الهدوء المأمول بعد 14 شهرًا من التوتر: اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل
الجيش اللبناني يستعيد فرصة الوجود بشكل أكبر.. وتحذيرات لحزب الله بخرق الاتفاق
متابعة – د. حامد بدر
دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ في فجر الأربعاء 27 نوفمبر 2024، بعد نحو 14 شهراً من التصعيد العسكري العنيف بين الطرفين. هذا الاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية، يُعتبر نقطة تحول في المنطقة التي شهدت توترات شديدة بعد اندلاع الحرب في أكتوبر من العام الماضي. ورغم أن الاتفاق يُعد خطوة هامة نحو استعادة الاستقرار في لبنان، إلا أن التنفيذ يتطلب التزاماً جاداً من جميع الأطراف لضمان عدم عودة العنف.
ما شروط اتفاق وقف إطلاق النار؟
سريان الاتفاق:
دخل الاتفاق حيز التنفيذ في الساعة الرابعة صباحًا بتوقيت لبنان (الثانية فجراً بتوقيت غرينتش)، حيث ساد الهدوء النسبي في المناطق المتأثرة بالغارات الإسرائيلية، خاصة الضاحية الجنوبية لبيروت. هذا الهدوء جاء بعد ليلة من الغارات الجوية الإسرائيلية، التي كانت آخر موجة من الهجمات قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ. مع ذلك، أصدرت إسرائيل تحذيرات للسكان في جنوب لبنان بعدم العودة إلى منازلهم حتى إشعار آخر، وذلك لتفادي أي مخاطر قد تنجم عن الخروقات الأمنية المحتملة بعد سريان الاتفاق.
تحذيرات من العودة للمنازل:
وفي إطار التحذيرات الإسرائيلية، طلب الجيش من سكان جنوب لبنان الامتناع عن العودة إلى مناطقهم في الوقت الراهن، حتى يتم تحديد موعد رسمي لذلك. هذه الخطوة جاءت لضمان سلامتهم في ظل المخاوف من أن يؤدي تنفيذ الاتفاق إلى خروقات قد تضر بالمدنيين. يعكس هذا التحذير الطبيعة الهشة للأوضاع الأمنية على الأرض بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
الضربات الأخيرة قبل الاتفاق:
قبل سريان الاتفاق، شنت إسرائيل هجمات مكثفة على الضاحية الجنوبية لبيروت في محاولة لتقليص قدرة حزب الله على التحرك العسكري. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 24 شخصًا في آخر موجة من الضغوط التي مارستها إسرائيل على الحزب، وهو ما يُظهر حرص إسرائيل على تأكيد قدرتها على الرد على أي تهديد محتمل قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ.
الوساطة الأمريكية والتحركات الدولية
تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد جهود دبلوماسية مكثفة من قبل الولايات المتحدة، التي لعبت دور الوسيط الرئيسي بين إسرائيل وحزب الله. هذه الوساطة كانت العامل الرئيسي في تحديد إطار الاتفاق وإقناع الأطراف المعنية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، بعد أن كانت التوترات في المنطقة قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. وقد تركزت الوساطة على ضمان التزام الطرفين بالهدنة مع مراقبة دقيقة من المجتمع الدولي، خاصة أن تجارب سابقة شهدت إخفاقات في تنفيذ اتفاقات مشابهة.
التزام المجتمع الدولي:
في تصريحات إعلامية، أكد المبعوث الرئاسي الأمريكي، عاموس هوكستين، أن المجتمع الدولي سيكون حريصاً على مراقبة سير تنفيذ الاتفاق بدقة. كما أكد أن الولايات المتحدة، بالتعاون مع فرنسا، ستراقب عن كثب تطبيق بنود الاتفاق لضمان عدم حدوث أي خروقات قد تؤدي إلى تصعيد آخر. في هذا السياق، أشار هوكستين إلى أن أي خرق للاتفاق سيُعالج فوراً عبر التنسيق بين الجيش اللبناني والدول الوسيطة، لضمان عدم تحول الأمر إلى تهديد أكبر.
خطة إعادة انتشار الجيش اللبناني
إعادة الانتشار في الجنوب:
بموجب الاتفاق، سيتمكن الجيش اللبناني من استعادة السيطرة على العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة جماعات مسلحة، بما في ذلك حزب الله. وأوضح هوكستين أن الجيش اللبناني سيبدأ عملية إعادة الانتشار في الجنوب، بما في ذلك مناطق كانت خالية من أي وجود عسكري لبناني لفترات طويلة. عملية إعادة الانتشار هذه قد تستغرق بعض الوقت، لذلك ستبقى القوات الإسرائيلية في بعض المواقع جنوب لبنان حتى يتمكن الجيش اللبناني من تمركزه في تلك المناطق.
التعاون الدولي في دعم الجيش اللبناني:
في خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار في لبنان، شدد هوكستين على أهمية الدعم الدولي للجيش اللبناني، ليس فقط في مجال الدعم العسكري والتقني، بل أيضًا في تقديم الدعم المالي لتعزيز قدراته وتدريبه بشكل فعال. كما أشار إلى أن الأسابيع المقبلة ستشهد اجتماعات مع دول المنطقة وأوروبا وآسيا، بالإضافة إلى مؤسسات دولية مثل البنك الدولي، بهدف تقديم دعم اقتصادي للبنان.
الفرصة لاستعادة سيادة لبنان
دور الحكومة اللبنانية:
شدد هوكستين على أن الحكومة اللبنانية يجب أن تستغل هذا الاتفاق من أجل تأكيد سيطرتها على جميع أراضيها. وأضاف أن عملية استعادة السيطرة على الحدود والمعابر يجب أن تكون أولوية، مع التأكيد على أن الأسلحة يجب أن تدخل البلاد عبر قنوات قانونية تخضع للإشراف الحكومي. ويُعتبر هذا جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز سيادة لبنان وخلق بيئة مستقرة.
الفرصة لاختيار رئيس جديد:
اعتبر هوكستين أن الاتفاق يمثل فرصة تاريخية للبنان لتحديد مستقبله السياسي، خاصة في ظل الشغور الرئاسي المستمر منذ فترة طويلة. وأكد أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار يوفر الفرصة المناسبة لتشكيل حكومة جديدة تمثل تطلعات الشعب اللبناني بعيداً عن الضغوط الخارجية.
التحديات أمام تنفيذ الاتفاق
رغم الأمل الكبير الذي يحمله الاتفاق، إلا أن هناك تحديات كبيرة قد تواجه تنفيذه على أرض الواقع. من أبرز هذه التحديات استمرار الخلافات الإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى صعوبة ضمان الالتزام الكامل من حزب الله وإسرائيل ببنود الاتفاق. علاوة على ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل سيستمر هذا الهدوء بعد عامين من التوترات المستمرة أم سيشهد الوضع مزيدًا من التصعيد؟
في الختام، يمثل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل فرصة حقيقية لبناء استقرار طويل الأمد في المنطقة، ولكن يتطلب ذلك التزاماً حقيقياً من جميع الأطراف المعنية ودعماً دولياً مستمراً لتحقيق الأمن والسيادة اللبنانية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.