تحقيقات صحفيه

نظرة المملكة.. تفاؤل نحو انفتاح العلاقات السورية مع العالم

إعداد – د. حامد بدر

تركز المملكة العربية السعودية على تحقيق الاستقرار في سوريا كجزء من رؤيتها الإقليمية للأمن والتنمية. وفي هذا السياق، قدمت الرياض دعمها للإدارة السورية الجديدة، مؤكدة ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها الوطنية، لضمان استمرار عملها وخدمة المواطنين السوريين. كما تسعى السعودية إلى تعزيز التعاون مع الجهات الدولية والإقليمية لتهيئة بيئة مواتية لإعادة إعمار البلاد بعد سنوات من الدمار.

كانت بدأت السعودية تحركاتها تجاه الإدارة السورية الجديدة عبر وفد دبلوماسي زار دمشق في ديسمبر/كانون الأول، تلاه زيارة رسمية لوفد سوري رفيع إلى الرياض في يناير.  عبرت المملكة عن دعمها لاستقرار سوريا ومؤسساتها الوطنية، وأبدت استعدادها للتعاون مع الحكومة الجديدة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، مما يعكس اهتمامًا بتطوير العلاقات تدريجيًا.

 رفع العقوبات وتقديم الدعم الإنساني

دعت السعودية المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرة أن رفعها يشكل خطوة حيوية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. كما أكدت المملكة أن هذا النهج لا يهدف فقط إلى تحسين الظروف الاقتصادية في سوريا، بل أيضًا إلى التخفيف من معاناة الشعب السوري. يأتي ذلك بالتوازي مع جهود المملكة في توفير مساعدات إنسانية مباشرة للشعب السوري، بما يعكس التزامها بقضايا الإنسانية والتنمية.

 الانفتاح الدبلوماسي والتعاون الإقليمي

شهدت العلاقات السعودية السورية تطورًا إيجابيًا خلال الفترة الماضية، حيث جرت زيارات متبادلة بين المسؤولين من البلدين، تعكس الرغبة المتبادلة في تعزيز العلاقات الثنائية. كما نظمت المملكة مؤتمرًا دوليًا بمشاركة دول عربية وإسلامية لمناقشة سبل دعم سوريا، ما يعكس توجهها نحو إيجاد حلول جماعية ومستدامة للتحديات التي تواجه الشعب السوري.

احترام الخيارات السياسية للشعب السوري

شددت المملكة على ضرورة احترام الإرادة السياسية للشعب السوري في بناء مستقبله، مع التأكيد على أهمية دور الأمم المتحدة في الإشراف على عملية انتقال سياسي شامل. وتهدف السعودية إلى دعم جهود تحقيق نظام سياسي يعكس تطلعات مختلف الأطياف السورية، مع ضمان احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

التصدي للتحديات الأمنية والإقليمية

أبدت السعودية قلقها إزاء التحديات الأمنية المرتبطة بالصراع السوري، بما في ذلك تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود. وفي هذا الصدد، دعت المملكة إلى تعزيز التعاون الأمني مع الإدارة السورية الجديدة، لضمان أمن المنطقة واحتواء أي تهديدات قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي.

السياق الإقليمي والدولي

الدعم العربي

شاركت السعودية مع دول عربية أخرى في اجتماعات تنسيقية لدعم سوريا، ما يعكس التزامها بالعمل الجماعي العربي لتعزيز الاستقرار الإقليمي. تأتي هذه الجهود ضمن مساعي المملكة لتوحيد المواقف العربية تجاه مستقبل سوريا.

التوازن بين الانفتاح والحذر

ورغم تعزيز الانفتاح الدبلوماسي مع الإدارة السورية الجديدة، تتبنى السعودية نهجًا حذرًا في تعاملها مع الوضع السوري. يهدف هذا التوازن إلى ضمان أن تكون التطورات السياسية والأمنية في سوريا متسقة مع مصالح الأمن والاستقرار الإقليميين، مما يرسخ دور المملكة كقوة محورية في دعم السلام والتنمية.

تسعى المملكة العربية السعودية من خلال هذه الرؤية إلى تحقيق مستقبل زاهر لسوريا وشعبها، في إطار دعم شامل يراعي التحديات الإنسانية والسياسية والأمنية، مع ضمان استقرار المنطقة وازدهارها.

بين تفاؤل وحذرموقف الدول العربية

قطر

اتخذت قطر موقفًا سريعًا وحاسمًا تجاه الوضع الجديد في سوريا، حيث كانت أول دولة عربية تستأنف اتصالاتها الدبلوماسية مع دمشق. استقبلت قطر وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي في زيارة إلى دمشق في 23 ديسمبر/كانون الأول، أعادت خلالها الدوحة فتح سفارتها المغلقة منذ 2011. كما أقامت جسرًا جويًا للمساعدات الإنسانية. وفي يناير/كانون الثاني الجاري، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الدوحة، في إطار تعزيز العلاقات الإقليمية.

الأردن

كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أول مسؤول عربي يزور دمشق بعد سقوط النظام السوري، مؤكدًا دعم بلاده للمرحلة الانتقالية نحو نظام سياسي جديد يضمن حقوق السوريين. وشدد الصفدي على التعاون المشترك في مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، ما يظهر اهتمام الأردن بأمنه الحدودي وأثر التحولات السورية على استقراره.

الكويت

أعلنت الكويت دعمها للإدارة السورية الجديدة عبر اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية، وأعربت عن استعدادها للتعاون في دعم الاستقرار السوري. وتوجت جهودها الدبلوماسية بزيارة وزير الخارجية الكويتي إلى دمشق في ديسمبر/كانون الأول برفقة أمين عام مجلس التعاون الخليجي، في إشارة إلى دعم خليجي أوسع للتغييرات في سوريا.

ليبيا

تواصلت ليبيا مع الإدارة السورية الجديدة من خلال اتصال هاتفي من وزير الدولة الليبي وليد اللافي، تبعه زيارة رسمية إلى دمشق. أكدت ليبيا دعمها للشعب السوري، ودعت إلى التنسيق المشترك في القضايا الإقليمية بما يعزز الأمن والاستقرار، ما يعكس رغبتها في تعزيز العلاقات الثنائية في ظل التحولات الراهنة.

البحرين

بدأت البحرين انفتاحها على سوريا برسالة مباشرة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى قائد الإدارة السورية الجديدة، أعربت فيها عن استعدادها للتشاور والتعاون. وتبع ذلك سلسلة زيارات واتصالات بين مسؤولين بحرينيين وسوريين، مما يعكس رغبة المنامة في استعادة العلاقات بشكل تدريجي.

 

الإمارات

أبدت الإمارات قلقها من التحديات التي تواجه سوريا بعد التغيير، داعيةً إلى حماية الدولة ومؤسساتها الوطنية. أجرت أبو ظبي اتصالات مع القيادة السورية الجديدة، وتضمنت زيارة وزير الخارجية السوري للإمارات في إطار جولة إقليمية، مما يشير إلى انفتاح الإمارات مع التحفظ.

 

مصر

تواصلت مصر بحذر مع الإدارة السورية الجديدة عبر اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية، أكدت خلاله دعمها لتطلعات الشعب السوري نحو مستقبل أفضل. ورغم هذا، لم ترسل مصر وفودًا رسمية إلى دمشق، مكتفية بالدعوة إلى عملية سياسية شاملة تعكس تنوع المجتمع السوري.

 

العراق

أعربت بغداد عن قلقها من طبيعة الوضع الجديد في سوريا، مؤكدةً ضرورة ضمان انتقال سياسي لا يقصي أحدًا. أرسلت وفدًا رسميًا إلى دمشق لمناقشة القضايا الأمنية المشتركة، ما يعكس حرص العراق على استقرار حدوده وتعزيز العلاقات مع الجار السوري.

 

لبنان

شهد لبنان مزيجًا من الترقب والانفتاح تجاه التغيرات في سوريا. زار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط دمشق في خطوة رمزية، وتلتها زيارات واتصالات رفيعة المستوى. ومع انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، دُشنت مرحلة جديدة من العلاقات السورية-اللبنانية، ترافقت مع دعوات للحوار ومعالجة القضايا العالقة.

 

عمان

تواصلت سلطنة عمان بسرعة مع الإدارة السورية الجديدة عبر اتصال هاتفي أعقبه زيارة وفد رفيع المستوى إلى دمشق. أكد الجانب العماني دعمه لاستقرار سوريا، مشيرًا إلى الروابط التاريخية العميقة بين البلدين، ما يعكس موقف عمان الحيادي والداعم للاستقرار الإقليمي.

 

السودان

باركت السودان للشعب السوري انتصاره، وأعربت عن دعمها الكامل للخطوات التي تخدم الأمن والاستقرار في سوريا. أكدت الخرطوم على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية وزيادة التعاون، بما يخدم مصالح الشعبين ويعزز الاستقرار في المنطقة.

المغرب

أعلنت المغرب دعمها للإدارة السورية الجديدة، وشددت على ضرورة تعزيز العلاقات الثنائية بما يخدم المصالح المشتركة. أظهر موقف الرباط انفتاحًا على تطوير التعاون الدبلوماسي مع سوريا، بما يتماشى مع مصالح البلدي.

في ظل قيادة أحمد الشرع، تبدو سوريا على أعتاب مرحلة جديدة تحمل معها فرصًا وتحديات كبرى. تسعى الإدارة الجديدة إلى بناء دولة مستقرة تعتمد على المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار، مع تعزيز دور المؤسسات واحترام تطلعات الشعب السوري. ورغم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها البلاد، فإن الدعم العربي والدولي يشير إلى إمكانية تحقيق تحول إيجابي يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية.

المستقبل في سوريا يتطلب رؤية شاملة تعالج جذور الأزمة وتستجيب لتطلعات مختلف مكونات الشعب السوري. ومع تضافر الجهود الداخلية والإقليمية والدولية، يمكن أن تمهد هذه المرحلة الطريق لبناء دولة جديدة تقوم على العدالة والتنمية والسلام. سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة كتابة فصل جديد في تاريخها، قائم على الوحدة والتقدم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى