تحقيقات صحفيهحوادث وقضايا

سلم النقابة في زمن الاشتباك الإقليمي بين عفوية التضامن وخيوط الاختراق الناعم

ياسر مطري 

في توقيت بالغ الحساسية، يشهد سلم نقابة الصحفيين بالقاهرة عودة مشهد التظاهرات الداعمة لفلسطين، في أعقاب التصعيد الدموي المتواصل على قطاع غزة، بينما تتزامن هذه التظاهرات مع واحدة من أخطر المواجهات الإقليمية في الشرق الأوسط: الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، والتي خرجت عن نطاق الضربات المحدودة لتأخذ طابعًا استراتيجيًا شاملًا يمتد عبر أكثر من جبهة.

هذا التزامن، وإن بدا للوهلة الأولى طبيعيًا في ظل غضب الشارع العربي، إلا أنه يُحتم قراءة أعمق لأبعاد ما يحدث على أرض مصر، وفي شوارعها، وعلى درج نقابتها الصحفية.

لطالما كان سلم نقابة الصحفيين رمزًا لحرية الرأي والتعبير في مصر، وملاذًا لكل من أراد التعبير السلمي عن موقف سياسي أو إنساني، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، عاد هذا السلم ليشهد تظاهرات رافضة للجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين، ومطالبة بفتح معبر رفح وتقديم الدعم الإنساني لأهالي القطاع المحاصر.

لكن السؤال الذي يُطرح اليوم بجدية هو: هل تظل هذه التحركات في إطارها الوطني العفوي النقي؟ أم أن أطرافًا خارجية تحاول أن تجعل من المشهد المصري ساحة جانبية لمعارك إقليمية أكبر تُدار بين قوى متعددة، كلٌّ منها يسعى إلى إعادة تشكيل خريطة النفوذ في المنطقة؟

من اللافت أن هذا الحراك الشعبي يتزامن مع تصاعد الضغوط على الدولة المصرية لفتح معبر رفح بشكل كامل لعبور قوافل «مساعدات إنسانية»، بعضها مشروع وضروري، وبعضها الآخر مثير للجدل في توقيته وتركيبته ومساراته. 

وتتعدد التساؤلات حول خلفيات بعض هذه القوافل التي تنطلق من دول أو جهات تنتمي لمحور المقاومة، أو ترتبط به سياسيًا أو أيديولوجيًا، في ظل اشتعال الساحات من جنوب لبنان إلى اليمن، ومن سوريا إلى العراق.

وبعيدًا عن النوايا المعلنة، فإن تسلل أبعاد استخباراتية إلى بعض القوافل أو التحركات «الشعبية» ليس احتمالًا عبثيًا، بل واقعًا يجب أن نحتاط له، خاصة في ظل اختلاط الأوراق بين الدعم الإنساني، والعمل السياسي، وأحيانًا التوظيف الاستراتيجي لمساحات التأييد الشعبي داخل دول مثل مصر.

منذ أيام، تصاعدت المواجهة بين إيران وإسرائيل في أكثر من ميدان، وبينما تُعدّ طهران فاعلًا إقليميًا كبيرًا له امتداداته وتأثيراته في عدد من الساحات العربية، فإن الحرب الجارية ليست مجرد خلاف عسكري، بل اشتباك سياسي عميق، تتقاطع فيه مصالح دولية، وحسابات قوى كبرى، وتحالفات متداخلة.

ولا يمكن إغفال أن بعض الأطراف، سواء في الغرب أو الإقليم، قد تسعى لاستخدام نقاط التوتر العربي – الإسرائيلي كمدخل لإرباك الداخل العربي، أو جرّه إلى اصطفافات ليست في مصلحته المباشرة.

 فبلدنا مصر، تعتبر دولة محورية، لطالما اتخذت مواقف متوازنة تراعي دعم الشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته تحفاظ على أمنها القومي ومنع انزلاقها إلى معارك ليست طرفًا فيها.

ما يحدث اليوم على سلم النقابة، وإن كان في ظاهره تضامنًا إنسانيًا مشروعًا، إلا أن تكرار المشهد بتوقيتات سياسية شديدة الدقة، ومع دخول أطراف غير صحفية، يفتح الباب للتساؤل حول إمكانية استغلال المساحات الرمزية داخل الدولة المصرية لترويج رسائل سياسية غير وطنية أو غير متسقة مع سياسات الدولة.

إننا أمام لحظة فارقة، تتطلب من جميع القوى الوطنية، وفي مقدمتها الصحفيون، أن يُفرّقوا بين التعبير الوطني الصادق وبين محاولات التوجيه تحت شعارات براقة، قد تُخفي وراءها مصالح غير فلسطينية، أو أجندات تريد دفع مصر إلى زوايا حادة لا تخدم سوى خصومها أو مَن ينافسونها على الدور.

ولا أحد يُنكر عدالة القضية الفلسطينية، ولا يُشكّك في وجدان شعبنا العظيم الذي لطالما كان في طليعة الداعمين لها، لكن حماية هذا الوجدان تتطلب وعيًا سياسيًا ووطنيًا رفيعًا، يُميّز بين الغضب الشريف، والمخطط الذكي.

إن السؤال الحقيقي اليوم لم يعد فقط: مع من نقف؟ بل كيف نقف؟ وأين؟ وتحت أي شعار؟ ومن يقف معنا؟ ومن يحاول أن يدفعنا إلى حيث لا نريد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى