مقالات واراء

الداعية والخطاب الديني المعاصر : دور الدولة

حامد بدر يكتب:
إن المجتمع المصري وبخاصة المسلم، صار يتعامل مع الدُعاة كل يوم، وذلك لطبيعة الظروف التي يمر بها على كافة النواحي السياسية والاقتصادية وحتى العالمية التي تحدث من حوله، فدومًا يلجأ إلى هذا الأقرب الذي يمتلك أدوات أكثر حميمية مع الناس وربما أكثر فعَّالية، فمقتضيات الحداثة والتطور الذي صرنا نحن المستخدمون جزءًا من صناعته جعلت الداعية، أمام محاولات من إثبات الوجود، وأصبح الداعية ليس فردًا فقط، بل ربما مجموعات دعوية على مواقع التواصل الاجتماعي، لها تأثيرًا في الناس.
حين دعت القيادة السياسية ومن قبل أن تدعو لتطوير الخطاب الديني برز الدعاة المتطوعون، فمنهم من امتثل لتطوير لخطاب بمنهجية وسطية أو بمعنى أدق منهجية استنباط الأحكام من الوقائع المجتمعية فحاولوا تقريب المفاهيم وإنتاج الشروحات المُبَسَّطة، وفي ذات السياق خرج علينا من انتهكوا تراثا أصيلا ذا منهج وطريق، أثارت غضب الناس، ولم يزل هناك من يفعل العكس ويضرب بالحاضر وظروف الواقع عرض الحائط، ونتاجا لما سبق صار – في الأعم الأشمل – الناس صنفان، الأول يتطرف بعدا عن الأصول، والآخر يتطرَّف، فيكون أشد أصولية فيبتعد عن واقعه وكلاهما متطرفان، ناهيك عن تسييس المبدأ الدعوي، وأقرب مثالين للفئتين وجدنا دعاة الانقسام وبناء مجتمعات نمطية على طراز إيديولوجي بحت نأوا عن هدفهم الذي اعتقدوا فيه السمو فصاروا إما غرباء وسط غرباء أو مطاردين في الصحراء، كجماعات مسلحة ومتشددة، وآخرين تعنتوا واتهما التراث، فكان مصيره أن قضى عقوبة داخل السجن بحكم قضائي.
وعلى جنب آخر، نشأت فئة ثالث، ربما كانت السواد الأعظم، لم يكن الموضوع ذا اهتمام لهم، فظروف الحياة قد أبعدتهم عن شأن البحث في الدين، ولا أقول الدين، فازدادوا عدم معرفية بما يدور حولهم، وصاروا مشكلة أكبر في محاولة توجيه الأحدايث والدعوة لهم، وخاصة في ظل غياب “التثقُّف الديني” ، المُشار إليه في الجزء الأول من هذا المقال .
لكن دون الخوض في تفاصيل أيما الفئتين أو تلك الفئة الثالثة الأبدى والأجدى لنا – من منظور واقعي – أن يُعاد النظر في تصحيح الخطاب الديني، على مستوى الدُعاة، الذي يحتاج “مبدئيًا” إلى عدد من الإجراءات يجب أن تُفعِّلها الدولة المصرية:
أولها تطوير طريقة تفكير ودراسة شأن الدين، دون التعنت أو التسيب، فلا بالتشدد نضرب خير الأمور ولا بالتعاون تعلى مفاسدها.. وهذا يقع مسؤوليته على المؤسسات العلمية والدينية (المدرسة والجامعة والأزهر) وذلك دون تسييس، فيشمل هذا تصحيح المفاهيم وإعطاءها حجمها الحقيقي داخل المجتمع المصري.
ثانيها تطوير طريقة عرض المحتوى الديني على العوام، فالشرح الهين اللين العاقل ال( ذو مغزى) هو بيت القصيد، ومثلا شروحات الأئمة العظام وأصحمصيرهاب منهج السلف، يجب الاستعانه به من مصادره الأصيلة أو على الأقل الاستعانة بمصادر أكثر قربا من مواطن الشارع ( الذي يخرج يعمل ويجتهد وأيضا الذي يقف محلَّه ويعاني)، فبهذا تجتمع الأمة على كلمة سواء .
ثالثًها تحديد وظائف الداعية وتطوير وظيفته داخل المجتمع، فلا نقصد بالتحديد التحجيم ولا المحاذير، ولكن وضع إطار شرعي وقانوني للداعية يحدد خانته فلا هو جاهلا ً بأمر الدين ولا هو مصدرًا معتمدًا للفتوى، دون توقيف مسار الدعوة إلى الله أو ترك الأمور لكل من هبّ ودبْ، فتكون النتيجة استجابة كل المجتمع. “وهذا يأتي في صالح الدعاة “.
رابعها إلزام الدعاة – مهما اختلفت مذهبيتهم وانتماءاتهم ورقهم التي تبعونها – بأن يحضروا دورات تدريبية ومناقشات دورية تشمل مقررات تحتوي على جوانب علمية ونفسية وتاريخية، تحت إشراف الأزهر الشريف (يكون مسموحًا على هوامشها تبادل الأفكار بحرية قيمية سليمة، كي يتسنى رفع مستوى قدراتهم لغويا وفكريا وتكنولوجيا حتى.. فيكون ذلك بمثابة دفعة لعملية الوعظ والاتجاه الدعوى الإيجابي. (فيكون ذلك مكسبا علميا آخر في صالح الدعاة.
خامسها إرساء مبدأ (اللا أعلم)، فالداعية ليس مُنَزَّهًا عن الخطأ، فورود الخطأ عنه مغفور ما إن تم تداركه والعدول عنه وتصحيحه بكل أريحية.
سادسها منع إثارة الجدل خلال عملية الوعظ الديني، الذي هو أساس استقامة الأمة ولا سيما نشئها وشبابها، فيكون الوعظ قد أدى وظيفته الاتصالية مع أفراد المجتمع الذي فيه على وجهه الصحيح ولا نقول الأكمل؛ لأن الكمال لله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى