كتب/تامر فؤاد
في رثاء والدي… والدى
لا أستطيع أن اتنفس و أنا أراه يتألم بعد هذا العمر، نظرات زائغة، كلمات غلبها الوهن، ذاكرة شاردة وحزن ارتسم على وجه يتألم بصمت. كما هو لم يتغير بالرغم من أمراض الشيخوخة وآلامها، مازالت ابتسامة المجاملة الهادئة لثوان عند الترحيب بكل من يقوم بزيارته ثم العودة الى عالمه. لحظات أو دقائق قليلة يعود إلينا يشكو بوهن من بعض الآلام وعدم المقدرة على الحركة مع عجز شديد منى لعدم القدرة على تخفيف الآمه …. إحساس رهيب …. يا الله.
نظرات إشفاق؟ لا … لكن نظرات تأمل وتنشيط لذاكرتى التى أصبحت لا تستوعب هذه الدروس التى لقننى إياها على مدار العمر فى مدرسته شديدة الخصوصية، الهدوء والصمت والصبر حتى فى لحظات الانتظار. مدرسة نشأت وتعلمت فيها , تعتمد على منهج الجدية والصرامة والحب والعطاء والاخلاص، إنه المعلم والقدوة والمثل الأعلى، إنه القائد وكبير العائلة، إنه صانع الفرحة والبهجة. إنه صاحب المدرسة نادرة الوجود ذات المناهج التعليمية المختلفة التى وضعها من خبراته وتجاربه المتعددة وكان على يقين بنجاحها ونجاح خريجيها.
أب، أخ، صديق، معلم؟ لا أعرف، فهو كل هؤلاء. أب عاش من أجل أبنائه يحلم معهم ويفسر أحلامهم ويحققها لهم، يبكى للفراق ويفرح للقاء , يترك عمله لمجرد الاطمئنان عليهم، أخ يسمع وينصح ويكتم السر ويشاركك أحلامك، صديق يصدقك ويصطحبك , يخاف ويحافظ عليك، معلم صارم شديد الاحترام , متمكن من أدواته وصاحب رؤية ثاقبة.
لست هنا من أجل تسجيل انجازات أو تضحيات من أجل أبنائه وكل أسرته، ولكن لسرد تجربة لم أكن أتوقع أن أعيشها يوما , لارى هذا الهرم الشامخ القوى يتألم وهو فى حالة ضعف، تجربة مريرة تكاد أن تكون كابوسا أظهر ضعفى الشديد نحو رد جزء مما قدمه لنا جميعا سوى , تجربة لم أملك حيالها إلا الدعاء بتخفيف الآلام.
– أنا: صباح الخير يابابا
– القدوة: صباح النور يا ممدوح إيه الابتسامة الجميلة دى
– أنا: حضرتك عامل إيه النهارده
– القدوة: كويس الحمد لله، أنا هروح إمتى؟
– أنا: إحنا فى البيت يا حبيبى.
صمت وشرود ثم ابتسامة شاحبة على وجه مرهق للمجاملة
– القدوة: أنا بحبك يا ممدوح، طول عمرك مصدر فرح لى
– أنا: ربنا يخليك لنا يا ظهرنا ومصدر الأمان
– القدوة: لا كفاية كده
شرود وصمت وبعض الكلمات والأسئلة غير المرتبة ثم الدخول الى عالمه، ثم العودة مرة أخرى بسؤال من عالمه، مع عجز عن الأجابة منى، مع نظرة شاردة وعلامات اندهاش على وجهه لعدم الاجابة ثم العودة مرة أخرى لعالمه. أنه يعيش فى عالمنا يتحدث معنا ويشاركنا بعض الموضوعات ولكن بذاكرة ضعيفة و يعيش عالمه الذى لا ندرى عنه شىء.
أبى وصديقى , أخى وحبيبى , أشهد الله أنك راعيتنا وعلمتنا ولم تبخل يوما علينا حتى وأنت فى لحظات الانتظار. علمتنا حتى وأنت فى سكرات الموت الصبر وجبر الخاطر، علمتنا حتى وأنت فى سكرات الموت الحياة. , حياك ربي أيها المعلم الذى علمنى كيف أحيا وأنا فى انتظار الموت. أبى يا من كنت حتى في تفاصيلك الصغيرة كبيرا , معلما , ثق يا أبي أنني على العهد ولن يضيع ما علمته لي وما غرسته في نفسي أبدا ما حييت ، لن أخيب ظنك وسأظل مصدر فخرك كما كنت تحب.
يا الله نسألك العفو والمغفرة والرحمة لأبى، والعفو والمغفرة لى لتقصيرى معه فى لحظات ضعفه التى كنا السبب فيها، فقد أنهك فى تربيتنا وتعليمنا.
وداعا يا من أغلقت عيناك ورحلت الى حياة أخرى تسودها الطمأنينة والراحة الأبدية، أه يا أبي لو كنت أملك أن أهديك قلبي , أهديك عمري ولكن انتهى كل شىء.
ستظل يا أبى حيا في قلوبنا، نتألم لفراقك ولكن ما يواسينى أنك فى رحمة الله.
ليس وداعا ولكن إلى لقاء.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.