتقليد المشاهير.
إن الكارثة الأكبر إذا تحولت المعرفة إلى مجرد استثمار تجاري يخدم بدوره مصالح الرأسماليين؛ من أجل تضخيم أرباحهم مهما كانت الوسائل المتبَّعة والنتائج التي تؤؤل إليها، فتتحول المعلوماتية إلى أدوات استغلال تجاري لكسب المزيد من المال أو المزيد من المتابعات والتأييد.
في ذات المنحى سنجد محاولات إصلاحية كثيرة عبر هذه المنصات الإلكترونية والرقمية باستغلالها استغلالاً حسنًا أو حسب ما يراه رواده في هذا الشأن، إلا أن الفكرة ستبقى في المصداقية ومعايير أخرى تتصل بالثقة فيه وفي معلوماته التي يخرج بها هؤلاء الروَّاد والناشطون. فاالمنصات الرقمية أولى بالاهتمام في هذه الحالة، حيث لا يمكن إنكار دورها في تحسين تجارب العملاء، والموظفين، والشركاء، وتوليد الدخل، وخفض قيمة التكاليف المرتبط بالأعمال، إضافة كونها تعزز عملية الابتكار لمنتجات وخدمات جديدة، وزيد الأعمال بخاصية السرعة في طرح المنتجات في الأسواق المستهدفة، ومخاطبة ملايين الجماهير المقصودة وغير المقصودة والمستهلكين علة نطاق واسع في وقت قياسي.
مثلاً الإيمان بفكرة أن التواصل الاجتماعي الافتراضي لا غنى عنه، وهو في الحقيقة لا حقيقة، فهو احتفال بمناسبة وما هو احتفال، وهو مأتم وتأبين وما هو بتأبين، لكن بعض المشاعر يتم بثها عبر الأثير فتتحول هي ومثيلاتها وغيرها إلى تراجم وكلمات وصور تضم العالم في بوتقة كبيرة.
ثمت سؤال .. هل تضمن لنا المنصات الإلكترونية إنشاء أجيالاً متوازنة في التفكير أو أن تخلق لنا نوعًا جديدًا من الإدراك يكفل لنا سلامة السلوك وتحقيق الأهداف المرجوَّة على الصعيد الفعلي الواقعي؟. هذا ليس اتهامًا لعمل المنصات أو أهميتها، لكن تحسبًا فقط لأي طارئ على طريقة التفكير، التي من المؤكَّد أنها تعمل كمؤشرات لأوضاع مستقبيلة.
ربما يتسائل آخرون عن القضايا الأم الرئيسة التي تشغل العالم، وأخرى لا يتم تسليط الضوء عليها، وعن أزمات الأجيال، وتوثيق الأحداث، وتعميم الرقمنة، وكلها لا تفتأ محل نقاشات وسجالات، فما يُعمَّم عبرالمنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، سيثير حتمًا الكثير من النقاشات التي لا تنتهي. كما أن “رأس مال المعلومات” سيكون معيارًا فاصلاً فمثلاً توفير تغطية كاملة لتناول أبعاد الموضوعات المطروحة، كيفية إتاحة قنوات وأساليب المشاركة والتفاعل الحقيقي والناضج، إضافة إلى ضمانات ومعايير عادلة لتنظيم هذه المعلومات، فالمصطح يشبه عملة تشتري الكثير من المتابعين ومن ثمَّ المؤيدين، وربما شعوب بأكملها.
مثلاً.. إن ما يسعى البعض في بثه من أطروحات القيم العالمية والدين الواحد ومصطلح الدبلوماسية الروحية التي كانت طرحته من قبل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عام 2013، والذي أشار إليه الرئيسُ الأمريكيُّ الأسبق «باراك أوباما»؛ خلال تقرير الدين والدبلوماسية الصادر عن معهد «بروكنجر» في الدوحة ذات العام، كل هذا مسار خطير جدًا ربما يحتاج إلى نظرة هامة من قبل أجهزة قومية داخل الدول لكي لا يتم تعميم أفكار مشابهة او مختلفة لا نعلم من أين ستأتي؟
لقد تناقلت المنصات الإلكترونية أخبارًا عديدة عن “الدين الإبراهيمي الجديد” القائم على دمج الثلاث ديانات “اليهودية والمسيحية والإسلام” بشكل كبير، لا لغرض ترسيخ المعتقد، بقدر صعود التريند وكسب القراءات عبر صفحاتها المختلفة، حتى أنها ذكرت معلومة وبالارقام نصًا ” ووفقًا للتقديرات فإن 54% من البشر حول العالم يتبعون الديانات السماوية الثلاثة، بينما 46% لا يتبعون الديانات الإبراهيمية.” مع عدم ذكر مصدر هذه الإحصائية، غير أنها ليست ذات دلالة على شيء معين.
سيسأل البعض – مثلاً – في استفتاء إلكتروني – ما السبيل في الاستيطان الإسرائيلي أو مشروع حل الدولتين في فلسطين أو ربما طرح أي منتج سياسي أو إيديولوجي آخر؟
حتمًا ستخرج إجابات عملاقة ما بين مؤيد لذلك ومعارض لتلك، والعكس صحيح، والفكرة هنا أن الإجابات لن تأتي فُرادى – بالشكل الفردي – الذي يضمن أن يعني استقرار المشهد، وكذلك لن تأتي منظمة بالكامل أو بالشكل المأمول في أن يتم طرح وتبادل وجهات النظر، إنما سنضطر إلى اللجوء إلى منصَّة كُبرى – مثلاً – تضمن لنا سلامة الاستفتاء، ونتائجه، ومصداقية وتحليلاته، ومعايير أخرى ليس هناك مجال للإلمام بها كليَّة بعيدًا عن أي تكهنات عشوائية.
وأخيرًا ليس الهدف هنا التأييد أو الرفض أو بطرح جوانب تشريعية وقانونية، فهذا حقل له مختصِّين كما أنه ليس محور المقال بالأساس، بقدر التوصية بحتمية أن تكون المنصات الإلكترونية ذات يد محدودة في ترويج الأفكار، فرغم كونها تمتاز بالتفاعلية بالأساس ولها قواعدها المنظمة، إلا أنه لا بد من العودة إلى بعض المنصات التقليدية التي تمتلك قيمًا أكثر ثباتًا، فتعمل جنبًا إلى جنب بشكل أكثر قوة..
فليكن مثلاً الراديو أو التليفزيون معيارًا فاصلاً، ولا بد من قبلها أن يعود المضمون الورقي كالجرائد الورقية والكتب الدورية لصناعة المواطن المثقف الذي يقرأ الكلمات المسرودة على صفحات تحدُّ الكاتب أو صانع المحتوى من الكثير من الإسهاب أو الاختصار، وتقضي على شتات المتلقي، لتخلق تفاعلاً متوازنا لا وهميًا أو كميًا .. تفاعلاً بعيدًا عن التهوين يخلق لا مبالاة أو التهويل القائم على تضخيم النتائج والآثار دون أدنى دليل يعتمد على أسانيد منطيقة أو علمية.
إن خلق منظومة أكثر اعتمادية بين وسائل تزويد المعلومات المختلفة على كافة شاكلتها، سيصب في مصلحة أكثر تشابكًا، وحبّذا لو أنَّ النظم والدول بأكملها سعت في هذا الطريق بشكل مكثَّف، حيث أن مستقبل المعلومة المتدفق من خلال المنصات الرقمية المختلفة يدعونا إلى الانتباه..
إن رأس المال المعلوماتي Information capital مصطلح في غاية الخطورة يجب أن يتبلور في ذهن المستخدم العادي، كما أنه يحتاج إلى البحث أكثر وأكثر فيمن يمتلكه وكيف يوجهه، وعلاقته بكثير من المجالات ومنها (إلا ما تقودنا المنصات الإلكترونية؟).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى